مذكرات عثمان قادر البصرية في معرض فني على قاعة الكوفة

TT

اختتمت قاعة الكوفة بوسط لندن عروضها التشكيلية لشتاء عام 2001، وربيع 2002 بمعرض للوحات الفنان الكردي المغترب عثمان قادر.

درس قادر (1962 ـ كردستان العراق) الفن في معهد الفنون الجميلة بمسقط رأسه السليمانية، وعلى قاعته اقام اول معارضه الفردية في عام 1980. انتقل الفنان في مطلع التسعينات من القرن الماضي الى اوروبا حيث عرض لوحاته مع مجموعة من رفاقه الفنانين الاكراد في باريس، ومن ثم في فرانكفورت الالمانية. وفي العام نفسه اقام معرضا فرديا لاعماله في مدينة ليل الفرنسية.

واصل قادر مشاركاته في المعارض الجماعية بعد انتقاله الى لندن، فعرض في الكوفة، وفي قاعات عرض لندنية اخرى. تبرز في اعمال قادر التي تعود فترة تسجيل يومياتها بصريا الى عام 1989، وصعودا حتى عام 2002، صفة تكاد تكون ملازمة لمجمل التجارب التشكيلية والادبية الكردية، وكذلك في الاعمال الموسيقية والغنائية، وهذه الصفة الجامعة هي علاقة الفن والفنانين الاكراد الوطيدة ببيئتهم الكردستانية، وانعكاس صورتها في صلب اعمالهم الفنية والادبية.

وفي معرض مذكراته المصور هذا توقف الفنان قادر عند مشاهداته للعديد من الاحداث الكبرى التي تعرض فيها شعبه الى الابادة والتهجير وتهديم قراه ومدنه كحادثة حلبجة الكيمياوية التي اودت بحياة اكثر من خمسة آلاف شخص وقت حدوثها في مارس (آذار) 1988.

لم يتوقف قادر عند حادثة الفناء تلك بتسجيل فوتوغرافي لصور الضحايا المريعة وهي تفترش الطرقات وارضيات البيوت والعربات، بل وجد في رجل كردي يحتضن طفليه اللذين احتميا به موضوعا للبقاء والصمود في الارض الخراب التي صورها وهي تمور بالوان حمراء قانية وزرقاء قاتمة وصفراء بلون الموت. وتحت سماء ملبدة بغازي الخردل والاعصاب بدت على وجه الأب الغاضب علامات التحدي والترقب. غياب الأم في اللوحة خلق علامات استفهام لا بد منها في لوحة مفعمة بالدراما.

وقد نفذ الفنان لوحته بأسلوب تشخيصي.

الحادثة التاريخية الثانية التي توقف الفنان عند اطلالها كانت هجمات الانفال التي نفذها النظام العراقي ضد الشعب الكردي في العراق، وراح ضحيتها آلاف القتلى، والمفقودين الذين سيقوا الى صحارى الجنوب حيث طمست آثارهم منذ عام 1988.

و«انفال» الفنان قادر لوحة غلبت علىها المشاهد الكثيرة التي اقتطعها الفنان، ووضعها في كوادر مربعة صغيرة الحجم، مستقلة في معالجاتها اللونية، وكذلك في اسلوب رسمها الذي تفاوت بين التشخيصية والتعبيرية التجريدية.

المشاهد التشخيصية في اللوحة تقاسمتها صور الوجوه المذعورة والاجساد المرتعشة والاقدام وصور الحيوانات الاليفة، خاصة الثور وهو رمز استخدمه العراقيون منذ عصور فجر السلالات في اعمالهم الفنية المختلفة، كما رسم الفنان في تربيعات اخرى من اللوحة حالات شكلية مجردة خلق فيها ايحاء حادا بالمشاعر المتفاوتة للضحايا، ونقل بالتالي صوراً تجسد التأثيرات التي خلفتها الحادثة في الاجساد والنفوس وفي الزرع والضرع.

واللوحة بمجملها شريط توضيحي غلب عليها اللون الاحمر، واستطاع الفنان وبمهارة ان يجمع فيها بين ما هو مرئي، وما يدرك بالاحساس في معمعة عاصفة الموت المرعبة تلك. وبفرشاة سريعة منفعلة، سجل قادر في لوحات كثيرة اخرى العديد من الروابط الاجتماعية كموضوعة الامومة التي جمع في بعضها وبحميمية ظاهرة بين الانسان والانسان، والانسان والحيوان بمعالجة اقترب في بعضها من جو لوحات شاجال، وان كانت لوحات قادر في الغالب ارضية في حين اننا نعرف بان لوحات شاجال وفي جانب كبير منها فضائية مفعمة بالفنتازيا والروحانيات.

يعود تاريخ اقدم اللوحات التي عرضها قادر الى عام 1989، ونجد فيها تأثيرات رسم متعددة كانت لقاعدته الدراسية الاكاديمية، ولأسلوب رسم اساتذته في معهد الفنون (الفنان عبد الله رسول، وكامل احمد مصطفى، وعلي جولا) الغلبة في توجهه التشخيصي الممزوج بتعبيرية تكاد تكون موضع اهتمام معظم الفنانين الاكراد المعاصرين.