انتعاش الأفلام المصرية داخل بلادها وتراجع مستوى الإقبال عليها في الدول العربية

TT

ايرادات الأسبوع الأول من شهر اغسطس (اب) الجاري، تضع فيلم شريف عرفة «مافيا» في المركز الأول بايراد قدره 5 ملايين و869 الفاً و283 جنيهاً مصرياً. يليه فيلم «اللمبي» مسجلا نحو خمسة ملايين جنيه (أنظر الايرادات الأخيرة أدناه) ثم مجموعة أخرى من الأفلام المصرية بينها فيلم عادل امام الجديد «أمير الظلام» في المركز الرابع وفيلم محمد هنيدي الجديد «صاحب صاحبه» في المركز السابع.

والأرقام ايضا تفيد أن مجموع ما حققه «اللمبي» حتى اليوم، وبعد ثلاثة أسابيع من احتلاله المقدمة، يبلغ 15 مليون جنيه. ويفيد أحد الزملاء أن عروض هذا الفيلم الذي قام ببطولته محمد سعد كانت متواصلة ليل نهار في الاسبوعين الأولين على الأقل اما معرفة السبب، او الأسباب، وراء الاقبال الكبير الذي شهده هذا الفيلم الى الآن فهو أمر صعب. الأسهل منه هو مجرد القبول بنجاح الفيلم. فمن الذين يعتبرون أن الفيلم لبّى «حاجة لدى المصريين»، الى الذين يعتبرون أن الثلاثي المتمثل بمحمد سعد وعبلة كامل وحلا شيحة هو الذي يقف وراء الاعجاب الكبير بالفيلم، الى الذين يعتقدون أن «كل شيء في الفيلم كفيل بجذب الناس اليه بدءا بالعنوان».

المؤكد أن توابل متعددة هي التي جذبت مثل هذا النجاح الى «اللمبي»... توابل أفتقدها أكثر من فيلم آخر معروض في مصر حاليا. لكن الرأي الخطير هو الذي يعتبر كل هذه الايرادات علامة أكيدة لنجاح السينما المصرية وتجاوزها أزمتها، كما كتب البعض هناك.

* النقطة المحددة

* انه من الأمور المتفق عليها أن يُشار الى مستوى الفيلم بأرقامه التجارية المرتسمة، وعادل امام نفسه ردد ذات مرة «المعيار الأول والأخير والوحيد هو شباك التذاكر». بالتالي، اذا ما كان شبّاك التذاكر كله مرتفعا لم لا يكون مستوى السينما المصرية بأسرها مرتفع؟

هذه هي النقطة تحديدا نجاح «اللمبي» ليس معكوسا على الأفلام الأخرى ولا هو حاصل بنتيجة الأفلام الأخرى المعروضة حوله. كلاهما طريق لا يؤدي الى الآخر على عكس ما يحدث عادة، وبصورة تلقائية حين تكون الصناعة كلها في رواج.

حين قررت شركات التوزيع المصرية رمي هذا العدد الكبير من الأفلام معا، كان لابد من أن يكون هناك رابح وخاسر. طبعا كانت هناك توقعات وكانت هناك ايضا مفاجآت. مثلا، توقع العديد أن لا يحقق «أمير الظلام» لعادل امام النجاح المأمول له. عادل امام، في نظر العديدين، كوميدي جيّد وصاحب مدرسة وممثل محبوب لكن زمانه ولّى. ليس من هذا الفيلم بل من الفيلم السابق. وهذا التوقع ورد فعلا. فيلم «أمير الظلام» انطلق وسط منافسة شديدة وأنجز الى الآن ارقاما متواضعة.

لكن المفاجأة كانت أفدح وهي تمثلت في سقوط مدوّ لفيلم «صاحب صاحبه» بطولة الكوميدي الذي شق طريقه بسرعة صاروخية قبل ثلاثة أعوام او نحوها محمد هنيدي. الكوميدي الذي سيعتبره التاريخ القريب للسينما المصرية النجم الذي أزاح عادل امام عن عرش الكوميديا... ايضا سيعتبره صاحب أصغر فترة من النجومية اللامعة... سنتان او ثلاث سنوات ووصل الى الفيلم الذي يتعثر سريعا بسبب نجاح نجم جديد آخر (محمد سعد). على الأقل عادل امام بقي نجما لثلاثة عقود متوالية، وعثراته كانت متباعدة ولم تقع بعد عام او اثنين على انطلاقته.

