سامي الربيعي: التشكيلي الذي استخدم الحرف تأكيدا للهوية

TT

بعد تخرجه في دار المعلمين الابتدائية في الاعظمية، بدأ سامي الربيعي حياته الوظيفية في عام 1960 معلما في مدرسة المأمونية الابتدائية النموذجية في بغداد.

ما جعله يضع قدمه الاولى على طريق ممارسة الفن التشكيلي، ومن ثم احترافه، وكانت وراء ذلك حكاية طريفة. فقد كان من بين طلابه في المرحلة الاولى «هابيل» ابن الفنان التشكيلي العراقي الراحل فائق حسن، الذي استحسن اداء المعلم في تعليم ابنه، فذهب إلىه ليطلع على مرسم المدرسة وطريقة المعلم في تعليم الصغار، وعندما التقاه فسح المجال امامه لدراسة الفن في المساء في معهد الفنون الجميلة..

وهكذا.. وكما يقول سامي الربيعي.. (اصبحت أعلم هابيل الفن في الصباح واتعلمه على يد ابيه في المساء)..

والربيعي كان إلى جانب اهتمامه باللوحة مصمما لعدة مجلات عنيت بالفن، من بينها (الرواق) و(فنون)، اضافة إلى عمله في صحف محلية عدة.. اصدر في عام 1964 مجلة للاطفال بالالوان، وساهم في اصدار مجلتين للاطفال في عام 1969.. كما تحول معدا ومقدما لبرامج الاطفال والشباب في تلفزيون العراق منذ ان كان يبث برامجه على الهواء مباشرة. ولقد كان خطاطا، وهذا ما ساعده كثيرا في ان يعنى في مرحلته الراهنة بالتراث وبالحرف العربي تحديدا، يضمنه اللوحة، ليشيع جو التجريد وهذا الفنان يدرك بعد هذا وذاك ان لوحته تزين المكان بما تملكه من زخم روحي وشمولية النقاء الذي عرفه الفن العربي الاسلامي. وسألناه في لقاء خاص عن اهتماماته المتعددة:

* كيف بدأت العمل في التلفزيون؟

ـ يعود لوظيفتي الفضل في دخولي عالم التلفزيون.. لقد كلفت يوما بدرس نموذجي للاعمال اليدوية.. وقتها كان البث حيا وعلى الهواء مباشرة، وشاهدني مدير التلفزيون، فدعاني لان اقدم برنامجا اسبوعيا. فكان اول ما قدمت (استفد من وقت فراغك) وكان مخصصا للاطفال، مهمته توظيف المواد المهملة لجعلها مواد مفيدة، كما يعرض كيفية تصليح بعض ادوات المنزل.. بعده قدمت برنامجا عنوانه (هوايتي المفضلة) وهو مخصص للشباب يشجعهم على العمل ويبرز هواياتهم المختلفة من رسم وطوابع او عملات او ساعات، وغير ذلك، واخرجه حسين التكريتي. ثم جاء (الورشة) ومن بعده (عصافير الجنة) ثم (الشاشة الصغيرة). وفي الاذاعة قدمت (ملاعب الصغار)، و(ركن الاطفال) للتلفزيون كان اخر ما قدمته، وتركت الاذاعة والتلفزيون في عام 1984.. وفي اثناء عملي في الاذاعة والتلفزيون تعلمت الاخراج التلفزيوني. ويوما استفدت من ذلك عندما غاب مخرج (ركن الاطفال)، فاخرجت البرنامج بعد ان سارعت إلى تدريب احد الاطفال المشاركين في تقديمه..

لوحتي تكشف شخصيتي

* كيف اتجهت نحو الرسم والخط؟

ـ من الطريف.. انني دخلت المدرسة الابتدائية وانا اتقن الكتابة والقراءة، بما في ذلك قراءة القرآن الكريم، وتميزت بخطي الجميل، وذلك بفضل (الكتاتيب)، وفي الثانوية الشرقية درسني «شوكت الرسام»، وهو من الفنانين الرواد، فتأثرت به إلى جانب هوايتي التي كانت عميقة في اعداد النشرات المدرسية ولافتات الاحتفالات المدرسية.. في الرسم بدأت مع البورتريه، ثم المناظر الطبيعية. واهتمامي بالمدرسة الانطباعية قادني إلى الاهتمام بذلك الارث الحضاري الهائل وجعلني استلهم التراث برؤى معاصرة..

