اهتمام بالأمكنة والبيوت القديمة

هيام عبد الباقي وإسماعيل غريب في معرض ثنائي في القاهرة

TT

استضافت قاعة «مشربية» بالقاهرة حديثاً معرضاً لافتاً لاثنين من فناني محافظة كفر الشيخ هما: الفنانة هيام عبد الباقي، والفنان اسماعيل غريب. يضم المعرض مجموعة متميزة من اللوحات الزيتية والحفر والاكريلك. تتناول رؤية كل فنان لكل عنصر من عناصر الحياة.

الأشخاص، الطيور، الشجر، ضوء الشمس، وغيرها من العناصر وعوامل الموت متمثلة في البيوت المهجورة، حيث جاء اهتمام الفنان اسماعيل غريب بالأمكنة والبيوت القديمة المصنوعة من الطوب اللبن، لكن رغم اهتمامه بابراز دفء العلاقة الدائرة بين الدار أو البيت والعناصر المحيطة به من مرتفعات ومتساويات إلا أن هذا الاهتمام جاء قاصراً على حالة السكون والصمت المتمثلة في البيوت المهجورة المجردة من كل شيء حتى عناصر الحياة والفنان بذلك لديه رؤية فلسفية خاصة بالأفراد واتجاههم للمدن بكل عيوبها متناسيين جذورهم الطينية المتأصلة في ديارهم.

لذا جاءت البيوت الساكنة المهملة التي لا تحيطها سوى عناصر السكون والصمت هي ذاتها البيوت التي كانت مفعمة بحركة الطفولة وظل الأشجار ورائحة الحياة، الآن وقد أصبحت معدمة الحياة والقيمة. هكذا يصورها الفنان اسماعيل غريب من خلال 25 لوحة مستخدماً ألوان الاكريلك بدرجات وكثافات مختلفة، فنرى تركيزه على استخدام الألوان الساخنة من الأحمر والبني ودرجاتهما ليعكس مساحات الدفء الكبيرة التي يحملها المكان بما في ذلك الفضاء من حوله وقد أهملها أصحابها في قسوة تامة.

وقد عبر باللون والمساحة عن المعنى الفكري لكلمة «دار» وعلاقتها بالأشخاص والحياة، وقيمتها بشكل عام. في حين ركزت الفنانة هيام عبد الباقي على توظيف كل العناصر الخاصة بالحياة كي تعبر عن ذاتها من خلال مجموعة من اللوحات الزيتية والحفر لتصوير الأشخاص والأشياء في حالة تجريدية مفعمة بالحس والدراما، فنرى اهتمامها برسم البنت الصغيرة والدمية الورقية أو القطنية والعناصر البيئية البسيطة الموجودة بالبيت الريفي، كما نرى توظيفها لكل عنصر يناسب استخدامه، ففي لوحة نرى البنت التي تجلس بدميتها تداعبها وتضمها إلى صدرها في حنان ودفء شديدين أما المساحات المحيطة فمليئة بالعناصر والانفعالات التي تدب فيها الحركة والحياة، وتبرز النوافذ التي يتخللها الضوء وزهرية الورد والمصابيح والكراسي والدمي الكثيرة. وكأنها في حوار دائم ومتناغم مع الفكرة التي يتضمنها العمل. ويكشف لنا هذا العمل عن قدرات هائلة في الكشف عن كوامن الفنانة، خاصة عالم الطفولة بمقوماتها الحقيقية (اللعبة) أيضاً مقومات الحياة (الحركة) وفي دراما لونية متوازنة بين الألوان الباردة والدافئة من درجات الأزرق والبني وهو ما أحدث حواراً بين العمل والمتلقي نجح في توصيل فلسفة الفنانة الخاصة به.

وعلى نحو آخر يهتم الفنان اسماعيل غريب بالتعبير عن السكون والصمت ومشاعر الانتماء عند الفرد وتركيزه على ابراز مواطن الجمال فيها من خلال مساحات اللون والعمل وكيفية توزيعه بشكل ينضج العلاقة الدائرة بين الكتلة والفراغ، مجسداً هواجس الموت حيث تتعامل الرؤية التشكيلية الخاصة بفلسفة الحياة والموت. وحيث تتزاوج الأفكار والتقنيات والعناصر داخل معرض فني واحد.

فالنظرة المتفائلة أو المتشائمة تعكس احساس الفنان بالأشياء من حوله وشكل العالم كيف يبدو؟ وكيف يمكن تشكيله أو تصوره؟ سواء جاء ذلك في صورة مؤيدة أم معارضة لفلسفة المتلقي. فنرى وجودنا أحياناً داخل البيوت المهجورة كلما اندمجنا في مشاهدتها وتأملها، وأحياناً أخرى نجد أنفسنا داخل البيت في هيئة عنصر آخر تفلسفه هيام عبد الباقي في تصويرها، وفي حين تعكس أعمال اسماعيل غريب احساساً بالغربة والبعد حيث تتركز فكرته في غربة المكان ووحدته بعيداً عن عناصر الحياة الأخرى مستعيناً بدرجات الاكريلك وكثافاته المختلفة في اكساب العمل صدقاً محسوساً ومؤثراً في المتلقي، ربما يبحث في هذه البيوت المهجورة عن ملامحه أو ذاته الضائعة. نجد هيام عبد الباقي تهتم بعناصر الحياة والطفولة وذلك من خلال حوار اللون والعنصر في مساحات مختلفة ومناسبة من الأعمال الزيتية والمحفورة.

=