* تكرارا للشكوى

* بالعودة الى السؤال حول اذا ما كان كل ذلك يعكس نجاحا في السينما المصرية، فان المسألة هي ايضا غير جاهزة للأخذ بها كما تتبدى. فبينما يعكس هذا كله نشاطا ملموسا، لا يمكن أن يعكس نجاحا واقعيا وحقيقيا. السبب هنا هو أن النجاح الحقيقي يعني التنويع والكثرة وكلاهما غير متوفرين. فالأفلام المعروضة في غالبيتها كوميدية، تلك التذكرة السهلة التي تبيع بين جمهور اليوم: «مافيا» أكشن مع لمسات كوميدية من بطولة أحمد السقا ومنى زكي، «اللمبي» كوميدي بالكامل، كذلك فيلم بعنوان «هو فيه ايه؟»(مع أحمد آدم) الى جانب «فلاح في الكونغرس» و«صحاب صاحبه» و«أمير الظلام». مع معظم هذه الأفلام، تترك جانبا فيلم شريف عرفة «مافيا» وفيلم رامي امام (ابن عادل امام) «أمير الظلام»، ستجد تكرارا لما كانت السينما المصرية اشتكت منه على أيام بعض منتجيها حين انطلقت تصف منتوجاتها بـ«أفلام المقاولات» وانطلق البعض فيها يهاجم المنتجين السعوديين على أساس أنهم باتوا «يملكون» السينما المصرية ويقفون وراء هذه الانتاجات الرخيصة.

* هوليوود شرق ـ هوليوود غرب

* بالتأكيد كان هناك ممولون سعوديون ينتجون أفلاما رخيصة القيمة، لكن هذه هي التجارة، والذي أثـّر على وضع السينما المصرية في الثمانينات لم يكن وجود هؤلا بقدر ما كان في غياب المنتجين المصريين الساهرين حقا على مصلحة السينما المصرية. الى ذلك، ها هي السينما المصرية الآن بأيدي مصرية صميمة، لكن الحال ليس أفضل الا على نحو فردي: كل من يحقق فيلما ناجحا، كاتبا كان ام ممثلا او مخرجا، يستطيع تحقيق فيلم آخر غيره. الذي لا يحقق الفيلم الناجح غالبا ما ينزوي من المرة الأولى وقد لا يستطيع تحقيق اي فيلم بعده على الاطلاق. اذا ما فعل فالمسافة بين الفيلم السابق والفيلم اللاحق تُقاس بالكيلومترات.

انه ذات النظام الذي سيطر على هوليوود ولا يزال. مخرجون كثيرون جدا حققوا أفلامهم منذ مطلع الثمانينات والى اليوم، لكن قلة منهم عادت والأقل منهم اولئك الذين استمرّوا. استمرار هؤلاء كان رهينة بنجاحات سابقة. اولئك الذين حُرموا نعمة النجاح استخدموا النصف الثاني من التذكرة للعودة بها الى عالم النسيان. والأمر لا يختلف كثيرا عن الممثلين الجدد: صعود الممثل شيء، بقائه على القمة شيء آخر يتعلق بعناصر كثيرة.

ضمن هذا النظام، عرفت هوليوود تقديس عادة النظر الى سلالم أحوالها المادية صباح كل يوم اثنين. اليوم الذي تخرج فيه قوائم الأفلام وما حققته من ايرادت في الأيام الثلاثة الأولى. بما أن الأفلام غالبا ما تبدأ عروضها يوم الجمعة، وبما أن معظم الايرادات تقع في يومي الجمعة والسبت ثم ـ وعلى نحو أقل الى حد ـ يوم الأحد (ثم على نحو أقل كثيرا باقي أيام الأسبوع) فان تلك القوائم الأسبوعية لما نجح وما سقط وماذا حقق كل فيلم من ايرادات أصبحت طرفا أساسيا في صناعة السينما كلها. لا يمكن اعادة العقارب فيها الى الوراء، لكن يمكن معرفة أين أصاب العقل التجاري وأين أخطأ.

المشكلة هي أن هذه اللوائح (التي تتألف من 50 الى 60 فيلما في الأسبوع الواحد ولو أن معظم الصحف تكتفي بالعشرة الأولى) ما عاد الاهتمام بها حكرا على أهل الصناعة، بل انتشرت لتعم الجمهور السائد. وعوض انتظار صفحات النقد التي تصدر عادة في أيام الجمعة، بات الجمهور ينتظر يوم الاثنين ايضا لمعرفة اي فيلم حقق اي ايراد. كذلك، بينما كانت تكتفي بنشرها مجلات لها علاقة وطيدة بالصناعة السينمائية (مثل «هوليوود ريبورتر» و«فاراياتي») باتت الآن منتشرة في شتى الصحف اليومية او المجلات الأسبوعية. زاوية اسبوعية دائمة تصدر ايضا كل اثنين تلبية لتلك الرغبة في المعرفة لدى الجمهور.

