أفلام من تورنتو .. أربع ريشات لخامس مرة والمهرجان يمنع منتجا ومخرجا وناقدا

TT

بين الحفلات الليلية المخصصة للنجوم وأعضاء الجمعيات الصحافية والجمهور الذي يحب مشاهدة الأفلام في مثل هذه الصحبة، والحفلات النهارية المخصصة للجمهور الذي لا يكترث لها، او للنقاد الذين لا يهمهم الجري وراء المقابلات الصحافية، 345 فيلما معروضة طوال احد عشر يوما، من الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الثانية بعد نصف الليل. حتى في مدينة هي أصلا قليلة النوم، هذا كثير. لكن ما يجعل مهرجان تورنتو مميزا عن سواه هو خلوّه من التقاليد والأعراف، من يصل اولا الى الصالة يدخل أولا، لا يهم اذا كان سنة أولى صحافة او في أهمية الناقد الأميركي روجر إيبرت الذي وصل قبل نصف ساعة من عرض «بعيدا عن السماء» ليجد أن الصالة امتلأت والواقف عند الباب يمنعه من الدخول.. ايبرت او لا، الأوامر التي لديه هي أن لا يدخل أحد الصالة بعد امتلاء القاعة. الأمر زاد عن حدّه عندما وصل أحد منتجي ذلك الفيلم الأميركي. هذا شاهد الفيلم مرتين او ثلاثا وليس بحاجة لمشاهدته مرة أخرى. كل ما طالب به هو أن يدخل الصالة ليطمئن على صلاحية العرض. لا. قالها البوّاب ولا شيء يستطيع أن يغيّر رأيه.

في النهاية روجر ايبرت القى كلمة بصوت عال هاجم فيها مهرجانا صنعه النقاد. وتود مكارثي (من مجلة «فاراياتي») الذي لم يتح له الدخول ايضا كتب مهاجما المهرجان بحدة، والمنتج اجرى اتصالا هاتفيا ثم انصرف. وكان أن انضم الى المرفوضين المخرج نورمان جويشون (وهو كندي الأصل لكنه عمل طويلا في هوليوود) وهذا عبّر عن استيائه لكن.. الأوامر هي الأوامر.

الحقيقة أن الزحام على أفلام هذا العام على أشده، كل سنة هناك زحام مماثل، لكن هذا العام الأفلام تبدو أكثر جذبا. الجمهور هنا يشاهد كل شيء، من فيلم كوري لم يسمع عنه من قبل الى فيلم هوليوودي يستطيع أن ينتظر اسبوعين او ثلاثة ويراه تلقائيا في صالات العرض التجارية، ومن فيلم فلسطيني مثل «يد إلهية» الى آخر فرنسي او اسباني او ارجنتيني.. هويّات المهرجان الثقافية متعددة والجمهور ينظر الى كل هذه الأفلام على أنها ثقافة وينتظرها بفارغ الصبر عاما كاملا.

* أفلام النجوم

* بينما يعرض المهرجان نحو 250 فيلما من مختلف أنحاء العالم، يتمحور العدد الباقي حول ما تنتجه هوليوود من أعمال. ولا يستطيع المهرجان ان يستغني عن مثل هذه الأفلام التي عادة ما تنتهي تقليدية، والسبب هو أنه بسبب تلك الأفلام هناك جمهور عريض يشاهد الأفلام الأخرى، وبسبب هذه الأفلام الأميركية، هناك مؤتمرات صحافية ناجحة لممثلين ومخرجين غير مشهورين. انه وضع دائم الوقوع في المهرجانات كافة يمكن توظيفه كرد على الذين دائما ما يشكون من كثرة الأفلام الأميركية في المهرجان.

في هذا المجال تحتوي الدورة السابعة والعشرين على عدد كبير من الممثلين المعروفين الذين يظهرون في بعض أهم أفلام الموسم المقبل.

