سينمائيون وممثلون وممثلات وإعلاميون ونقاد يكتشفون حكاية الجغرافيا قبل التاريخ في ليلى المغربية

TT

الطريق من طنجة الى قرية «بل يونش» تتلوى مثل أفعى. ثمة مساع لتوسيع هذه الطرق لكن تضاريس المنطقة التي تعرف باسم «الريف وجباله» لا تجعل الأمر يسيرا.

ذلك الصباح تقرر قيام مجموعة من السينمائيين ومسؤولي قنوات فضائية عربية وممثلين وممثلات ونقاد بزيارة جزيرة «ليلى تورة». وكانت هذه المجموعة قد شاركت في ندوة حول علاقة السينما والتلفزيون في اطار مهرجان اصيلة الرابع والعشرين. زيارة تضامنية واستطلاعية في الوقت نفسه.

كانت التقديرات ان تستغرق الرحلة حوالي ساعتين لكنها ستطول لتصبح ست ساعات. في الطريق الى قرية «بل يونش» لا توجد بلدات مهمة سوى بلدة «القصر الصغير» التي تقع على ساحل البحر الابيض المتوسط، ثم بعض القرى المتناثرة على جنبات الجبال وفي سفوحها وبعضها فوق قممها. منازل بيضاء شيدت بكيفية أنيقة. معظمها لمغاربة يعملون في الخارج. الطريق مزدحمة بسيارات المغاربة القادمين عن طريق مدينة سبتة لتمضية عطلة الصيف مع الاهل والاحباب.. أو مع أنفسهم أحياناً. الاراضي الفلاحية في هذه المنطقة تقع عند سفوح الجبال لكن بعض الهضاب تمت تسويتها واصلاحها كذلك لزراعة شجيرات الزيتون والبرتقال.

بين الفينة والاخرى تبدو مجموعة من القرويات يعملن في الحقول يعتمرن قبعات القش الشبيهة بقبعات الرعاة المكسيكيين اتقاء لحرارة اغسطس (اب) اللاهبة، ويلفن وسطهن بوزرة مخططة بالابيض والاحمر.

بعض الصبية على جانبي الطريق يبيعون التين الشوكي والبيض والدجاج وزجاجات العسل. يقولون إن ملكة النحل افرزت ذلك العسل بعد ان رعت لفترة وسط نباتات الزعتر وازهار البرتقال. عليك ان تغامر وتشتري لكن ملامح الصبية تقول إنهم لا يبالغون.

كانت المجموعة داخل حافلة مكيفة. يرافقها حميد آيت علي وهو دبلوماسي في وزارة الخارجية المغربية. صبور. ودود ودائم الابتسامة. يسأله أحد افراد المجموعة متى سنصل يا حميد الى «بل يونش» يبتسم ويقول بعد فترة وجيزة. ويضيف مؤكداً «لم تعد تفصلنا مسافة كبيرة».

سائق الحافلة وضع شريط تسجيل لبعض اغاني عبد الحليم حافظ. ربما ارضاء للممثلتين ليلى علوي والهام شاهين ربما لانهما كانتا تجلسان خلفه. عبد الحليم حافظ يردد «فاتت جنبنا انا وهو... وضحكت لنا انا هو».

* نسمع ونتذكر

* الطريق الآن أضحى أكثر وعورة. الحافلة تصعد الجبل بمشقة. يئن محركها من شدة الارتفاع. حين تنظر من نافذة الحافلة تصاب بالقشعريرة. أصبحنا معلقين بين السماء والارض.

نسأل متى نصل ياحميد؟ يقول «بعد فترة وجيزة». لكن المسافة طالت.

محمد ذو الرشاد الذي طوحت بها الظروف من واشنطن الى ابوظبي. من «صوت اميركا» الى نائب مدير عام قناة ابوظبي الفضائية يتبادل حديث الذكريات مع ادريبس المريني مدير الانتاج في التلفزيون المغربي. يتذكران عندما كانا معا في القناة الاولى. الاول مذيع لافت صوته ينطق الكلمات بحرص كأنها مجوهرات، والثاني مخرج طموحه بلا حدود. الحافلة تواصل الصعود الى قمة الجبل. هناك بدت بلدة القصر الصغير. منازل بيضاء سقوفها بالقرميد الاحمر. وبعض الفيلات الأنيقة. مصطافون يركضون فوق رمال المتوسط الناعمة وآخرون رموا انفسهم وسط الامواج.

بعد مسيرة قاربت ساعتين ونصف ساعة وصلنا الى مفترق طرق. كانت هناك لافتة كتب عليها «بل يونش» الى اليمين. الطريق تنحدر من قمة الجبل نحو شاطئ البحر. هناك كان يوجد أحد رجال الامن من قوات الدرك داخل كشك خشبي. أبلغ رجل الأمن السائق أن ثمة صعوبة كبيرة في وصول الحافلة الى قرية بل يونش بسبب ضيق الطريق والمنعرجات.