* الأرقام صارت موحدة

* هذا ما يحدث بدوره في العالم العربي الآن، في القاهرة، على سبيل المثال، وحتى سنوات قليلة ماضية، كانت الشكوى كامنة في أن كل صحيفة او مجلة فنية تكترث لنشر هذه القوائم الأسبوعية تأتي بأرقام تختلف عن تلك التي تنشرها المطبوعة الأخرى. على هذا الأساس، كانت القائمة المنشورة في «الكواكب» تختلف عن تلك المنشورة في «السينما والناس»، وتلك التي في «السينما والناس» بعيدة عن تلك التي تنشرها المجلة الراحلة «فن اليوم صار هناك توأمة لكل هذه الايرادات بحيث تتشابه وبالتالي تنتقل من وضع الاستثناء الى وضع الاحتراف والانتشار. وهناك بين القراء من يهتم بها أكثر من اهتمامه برأي النقاد حول الأفلام المصرية المعروضة. بل أن الهوّة التي كانت قائمة بين النقاد والجمهور، وهي هوّة تاريخية، ازدادت لعاملين أساسيين:

الأول: فشل النقد، في عمومه، التواصل مع الجمهور على نحو صحيح، عندما حافظ معظم النقاد على أساليب الكتابة ذاتها التي انطلقوا بها قبل عشرات السنين ولم يسعوا سعيا حقيقيا للتواصل مع جيل جديد لديه نظرة مختلفة تماما عن تلك التي سادت الجيل السابق. الحديث هنا ليس حول الجمهور الذي يقبل على الأفلام التافهة، فهذا لا يكترث للنقد أساسا، بل عن الجمهور المثقف الذي تخرج او يكاد من الكليات والجامعات ويتواصل مع الفنون والمحيط الثقافي في بلده العربي بأسرع ما يفعل الناقد ذاته مستخدما تقنيات حديثة ومنفتحا على كتابات تعطيه المعلومات وليس الرأي وحده.

الثاني: هو تراجع مستوى الاقبال عموما وهذا يصيب الفيلم التجاري كما الفيلم النوعي. هذا عائد لأسباب كثيرة التي ليس أقلها أن السينما المصرية نالت قسطها من الهزائم خلال السنوات العشرين الأخيرة او نحوها. من أزمة سينما المقاولات، الى ازمة انحسار عدد الانتاجات الى حضيض لم يسبق له مثيل. ومن محاولة وضع اليد على عملية التوزيع بأسرها، الى مواجهة غير معلنة مع التلفزيونات الأرضية والفضائية وما تبثه تلك من مواد ترفيهية متواصلة.

الى ذلك لا ننسى ايضا فتور رغبة الجمهور غير المصري في مشاهدة فيلم مصري للأسابيع الخمسة الأخيرة خرجت قوائم ايرادات دولة الامارات العربية المتحدة خالية من اي فيلم مصري (او حتى هندي باستثناء فيلم واحد). في بيروت، ليس هناك من فيلم مصري ناجح ايضا خلال هذه الفترة. الأفلام المصرية الجديدة تجد طريقها الآن الى صالات الأحياء على نحو مباشر تقريبا. الصالات الجديدة في المراكز التجارية الأولى قلما تعرض فيلما مصريا.

* الهجوم على الذهب

* السوق الرئيسية الوحيدة الموجودة حاليا للفيلم المصري هو داخل مصر. وهو السوق النشط من دون أن يعني ذلك أن السينما المصرية وصلت الى نجاح جديد. فالى جانب عدم وجود تنويع كاف بين الأفلام المنطلقة، لا توجد بعد البنية التجارية القوية التي تثق بالمستقبل وتندفع اليه بكل ثقة. تلك تتطلب المغامرة بانتاج أفلام مختلفة عن السائد، والى الآن فان هذا الحديث لا يتناول ضرورة انتاج افلام جيّدة بل مجرد متنوعة. وهذا يتضمن الاستفادة من المواهب الكثيرة في السينما المصرية. طبعا لا أحد يريد الأفلام الساذجة التي كانت تنتج على مر العصور، لكن هناك الحاجة الماسة، اذا ما أرادت السينما المصرية المواصلة من قبل أن يعزف الجمهور عن النوع الواحد ويجد في التلفزيون مجددا تسليته الأشمل، الى انجاز أفلام من بطولة وجوه السينما المصرية الممكن الاعتماد عليهم كعناوين لمستوى راق وموثوق. نتحدث عن عزت العلايلي ونور الشريف وحسين فهمي وليلى علوي ويسرا وعادل امام وغيرهم بصرف النظر عن اعمارهم وهم ليسوا من جيل واحد كما هو ملحوظ.

الذي حدث في هذا المجال هو أن الجميع هجم على الأوزة التي تبيض الذهب هذه الأيام (الفيلم الكوميدي العابر الذي لا يترك أثرا) وانهال عليه ليأخذ منه. بذلك تم استخدام الوجوه التي طالما حلمت بالبطولة مثل محمد هنيدي وأحمد آدم وأشرف عبد الباقي. وبالطبع كان لابد لهؤلاء تحقيق نجاح ما. كانت الخطوة جديدة والوقت متاح. لكنها الآن تتنافس في ما بينها وهي التي ـ حتى العام الماضي فقط ـ كانت تتنافس ضد السينما السابقة بطاقمها المعروف.