في «إيفلين» سنتعرف على بيرس بروسنان (او جيمس بوند الحالي) في دور بعيد عن الاكشن والكوميديا لأول مرة، أنه أب لثلاثة أطفال يفقد عمله، ثم يفقد حقه في رعاية ابنائه الثلاثة بقرار من المحكمة.

في «غرفة هاتف» نجد كولين فارل يهرب من البيت للحديث بحرية بعيدا عن زوجته في غرفة هاتف تقع على مدخل فندق. فجأة يكتشف أن عادته هذه جلبت له المتاعب في فيلم للمخرج جوويل شوماكر (ثاني لقاء بينهما بعد «تايغرلاند»).

المغني إمينيم يدخل مجال التمثيل في فيلم «8 أميال»، ومن حسن حظه أن المخرج الذي تولى العمل طموح وسبق له أن قدّم «اسرار لوس أنجليس» و«فتيان العجب». الفيلم الجديد دراما عن شاب وأمه وعلاقته وحدود علاقاته العاطفية المتأثرة بسطوة الأم. كيم باسنجر تعود الى الشاشة بهذا الفيلم وبريتاني مورفي لديها ايضا دور رئيسي.

بعض الأفلام قد لا يقودها ممثل ـ نجم، لكنها تعتمد على الممثل الذي لديها على اي حال. أفضل مثال على ذلك فيلم نيل جوردان الجديد «اللص الطيّب» المأخوذ عن فيلم كان الفرنسي الراحل جان ـ بيير ملفليل أخرجه في منتصف التسعينات. نك نولتي يؤدي دور اللص الذي فاتته أفضل أيامه، وسقط مدمنا على المخدرات، لكنه لا يزال يجد في نفسه قدرا من الكرامة يجعله شخصية تهب لنجدة الآخرين. هذا فيلم مركب تفيد الأخبار الأولى عنه أنه على الأرجح أهم أفلام نيل جوردان أسوة بـ«لعبة البكاء» و«موناليزا».

* أربع ريشات Four Feathers

* ومن الأفلام التي يشهدها مهرجان تورنتو حاليا «أربع ريشات». هذا ايضا إعادة صنع لفيلم تم تحقيقه أربع مرات على الأقل من قبل. قصة المجند البريطاني عند مطلع القرن الماضي (هيث لدجر) الذي يرفض التوجه الى السودان في الحملة البريطانية ضد المهدي وثورته. لكن حينما يوصف بالجبان ويخسر حبيبته، ينطلق ليؤكد شجاعته وليلحق بالفيلق الذي كان وصل الى الصحراء بالفعل. هناك يضل طريقه ويتعرض لمواقف مع سوداني مسلم يؤيده ويساعده لكنهما يقعان في أسر قوّات المهدي حيث يتم ضمه الى الجيش لمقاتلة البريطانيين. في اللحظات العصيبة ينقلب لقتال السودانيين لكن القوات البريطانية كانت منيت بخسارة جسيمة. بعد ذلك هناك الجزء الأخير من الفيلم الذي يكتشف فيها رفاق السلاح أن من اعتبروه جبانا قاد حملة مزدوجة واحدة معهم والأخرى لنفي تهمة الجبن عن نفسه.

المخرج شيكار كابور سبق وقدّم «اليزابث» قبل أربع أعوام وهذا الفيلم استغرق منه نحو عام ونصف عام، واضطر لإعادة تصوير بعض مشاهده، وعلى الشاشة هناك آثار ملحوظة للمتاعب الفنية المختلفة ما يجعله عملا مستطردا بلا نهاية. المشكلة الحقيقية في جانب آخر هي أن الفيلم اذ يعارض الحرب يعارض ايضا كل الجوانب من دون وجهة نظر محددة. فلا العرب يدافعون عن أرضهم ولا البريطانيون يستعمرونها. كلاهما معالج ببرودة من لا يكترث لهما، هذا الى جانب العنف الزائد، بأسره يبدو الفيلم قصة تروى من دون سبب لرويها.