* يبدو انك استفدت كثيرا من تجربة «الواسطي»؟

ـ استخدمت التسطيح مستفيدا من اعمال الواسطي، موظفا (البعد الواحد)، وذلك بتقنية حديثة. فأنا اتعامل بادوات غير الفرشاة، كما استخدمت الورق المذهب لاعطاء اللوحة جمالية عالية ونكهة من القدم.. اما الالوان المعتقة (الجوزي والتركواز والاخضر الداكن)، فانها تتداخل مع عناصر التراث الاخرى لتعطي تكوينا يحمل شخصية المكان، ويحدد هوية الفنان..

الحرف يمثل منتهى التجريد

* وأنت كيف تفهم التجريد؟

ـ التجريد هو التعبير عن الجوهر، واعتقد ان اوائل الرسامين التجريديين كانوا عراقيين. فالرسام العراقي الذي عاش التاريخ القديم عبر عن الاشياء بالمثلثات والدوائر، وعن الحروف برؤوس الحيوانات.. هناك اذن تجريد مطلق، وهو تجريد لا موضوعي يمكن وضعه في خانة العبث، وهناك تجريد يشكل بالنسبة للفنان التشكيلي حالة بحث بصري توازي اهمية الناحية الحسية ان هي لم تتعدها..

* والحرف العربي.. كيف جاء استخدامك له؟

ـ الحرف العربي يمثل منتهى التجريد، هل تعلم ان الانسان الياباني كان يمثل حرف الالف برأس الثور، والواو بالوتر، والهاء جاء بها من الهتاف، والنون من النحش او (الحنش) وهو ذكر الحية.. وهكذا.. وحين وظفت الحرف العربي، فقد تعاملت معه شكلا بعيدا عن معناه اللغوي.. الكتابة العربية تعطي زخرفة تزيينية للوحة..

* قيل ان لديك شأنا اخر مع الحرف غير استخدامك اياه في اللوحة.. فما ذاك؟

ـ عندما استوردت الحاسبات لاول مرة في العراق لاستخدامها في دوائر الماء والكهرباء وغيرها، كانت هناك مشكلة في الحاسبات نفسها، اذ ان الحرف العربي المستخدم فيها كان ضعيفا في بعض نواحيه، او مدببا اكثر من اللزوم. واتذكر انه من نوع التعليق او الفارسي، فكانت هذه الحروف تتسبب في ثقب الاوراق لدى عملية طبع اعداد كبيرة من الورق.. الشركة المصنعة للحاسبات كانت مستعدة لاستبدال الحرف اذا قدمت لها النماذج المطلوبة.. ومن هنا فقد اعلن المركز القومي للحاسبات عن مسابقة لتصميم حرف طباعي للكومبيوتر في عام 1975.. استهوتني الفكرة ودفعني الموضوع إلى البحث عن الكتابة منذ نشأتها، ووجدتني اشارك إلى جانب عدد من الخطاطين في هذه المسابقة، واذا بتصميمي يفوز بها.. لقد قدمت ابجدية موحدة تستخدم حاليا في حاسبات وقوائم الكهرباء والماء، هذه الابجدية اعتمدت على ان يكون للحرف شكل واحد سواء في بداية الكلمة او وسطها او آخرها، وهذا ما جعلني اختصر الحروف من تسعين شكلا طباعيا إلى ثلاثين.. وانا الآن بصدد عرض هذه الطريقة على وزارة التربية في العراق لتعليم اطفال المرحلة الاولى على وفقها..

* بأي من مشاركاتك الفنية تعتز؟

ـ كثيرة هي مشاركاتي في معارض الرسم المقامة داخل العراق وخارجه، وكثيرة ايضا الجوائز التي نلتها عن تصاميم او رسوم، لكنني اذكر بالاعتزاز اخر مشاركاتي الفنية، وكانت في نهاية عام 1999 حين اقامت اللجنة الدولية للصليب الاحمر معرضا في العراق تحت عنوان (الانسانية تعبر عتبة الالفية) وقدمت لوحة استلهمت عنوانها من كلمة للكاتب ارنست همنغواي تقول: (قد يهزم الانسان ولكنه لا يتحطم)..

* والرسوم المتحركة، ماذا عنها؟

ـ قدمت اول عمل في الرسوم المتحركة في عام 1965، اذ نفذت اول مقدمة لنشرة الاخبار التلفزيونية. كما عملت فيلما كنت انتجته في وقت سبق تاريخ الصعود للقمر، فعد وقتها من قبيل الخيال العلمي، اذ عرضت فيه في دقيقة واحدة كيفية صعود الانسان إلى القمر، وكيف يضع علما كتب عليه (العلم للجميع).. وهو عنوان برنامج علمي كان يقدمه المرحوم كامل الدباغ من تلفزيون العراق، فأصبح الفيلم مقدمة لهذا البرنامج.