«علي زوا» فيلم مغربي جديد عن الأطفال المشردين

TT

«علي زوا» عنوان الفيلم الأخير لنبيل عيوش الذي دشن أول خروج له للقاعات السينمائية المغربية في الأسبوع الماضي ليتحف الجمهور بجديد سينمائي يعالج مشكلة الأطفال المشردين بحسين، إنساني وجمالي، خاصين لا يجذبان انتباه الجمهور وإثارة انفعالاته وتحريك مشاعر الشفقة فيه، وإنما ليعالجا إحدى أكبر المشاكل الإنسانية وليسمحا للطفل المغربي المشرد برسم مأساته كما يعيشها هو، لا كما يحلو لهواة جذب الجمهور لشباك التذاكر تقديمها.

حين أقبل عيوش على إخراج شريطة المطول الأول «مكتوب» ظن الكثيرون أن الأمر يتعلق بمخرج مدلل ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، فأقبل على السينما ليلهو بها، وليخرج فيلما من أفلام المغامرة، لكن عيوش «خيب آمال» هؤلاء، وأخرج أحد الأفلام الأكثر نجاحا وشهرة في المغرب، تطرق فيه بجرأة لإحدى القضايا التي شغلت الرأي العام المغربي لمدة طويلة، والمتجلية في استغلال أصحاب السلطة لمراكزهم للسيطرة على الآخرين وتوظيف النساء لإشباع غرائزهم وتحقيق مطمحهم من خلال قضية ضابط الشرطة «ثابت» التي روعت الرأي العام المغربي وحتى الأجنبي بفعل فظاعتها.

وبفيلم «علي زوا» ـ 90 دقيقة ـ عاد عيوش ليؤكد اتجاهه الاجتماعي الهادف نحو التطهير من خلال طرح القضايا الاجتماعية الشائكة بأسلوب واقعي لا يخلو من مسحة سينمائية خاصة، وحس فني متميز.

يحكي الفيلم قصة أربعة أطفال مشردين في شوارع مدينة الدار البيضاء حيث يخضعون لسيطرة شخص شرس يلقب بالذئب، الذي يستغلهم مستعملا في ذلك مظهره المخيف وعنفه المتواصل ليعيشوا بذلك واقعا مأساويا ومستقبلا غامضا كل مؤشراته تقول أنه سيكون مظلما حيث لا مكان للحلم و لا للأمل.

ومع ذلك يحلم علي، بطل الفيلم، بركوب البحر والسفر لجزيرة الشمس حيث الغنى والسعادة، وذلك هربا من واقع بائس في الشارع ومن أسرة تتجرأ الأم فيها على محاولة بيع عيني إبنها لتخرج الأسرة من بؤسها، وتبيع جسدها مرات عديدة في اليوم، لتملأ أفواه أبنائها المفتوحة وبطونهم الجائعة، ويبقى حلم علي بالرحيل مجرد تعويض عن حلم أكبر في العودة إلى البيت والعيش في أسرة سعيدة، نظيفة ومستقرة كما يتضح ذلك مع نهاية الفيلم.

وفي انتظار تحقق حلم الأسرة السعيدة أو السفر يرتمي علي في حضن الشارع ويكون لنفسه شلة من الأصدقاء يحتضنها بيت أوسع هو الشارع حيث البرد والجوع والعنف المتواصل حينا والمفاجئ أحيانا أخرى.

ومع (علي) محمد مجد و(الأم) آمال عيوش و(بوبكر) هشام موسون و(عمر) مصطفى الحنصالي و(كويتة) منعم القباب، يقدم نبيل عيوش مأساة أطفال الشوارع بإخراج سينمائي متميز يلتقط مختلف تفاصيل الوجوه لتغدو ملامحها لسانا ناطقا بمأساة الطفولة المشردة وليستغني بها في الكثير من الأحيان عن اللحن والكلمة في فضح مدى قسوة الحياة والمجتمع.

فهشام وأبو بكر وعلي وعمر.. وغيرهم، أطفال شاءت ظروفهم أن يرموا في الشارع ليعانوا مرارة الحياة منذ نعومة أظافرهم. يقول علي بطل الفيلم «لقد وجدت نفسي في الشارع في سن جد مبكرة، ومعاناتي عرضتها في الفيلم لعل الآباء يعوا مرارة حياة الشارع ويقوا أطفالهم منه».