تباينت آراء المجموعة حول كيفية التصرف. كان رأي البعض ان نعود ادراجنا. آخرون قالوا نترك الحافلة عند مفترق الطرق وننتقل الى القرية عبر سيارات الأجرة. مجموعة كانت أكثر جرأة. هذه المجموعة قادتها ليلى علوي.

* نعم ليلى علوي * قرروا ان يسيروا الى القرية مشياً على الاقدام. تركوا الآخرين يتناقشون وانحدروا مع الطريق الضيق المتعرج. هذه المبادرة كانت حاسمة. الجميع سيقرر في نهاية الامر الذهاب الى «بل يونش».

اعتذرت الهام شاهين عن مواصلة الرحلة وفضلت البقاء في الحافلة حتى يعود الذاهبون من ليلى.

اضطر حميد آيت علي ان يستأجر سيارات أجرة لنقل المجموعة. تركنا الهام شاهين هناك عند مفترق الطرق. قرر حميد والزميلة منى السعيد من تلفزيون المستقبل اللبناني البقاء معها في الحافلة.

اذا كانت الحافلة تلوت مثل افعى فان سيارة الأجرة أضحت تزحف مثل محارة. بعد «مسيرة» سبعة كيلومترات بدأت تظهر معالم قرية بل يونش. منازل متناثرة هنا وهناك فوق صخور جبل موسى. تطل القرية على البحر لكن شاطئها صخري بلا رمال. الناس يمارسون حياتهم المعتادة. المقاهي تعج بشباب المنطقة، اوراش النجارة والحدادة تعمل كالمعتاد. الحوانيت تبيع سلعاً في الغالب تأتي من مدينة سبتة. نقاشون يقومون بطلاء فيلا أنيقة قيل ان صاحبها من المغاربة الذين يعملون في اوروبا. الناس تراقب بأعين كلها فضول هؤلاء النجوم الذين هبطوا فجأة على قريتهم.

قطعان من الماعز تجري في شوارع القرية. قطعان الماعز هذه ظلت هي «سكان» جزيرة ليلى منذ سنين وسنين. عندما اجتاح الاسبان الجزيرة وجدوا الى جانب الجنود المغاربة الستة بعض قطعان الماعز. قيل إن بعضها قفز الى الماء هرباً من صوت مروحيات الجيش الاسباني فغرقت. لكن رواية اخرى ذكرت ان رعاة مغاربة ارسلوا ذئبين أكلا الماعز حتى لا يأكله الجنود الاسبان المحتلين، رواية ثالثة قالت إن الجنود ذبحوا تلك الشياه وأكلوها.

تعددت الروايات لكن المهم ان الماعز لم يبق في ليلى.

بنايات سبتة على مرمى حجر. يمكن القول ان بل يونش مجاورة لسبتة. ثمة نتوء بحري تطل منه بعض منازل هناك في المدينة التي يحتلها الاسبان منذ ثلاثة قرون.

تسأل سكان بل يونش كيف تعيشون؟ يبتسمون ولا إجابة. لكن شاباً يهمس في أذنك التهريب والنعناع الاخضر أي القنب الهندي. فهمتم. صعدت سيارة الاجرة الى حيث التلة التي تطل على جزيرة ليلى.

جزيرة صخرية هي الاخرى غير مأهولة مساحتها لا تتجاوز 13 هكتاراً، لكن هذه الجزيرة وضعت العلاقات المغربية ـ الاسبانية عند الحافة.

تجمع الممثلون والممثلات والسينمائيون والنقاد والاعلاميون أمام التلة التي تطل على الجزيرة والتقطوا صوراً، وصورت القناة الاولى المغربية «الحدث». كان الجو صافياً. لذلك تأمل الجميع الجزيرة التي ظلت تحوم حولها زوارق مغربية واسبانية. تأملوها جيداً ولفترة طويلة وتجاذبوا أطراف حديث حول المشكلة.

كانت هناك بعض المشاكل الصغيرة عند التقاط الصور لان المنطقة هي عبارة عن مجموعة أحجار وصخور صغيرة، لذلك كاد بعضهم ان يسقط نتيجة التعثر وسط الاحجار.

سألت ليلى علوى: ما رأيك في موضوع جزيرة ليلى؟

ابتسمت وردت «استطيع أن اصل الى هناك سباحة.. كيف اذن يقول هؤلاء ان الجزيرة ليست مغربية».

انتهت الزيارة. اشترى الممثل السوري أسعد فضة قناني مياه باردة للجميع. ثم عدنا بسيارات الاجرة الى حيث بقت الحافلة وكان انطباع الجميع أن الجزيرة مغربية مائة مائة. بالتاريخ وبالجغرافيا.