السياسة قبل الرومانسية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

إيران تحاول توظيف المهرجان دبلوماسيا.. والتمثيل العربي «ضعيف جدا»

TT

رغم ان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي يبدأ دورته الرابعة والعشرين يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي ويستمر 15 يوماً اتخذ من «الرومانسية» شعارا للأفلام السينمائية التي ستعرض في المهرجان، فان قصص الافلام المشاركة في المسابقة الرسمية والبالغة 18 فيلماً تتطرق في غالبيتها الى قضايا سياسية محلية والآثار الاجتماعية للصراع العربي ـ الاسرائيلي وحرب الخليج الثانية، ولم تكن الأفلام الرومانسية رغم قلتها تتحدث بشكل مباشر عن الأحاسيس والمفارقات العاطفية، كما كان في الافلام العربية في الاربعينات والخمسينات، انما كانت العاطفة «ثانوية» ونتيجة لسير أحداث قصة في شكل عام.

وغلب على الفيلمين العربيين المشاركين في المسابقة الرسمية للمهرجان، وهما المصري «العاصفة» والمغربي «عطش»، انهما اتخذا من المنطلق السياسي أساساً للبناء الدرامي، فالفيلم الغربي «عطش» الذي يقوم ببطولته عبد الله ديدان ومنى فتو وجان ميسل واخراج سعد شرايبي، تدور احداثه من منطقة جنوب المغرب وتحديدا عام 1954، وترتكز الأحداث على الابعاد السياسية حيث يحكي الفيلم قصة رجل مسن وشاب يعيشان في أرض قاحلة وتنشأ بينهما قصة صداقة لاعادة الماء، كما تنشأ قصة حب من نوع فريد بين شاب وشابة، وخلال الأحداث يظهر «العسكري الفرنسي» للدلالة على احتلال فرنسا للمغرب، تدور الاحداث من أجل الحرية ويحاول الفيلم ان يعكس حالة «العطش» العربي في الحب والحرية والحياة بالاضافة لعطش الماء، وفي ذلك اشارة لصراعات المياه في المنطقة العربية.

ويظهر البعد السياسي بشكل واضح في الفيلم المصري «العاصفة» الذي تقوم ببطولته يسرا وهشام سليم ويشاركهما حنان ترك وهاني سلامة وسعاد نصر وسامي العدل وعبد الله محمود، وهو من اخراج خالد يوسف وانتاج أفلام مصر العالمية «يوسف شاهين وشركاه»، ويتخذ الفيلم من عام 1989 غطاء زمنياً لأحداثه ليحكي قصة امرأة مصرية مكافحة (هدى) التي غاب عنها زوجها منذ أكثر من 10 سنوات هرباً من عدم قدرته على التأقلم مع واقع جديد يعيشه المجتمع المصري وهو يقصد «اتفاقية كامب ديفيد» مع اسرائيل، حيث تنهش ذاكرة الزوج الوطنية أحداث بحر البقر وصبرا وشاتيلا والرصاصة الاسرائيلية في إحدى الحروب والتي سببت له اعاقة جديدة.

وعندما يغيب الزوج كل هذه السنوات تهتم هدى بتربية أولادها «علي وناجي» الى ان يكبرا ويصبحا شابين، يتخرج الأول في كلية الهندسة والآخر يدرس في كلية الاعلام.

وتمضي الاحداث ليسافر «علي» الى العراق بحثاً عن الثروة في بلاد النفط وهناك ينضم ضمن «المرتزقة» الى الجيش العراقي، ويجد نفسه متورطاً رغماً عنه في الدخول الى الكويت ضمن القوات العراقية عام 1990، وهناك يرفض «علي» توجيه رصاصات مدفعه الى افراد الشعب الكويتي، بل يتضامن مع افراد المقاومة الكويتية. وتزداد مأساة الأم عندما ينضم ابنها الاصغر «ناجي» للجيش المصري، ويجيء خبر اشراكه في القوات المسلحة المصرية الذاهبة لتحرير الكويت، وهنا تثور ثائرة هدى لانها ترفض ان يذهب دم ابنهما ضحية الخلافات العربية! ولم تستطع الافلام الأجنبية المشاركة الابتعاد عن السياسة، ففي الفيلم البولندي «بوابة اوروبا» الذي تقوم ببطولته اليشيا ماتشيليدا وانجكا سيتيك واخراج جيرزي وبنشيك تدور احداث الفيلم عام 1918 وهو تاريخ بدء الحرب العالمية الأولى على الحدود الشرقية لبولندا حيث تقرر ثلاثة فتيات الانضمام الى المستشفى العسكري الموجود على خط النار، وحينئذ تدرك الفتيات ان قدرهن لا يقتصر على دخول بوابة أوروبا ولكن استقبال المعسكر الشرقي الذي يحمل شعلة الحرية الى كل أوروبا. وهو فيلم يريد التدليل على انه رغم انهيار المعسكر الشرقي وسيادة زمن «العولمة» والهيمنة الاميركية، فان الحرية لأوروبا لن تأتي إلا من بوابة «الجيش الاحمر».