هو حديث اندهشنا بالفعل أن يأتي من طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، ولم يتلق تعليما ولا تربية خاصين، يقول: «لقد تحدثنا مع نبيل، ومع الكثير من أصدقائه لوقت طويل و تمكنت أنا وأصدقائي من تعلم الكثير من الأشياء، ثم إن الحياة التي نحياها علمتنا ما نحب وما نكره».

بدأت فكرة الفيلم منذ ثلاث سنوات حين ذهب نبيل عيوش لجمعية «بيتي» المتخصصة في معالجة مشكلة الأطفال المشردين، حيث عرض على رئيسة الجمعية نجاة المجيد فكرة الفيلم وطلب منها مساعدته على إيجاد أطفال مشردين فعلا قادرين على التمثيل في شريط سينمائي، وكذا التقرب من وسط هؤلاء لكتابة سيناريو جيد، لتبدأ المرحلة الحاسمة في الالتقاء اليومي بالأطفال ومناقشتهم في مختلف القضايا التي تشغلهم، وانطلاقا من ذلك كتابة سيناريو فيلم أبطاله هم الأطفال المشردون أنفسهم.

فعلي وأصدقاؤه ليسوا ممثلين سينمائيين اختارهم المخرج بالاستعانة بمتخصصين في اختيار الممثلين، وإنما أطفال قست عليهم ظروفهم فعانوا حياة الشارع ووجدوا أنفسهم مع «علي زوا» يعيدون رسم ذلك الواقع بطريقة فنية متميزة.

وبفيلم «علي زوا»، الذي نال الجائزة الأولى لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة ودخل في لائحة الأفلام التي قد يحالفها الحظ في الفوز بإحدى جوائز كان السينمائي الدولي، حول المخرج علي وأصدقاءه إلى أبطال في ذاكرة السينما المغربية، ومنحهم فرصة التعبير عن ذواتهم من دون وساطة الكبار، في فيلم يمزج في تماهٍ شديد بين البعد الإنساني والبعد الجمالي للسينما وهو ما عجزت عنه الكثير من الأفلام التي عالجت مشاكل الفئة البائسة من المجتمع من خلال إغراقها في تصوير مأساوية حياة الأطفال المشردين لدرجة يصبح معها الفيلم مأساة في حد ذاته! ولم يشكل انتهاء تصوير الفيلم مع شهر يناير (كانون الثاني) المنصرم انتهاء للأمل الذي راود أبطال الفيلم «المشردين» في حياة أفضل، إذ لم يعودوا للشارع وإنما تابعت معهم جمعية «بيتي» محاولاتها لإدماجهم في محيطهم الاجتماعي، حيث عاد علي وكويتة وعمر وبوبكر لبيوتهم ودخل آخر المدرسة، واثنان عادا من جديد لمتابعة دروس التكوين المهني.

وقد أجمع مختلف من شاهدوا الفيلم من صحافيين ونقاد وسينمائيين وغيرهم على جودة الفيلم وقدرته على النجاح واستقطاب الجمهور، لكن بعض من شاهدوه اعتبروا إحدى لقطاته التي تظهر فيها الأم ـ آمال عيوش ـ التي تمارس مهنة البغاء, وهي مع أحد الأشخاص في وضع حميمي، لقطة مجانبة كان من الممكن الاستغناء عنها، وهو ما يطرح من جديد مسألة الجرأة في السينما المغربية حيث تواجه محاولات العديد من المخرجين المغاربة بتقديم لقطات حميمية في أفلامهم بالرفض من قبل الكثير من المشاهدين وحتى النقاد الذين يعتبرون الفيلم المغربي معبرا عن هويتهم وذواتهم التي لا يريدون أن يرووها في مواقف تخدش الحياء، لكنهم ومقابل ذلك يشاهدون أفلاما أجنبية عربية وغربية جريئة حد الابتذال، فهل هو تناقض في شخصية الجمهور المغربي أم هو تعبير عن نوع من الخصوصية والتميز؟ ذاك ما قد نجيب عنه في مقالات لاحقة.

* ملحوظة: المادة مرفقة بصورة نبيل عيوش