* لعبة ريبلي Ripleys Game

* المرة الثانية التي يتم فيها تحويل هذه الرواية البوليسية من كتابة باتريشا هايسميث الى فيلم سينمائي. الأولى كانت في العام 1977 عندما استلهم منها فيم فندرز مادة فيلم «الصديق الأميركي» مع دنيس هوبر في دور المجرم ريبلي (بطل سلسلة روايات وضعتها الكاتبة الراحلة). هذه المرة يقوم جون مالكوفيتش بدور البطولة. انه ريبلي الاكبر سنا والأنضج تجربة من ريبلي كما لعبه مات دامون في «السيد ريبلي الموهوب». هنا يخطط أولا لتوظيف صانع إطارات خشبية في عملية قتل لقاء مبلغ كبير ويتحوّل الى هجوم دفاعي ثانيا عندما تكتشف العصابة التي قتل رئيسها مكانه فتزمع قتله. ليس فيلم أكشن وعنف بل تشويق لا بأس بمستواه ولو أن طعم النسخة السابقة من الفيلم ذاته يبقى على لسان المشاهد اذا ما كان شاهدها. الإخراج هنا لليانا كافاني التي تقوم بعمل نظيف ومجهد لكنه بعيد عن الكمال فنيا.

جون مالكوفيتش بدوره هو مخرج «الراقصة فوق» The Dancer Upstairs وهو لا يظهر في الفيلم بل يسند البطولة الى الأسباني جافييه باردم، (يقول في لقاء موجز بيننا: «جافييه أفضل ممثل اوروبي جديد. ما أن طلبت منه امتحان تأدية حتى أدركت أنه استولى على الفيلم بنفسه. لديه وقع لا يمكن إغفاله»).

هذا كان يمكن أن يكون صحيحا لو أن المخرج منحه نفسا حقيقيا. صحيح أن باردم يعكس إجادة كان أبداها في أفلامه السابقة، لكن المخرج عكس على الشاشة أسلوبه هو في التمثيل. للإفصاح عن المقصود هنا نذكـّر أن مالكوفيتش يحرص على تأدية اي دور من أدواره (بما في ذلك «في خط النار» أمام كلينت ايستوود او «لعبة ريبلي» الجديد) دون مستوى التفعيل. انه هادئ باستثناء مواقف لا بد منها.. يتكلم همسا.. ضد الانفعال وضد التمثيل بأدوات الظهور والتميّز. هذا لا بأس به لولا أنه منهج متكرر. حينما قرر مالكوفيتش الانتقال من أمام الكاميرا الى خلفها في هذا الفيلم الأول له في هذا المجال، حافظ على منهجه فمنع باردم من التبلور صوب شخصية تهضم التطوّرات الحاصلة معها، كما نفّذ فيلما ذا قصة جيدة بأقل قدر ممكن من التشويق: قصة متحر يبحث عن ارهابي مجهول وفي خلال ذلك يقع في حب راقصة باليه قبل أن يكتشف، بعد نحو ساعتين، أن جارها هو الثائر الذي يطلب رأسه.

* أوطان

* كل ما سبق جديد في المهرجان يلعب للمرة الأولى عالميا او للمرة الأولى في منطقة أميركا الشمالية وهناك غيرها العديد بينها «الأميركي الهادئ» الذي يعيد مايكل كين الى تسلم أدوار البطولة كما كان عهده حتى سنوات ليست بعيدة، و«تركيز تلقائي» Auto Focus وهو قصة تتعرض لحياة ممثل صعد ثم انحدر في مهنته يقوم به كرغ كينير ويخرجه واحد من أفضل سينمائيي اميركا غير المقدّرين حق قدرهم وهو بول شرادر.