ويتطرق الفيلم الروسي «جزيرة الكنز» الى الصراع الذي لا يخلو من البعد السياسي حيث يجتمع ثلاثة: سجين سابق ومثقف وعاهرة لكسر حدة الوحدة ينطلقون بحثاً عن كنز في جزيرة يسكنها غرباء. ويبدأ الصراع الدموي بينهم وبين سكان الجزيرة بينما يستخدم الفيلم الروسي الآخر «غضب الألهة» الاسقاط السياسي في طرحه الدرامي حيث يدور الفيلم حول الاسطورة اليونانية التي تقول ان الآلهة تغضب عندما يشعر الانسان بالحب والسعادة من خلال قصة حب تجمع بين «سونيا» و«اندريه» ولحظات السعادة التي تغمرهما. لكن «غضب الآلهة» يغتال سعادتهما الزوجية.

وتعكس المشاركة الإيرانية المكثفة في مهرجان القاهرة الدولي السينمائي رغبة الجمهورية الاسلامية في توظيف ما يمكن تسميته «الدبلوماسية السينمائية» لتطبيع العلاقات السياسية مع القاهرة حيث دأبت طهران في الأشهر الأخيرة على المشاركة في معظم الفعاليات الفنية المصرية مع توجيه دعوات لنجمات ونجوم السينما المصرية للمشاركة في الفعاليات الايرانية، وفي هذه الدورة تشارك ايران بـ15 فيلماً سينمائياً وهي المشاركة الأكبر في نوعها بين الدول مقابل مشاركة عربية «يتيمة» من دولة المغرب.

وما بين 18 فيلماً رسمياً للمسابقة الدولية للمهرجان دفعت ايران بفيلمين هما «البلوغ» و«اسطورة الحب». ولا ينافس ايران بفيلمين سوى اسبانيا وروسيا وايطاليا.

فيلم «البلوغ» الايراني بطولة حسين باري، فيشكا اساليش، سحر جعفر، ومن اخراج مسعود جعفري، يحكي قصة الشاب ناصر، طبيب عاطل عن العمل، فيضطر لقضاء وقته في مساعدة الاحداث وعائلاتهم وينوي ان يسافر الى الخارج بصحبة طبيبة لاكمال دراستهما ليصبحا اخصائيين ولكنهما يكتشفان ان العمل الاجتماعي والاطفال الذين يقوما برعايتهما يتطلبان التفرغ التام. أما فيلم «اسطورة الحب» الذي تقوم ببطولته مريم مقدم ويوسف مراديان واخراج فارهاد مهرانفار فيحكي قصة الفتاة «خازار» التي تجوب جبال كردستان بحثاً عن حبيبها «هورام» الذي رحل منذ بضع سنوات وترك دراسة الطب ليتفرغ لعلاج أبناء قريته «بوتان» وتدور احداثه في قالب ميلودرامي مثير.

وضمن قائمة أفلام السينما الفرانكفونية يظهر الشق السياسي والهم الوطني في فيلم «سليما ندى» لدولة بوركينا فاسو وبطولة عبد الله كومبودري وسيتي آن حيث يدور الفيلم في دراما كوميدية حول احدى العائلات اللبنانية في المهجر ويستعرض من خلالها بعض الاحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ذلك البلد الافريقي من خلال علاقات امرأة فرنسية بعملائها من مختلف الجنسيات، ويحاول الفيلم اختزال صورة فرنسا داخل افريقيا في «امرأة عميلة» تستخدم جمالها الاشقر في جذب العملاء. ويظهر الخلاف السياسي في الفيلم الايفواري الآخر «لون القهوة» ويحكي قصة شاب مهاجر يعمل بأحد مستشفيات باريس، ولأنه متزوج وليس له اطفال قرر الزواج مرة أخرى. وعند عودته لبلاده اثناء الاجازة ترفض السفارة الفرنسية منح الزوجة الثانية تصريح اقامة بالبلاد.

ويحاول الفيلم اللبناني «بيروت الغربية» الذي يقوم ببطولته رولا الأمين ومحمد شمامس ورامي دويري الانطلاق بالحدث الدرامي من تاريخ 13 ابريل 1975 وهو اليوم الأول رسمياً للحرب الاهلية في لبنان ووقوع حافلة ركاب فلسطينية ضحية مجزرة على ايدي الميلشيات تحت اعين طارق وعمر المراهقين اللذين يسكنان في بيروت الغربية ذات الأغلبية المسلمة، ويسيطر المسيحيون على بيروت الشرقية، وتدفع حداثة السن بطارق وعمر لتجاهل الحرب الطائفية ومواصلة اللهو بمصاحبة جارتهما المسيحية «مي». لكن الحرب الاهلية بعنفها وبشاعتها ابتلعت المراهقين الثلاثة، وهو فيلم رغم «عاطفيته» المتوهجة. إلا ان الحدث السياسي فرض نفسه وجعل العلاقات العاطفية ليست الفعل الاصل في العمل الدرامي.

ومن نافلة القول انه بالرغم من الزمن السياسي للفيلم فان هناك عدداً كبيراً من الافلام العاطفية المتوهجة مثل «حالة استعداد» لفرنسا، و«منتهى الفشل» لآيسلندا وغيرهما. ومن ايجابيات المهرجان تكريم عدد من نجوم السينما الأجنبية مثل المخرجين رولاند جوفي وعباس كيارو سفاجي وجون مالكوفيتش بالاضافة للمكرمين العرب وحضور ضيف شرف المهرجان الممثلة الايطالية صوفيا لورين.