قضية العمالة الأجنبية في لبنان في مسرحية تطبق «الجمهور عاوز كده»

TT

يستعيد الكاتب المسرحي والتلفزيوني اللبناني مروان نجار عملاً، كان قدمه في الثمانينات، ليطل به على جمهوره، هو «عريسين مدري من وين» مع اضافة عبارة «موديل سنة الـ 2000».

ويبرر نجار هذه الاستعادة بكثرة السؤال عن سبب انهاء العروض آنذاك. رغم رواج المسرحية التي تجاوز عدد مشاهديها 100 الف مشاهد خلال 8 اشهر، مضيفاً انها «موجة من حنين الى لحظات ضحك متفجر ببراءة اشتاق اليه اللبنانيون».

ومسرحية نجار تطرح قضية العمالة الاجنبية في لبنان، وتعامل اللبنانيين مع الوافدين لخدمتهم من دولهم الفقيرة بشيء من التعالي والعنصرية. لكن طرح القضية لا يعني معالجتها، كأن الكاتب يكتفي منها بطرح العنوان، ومن ثم الباسه تفاصيل العمل. وهذه التفاصيل لا تخرج اساساً عن الايقاع المألوف لنجار، ان على شاشة التلفزيون او على خشبة المسرح، وتتمحور حول التباسات تتوالد لتولد سوء تفاهم في قالب كوميدي، يصل الى حد التهريج احياناً، وكأن مروان نجار قرر ان يمنح المشاهدين فرصة ضحك خالص يسيطر في اجواء لا تعقدها حبكة روائية او رؤية مسرحية طليعية في اطار نخبوبي. او كأنه يقول لمن يبحث عن التميز: «ليس عيباً ان نتمكن من انتزاع القهقهة من المشاهد عبر مبالغات في الحركة والحوار، ربما يكون الأمر انتصاراً. ولا بأس بقليل من التهريج، فنسيان الهموم اليومية في مسرح عائلي افضل منه في علب ليل وأمكنة مشبوهة قد تضر بصاحبها. فالكاتب يعتبر ان «الاضحاك المسرحي قوامه المواقف دائماً، وما يميز نوعاً مسرحياً عن الآخر هو الدافع المؤدي الى هذه المواقف. من هنا يعرف نجار مسرحيته بأنها تعتمد كوميديا الشخصيات وكوميديا الظروف، فالشخصية الرئيسية، اي الأب، تؤدي الى منابع التأزم المضحك من خلال الكشف عن عاهاتها الاجتماعية والاخلاقية، فهذا الأب ذكوري وعنصري، يرفض فكرة زواج فتيات اسرته، ويستبيح لنفسه عروساً من جيل ابنتيه. وهو ايضاً انتهازي ووصولي نجح بالغدر والمداهنة. وتنعكس عبقرية الأب وذكوريته على من يحيط به، فيضطر شابان معجبان بابنتيه الى التنكر كخادمين من سيري لانكا ليبقيا بالقرب من هواهما، ويتيح لهما هذا التنكر فرصة ذهبية للاطلاع على مؤامرات تحاك ضد الأب المتعصب. وعلى هذا الاساس يصول الممثلون ويجولون في ديكور انيق كلاسيكي، ويتبادلون حوارات لا تخرج عن السياق العادي، وان اعتمدت على بعض المبالغة، كاللعب على الالفاظ واستخدام السجع والعبارات المبطنة بأكثر من معنى، والانزلاق الى سوقية شعبية بغية الاضحاك فقط.

وفي هذا الاطار تبدو شخصيات المسرحية لبنانية بامتياز، لا اكثر ولا اقل، سطحية بالتأكيد انطلاقاً من الادوار التي توديها، حيث مجال الابداع محدود، باستثناء الممثلين طلال الجردي ورياض شيرازي، وهما العريسان المتخفيان بزي الخادمين، فقد استطاعا التحكم بالتعابير وحركة الجسد ونبرة الصوت، وخرجا من جلدهما اللبناني الى الشخصية السري لانكية جملة وتفصيلاً حواراً وغناء وانسجاماً وتواطؤاً، وبمهارة ربما تفوق حاجة المسرحية، حتى بدت الخشبة احياناً مشطورة الى جزءين، واحد لهما والآخر لبقية الممثلين، ربما لأن دوريهما يفرضان هذا التميز ويساعدان على نبش قدراتهما التمثيلية فيما بقية الادوار لا تحتاج الى ذلك.

والانشطار لا يقتصر على الهوة في الاداء التمثيلي لفريق العمل، وانما في ربط المشاهد المسرحية، اذ يشوبها بعض التفكك وكأن مروان نجار نقل الرؤية التلفزيونية الى الخشبة، واستعاض عن الربط المسرحي بنقل امين لمشاهد السيناريو والحفاظ على تقطيعها. ويتجلى هذا الانعكاس اكثر ما تجلى في الخاتمة التي هبطت فجأة دون سياق منطقي لتسلسل الاحداث، مما استوجب مجهوداً اكبر من الممثلين لجذب اهتمام المشاهد.

وهنا لم تنفع جهود المخرجة الصاعدة رنا نجار لرتق ما تفتق من عناصر التماسك في البنية المسرحية، ربما نتيجة التناقض بين رؤيتها للعمل الفني بتجرد وبين النص المرسوم سلفاً، وهذه التجربة تصعب عادة حتى على المخرجين المتمرسين، لذا يمكن تفهم بقاء الاخراج مقيداً. كما يمكن تبرير الامر بأن الكاتب حدد مسبقاً غاية المسرحية التي تهدف فقط الى «الاضحاك البريء»، ولم يترك للمخرجة مجالاً اوسع، انطلاقاً من مقولة «الجمهور عاوز كدة».

=