انطوني هوبكنز قاتلا في زنزانة في DRAGON RED

TT

إثر النجاح الذي حققه «صمت الحملان» Silence of the Lambs، نقديا وتجاريا وعلى صعيد الأوسكارات حيث التقط بعض أهمها سنة 1992، كان طبيعيا أن تعمد هوليوود الى جزء ثان. الجميع فيها كان بانتظار أن ينهي توماس هاريس جزءا جديدا لكي تقوم السينما بنقله الى الشاشة تكملة لقصة هي ـ في صميمها ـ ليست إخلاقية تماما وعندما ندرك كيف أن بطلها الذي عشقه الجمهور ليس قاتلا فقط، بل آكل لحوم بشر، تصبح مريضة.

قبل أن يجف ورق المطابع عن «هانيبال» كان المنتج دينو ديلا رونتيس (الذي اشترى الحقوق قبل انتهاء الكتابة) يجمع العناصر البشرية الضرورية. لم يعجبه كثيرا أن جودي فوستر فهمت الفخ المنصوب لها اذا ما عادت الى هذا العمل ملاحظة أن السيناريو مأخوذ لا بها كمعبّرة عن وجهة نظر القانون، بل بهانيبال لكتر على كل صفاته، ومشبع، فوق ذلك، بعنف واضح. وهي لم تكن وحيدة في موقفها. جوناثان دَمي الذي أخرج «صمت الحملان» وتد تالي (الذي كتبه) انصرفا عن المشروع. لم يبق من الأساسيين سوى انطوني هوبكنز وبسعر لم يحصل عليه في أي من أفلامه السابقة (عشرة ملايين دولار). لكن هذا لم يوقف ديلا رونتيس مدركا أنه مقدم على حصد دولارات كثيرة اذا ما سارع بتنفيذ العمل. اليه جمع الكاتب ديفيد ماميت وستيفن زيلان والمخرج ريدلي سكوت والممثلة جوليان مور والإيطالي جيانكارلو جيانيني، وما أن وضع الفيلم في العلب حتى بوشر بعرضه عالميا وبنتائج تجارية بطيئة الحدوث لكنها طيبة. في الحقيقة جلب 349 مليون دولار عالميا، أكثر بنحو 76 مليون دولار مما سجله «صمت الحملان» من قبل.

بعد ذلك لم يكن هناك مشروع حاضر. كان هذا الجمع جاهزا لدخول حفلة كبيرة أخرى لكنها ليست جاهزة بعد. توماس هاريس لم يكتب جزءا جديدا في غضون ذلك والمسألة بحاجة الى حل.

«التنين الأحمر» هو الحل. انه الرواية الأولى من هذه الثلاثية («صمت الحملان» الثانية و«هانيبال» الثالثة). وهي سبق أن تحوّلت فيلما ممتازا سنة 1986 بعنوان «مان هانتر» من المخرج مايكل مان. فيها نتعرف على د. هانيبال لكتور لأول مرة، لكنه تعرّف محدود. معظم الأحداث تقع خارج محيطه المباشر. خطها يتعرض لخطه في مشهدين. الباقي محاولة التحري ويل غراهام إلقاء القبض على قاتل بالغ التعقيد وشديد التركيب والغموض يتخذ من هانيبال الموضوع في السجن نموذجا يقتدي به ويشيع بين الجميع رعب اللحظة المقبلة كونه يفتك بضحاياه في كل ليلة بدر كامل.

لكن مان لم يغيّر فقط العنوان (من «التنين الأحمر» الى «مان هانتر») بل الحكاية كلها. شاغله هو الإيحاء بالحياة واستلهام رموز اجتماعية مختلفة عبر تصوير الأجواء المحيطة بمشاهد ممعنة ومتأملة. كل ذلك من دون أن يفقد القدرة على التشويق. بل ان التشويق الحاصل عن طريق أصعب وصولا من المعتاد هو أيضا أعلى قيمة من ذلك الذي يحدث عندما يعمد المخرج الى نقل الحدث بإيقاعه ولحظاته المثيرة كما هي.

على اي حال، كانت الرواية الوحيدة التي يمكن لهوليوود وللإيطالي دينو ديلارونتيس انتاجها في السلسلة واليها جمع اد نورتون، راف فاينس و... بالطبع انطوني هوبكنز. واليها ايضا دعا المخرج برت راتنر، الذي سبق ان قدّم «ساعة زحام» و«ساعة زحام 2»... من المعلبات الترفيهية فعلا للممثل المستورد جاكي تشان.

في الأساس قصة تحري أسمه ويل (اد نورتون) يعود الى الخدمة بعد سنوات اعتزاله لكي يلقي القبض على قاتل مرعب (راف فاينس) يرتكب جرائم دموية يقلع فيها عيون ضحاياه ويستبدلها بقطع من زجاج المرايا وذلك في كل بدر كامل. سبب اختيار ويل هو أنه كان ألقى القبض بنجاح على د. لكتور، والقاتل الجديد لا يرتكب أفعاله الشنيعة مثل لكتور، بل يعتبره نموذجا له. لكتور (هوبكنز) يقبع في زنزانته والتحري يزوره مرارا جامعا منه معلومات من المفترض أن تعينه على القبض على القاتل الجديد. التركيبة ذاتها التي في «صمت الحملان» باسثتناء ان النهاية مختلفة.

تنفيذ راتنر جيّد. لا يشكو، تقنيا، من هفوات او أخطاء. هذا ليس إنجازا صغيرا او بسيطا، لكنه ايضا ليس بالإنجاز الأكبر حجما من الفيلم ذاته. المشكلة هي أنه تنفيذ جيد ولا أكثر من ذلك. لا شيء يضاف على الصورة التي يتقن المخرج شروطها الفنية. من شاهد فيلم ديفيد فينشر «سبعة» ويشاهد هذا الفيلم (والفيلمان ينتميان الى نوعية واحدة) فإن المعنى المقصود بهذا الحكم يبدو واضحا. في حين أن فيلم فينشر يعمل على شخصياته وعلى أحداثه بكاميرا مهيمنة تضع المشاهد في الحدث، يكتفي راتنر بعرضها. فينشر يبني أجواء فنية مثيرة (كما فعل مايكل مان) وراتنر يبقى على سطح الأجواء التي يبنيها. يحكم حياكة المشهد وراء المشهد لكنه يفتقد الأسلوب الفني الأعلى قدرا وقيمة من الصورة المتقنة.