لكن المهرجان معروف ايضا لبعض الأعمال التي شوهدت سابقا.. «يد إلهية» لإليا سليمان يوزع رؤيته الساخرة للوضع الفلسطيني على روّاد تورنتو في أول لقاء بينه وبين عقلية شمالي أميركا. وهو سبق وصوله بضجة كبيرة تجعله واحدا من أكثر الأفلام نجاحا تجاريا (بيعت التذاكر قبل الحفل بأيام). على عكس نتيجة هذا الفيلم الفنية والتجارية يأتي عمل الاسرائيلي آموس غيتاي «كيدما». حين كنا نقول أن غيتاي صيت أكثر مما هو فعل، كان آخرون مأخوذين به. فيلمه الجديد هذا ليس أسوأ ما قدّمه لكنه سيئ الى حد كاف لتحويل الأنظار عنه كما حدث معه حين عرض في إطار مهرجان «كان» السابق.

رغم أن «كيدما» يحتوي على جرعة من الاعتراف بأن الفلسطينيين كانوا يعيشون فوق الأرض المتنازع عليها قبل وصول اليهود اليها، الا أن الرسالة تبدو كما لو كانت منشورة سابقا مما أدى لسقوط أحرفها. وهذا ايضا حال فيلم عنوانه «أرض الميعاد» الذي لا يدور عن فلسطين بل عن جنوب أفريقيا. فيلم اليوناني جاسون اكزانابولوس يقدم قصة رجل يعود الى جنوب أفريقيا ليجد نفسه في حملة من الضغائن العنصرية. الى جانب أن الفيلم لا يعكس جديدا، هو ايضا عمل بعيد عن أن يثير الإعجاب فنيا على قدر متساو بين مشاهديه.

والموضوع من زاوية أخرى في الفيلم الفرنسي «تحت سماء أخرى» لجيل مورل. شاب فرنسي يهرب من فرنسا بعدما دهس رجلا في حادثة سيارة وهرب من المسؤولية. ملجأه هو وطن والدته الجزائرية. هناك يتعرف على أقاربه الذين كانوا دوما بعيدين عنه. انه غريب رغم كونه قريب، وغربته تزداد حين يخفق في التواصل معهم لأنه يجهل العربية وهذا ما يقوده الى ضياع نشاركه فيه بسبب أن السيناريو لا وجهة محددة له، فهو حينا يبدو كما لو كان دراسة اجتماعية وحينا آخر كما لو كان دراسة نفسية ثم يبدو كما لو كان على أهبة إلقاء طرح سياسي ما. لكنه لا يفعل ايا من هذه الأمور على نحو سليم.

* ذلك الحادي عشر

* وكما كان متوقعا فإن الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) تحوّل الى يوم ذكرى في المهرجان الذي شهد ذلك اليوم قبل عام فشلت حركته. هذا العام لم تكن الحركة مشلولة لكنها كانت متأثرة تماما كما لو أن ألما قديما عاود الزيارة. سيغورني ويفر حضرت عرض «الفتى» الذي يدور حول رئيسة تحرير تستمع الى سرد مفصل لما حدث في ذلك اليوم. لكن الاهتمام الأعلى خطفه فيلم «11/9» الذي وضعه 11 مخرجا منح كل منهم 11 دقيقة وتسع ثوان ليقول كلمته. من هؤلاء كن لوتش وشون بن وميرا نير أصحاب أفضل الأفلام الواردة في هذا الفيلم. وكما اختطف المذكورون حين عرض الفيلم في فينيسيا أكبر قدر من التصفيق، حظوا ايضا بأكبر قدر من التصفيق في تورنتو، مع اختلاف بيّن هو أن النسبة العامة من المصفقين كانت أقل من تلك التي سجلت في المهرجان الايطالي مما يدفع للتأكيد ع00ى أن ردة الفعل تجاه ما حدث في ذلك التاريخ تختلف من دولة غربية الى أخرى.

الجزء الخاص بيوسف شاهين في هذا الفيلم يختلف عما عداه بطرح علاقة مباشرة بين ما حدث في نيويورك وبين القضية الفلسطينية. هدف جيد انما تحقيقه يدل على سرعة ارتكابه.