عثمان العمير لطلاب المعهد العالي للصحافة في الدار البيضاء: الصحافي الناجح هو صحافي الشوارع الشرس

TT

فاجأ عثمان العمير الصحافي والكاتب السعودي طلاب المعهد العالي للصحافة وعلوم الاتصال في الدار البيضاء الذين جاءوا ليستمعوا منه الى «مواصفات رئيس التحرير الناجح» وهو يقول لهم «كنت أكره شخصياً مهمتي كرئيس للتحرير في بعض الاحيان بل أكره رؤساء التحرير ليسوا كأشخاص لكن كمهام».

وراح يشرح وجهة نظره الليلة ما قبل الماضية في الدار البيضاء «لقد هجوت وهجرت هذه المهنة وطالبت ان تختصر مدة أي رئيس تحرير في خمس سنوات لان الصحافة مهنة قامعة ومقموعة»، على حد تعبيره.

بيد أن العمير الذي كان يتحدث في درس جامعي افتتاحي شرع بعد ذلك في تهدئة مخاوف طلاب المعهد عندما حدد من وجهة نظره ما اعتبرها مواصفات ضرورية لرئيس التحرير الناجح، واستهل هذه المواصفات بأسوأ الصفات التي يمكن ان تكون لدى رئيس التحرير الفاشل. وقال «لا يوجد أسوأ من ان يكون هناك رئيس تحرير لا علاقة له برئاسة التحرير».

واشار الى ان رئيس التحرير الناجح يجب أن يكون مجموعة شخصيات ويعرف كيف يلد هذه الشخصيات بداخله، وهو ايضاً مجموعة اهتمامات «يجب أن يعرف مثلاً من هو المتنبي حتى اذا حدثه عنه المحرر الأدبي لا يخلط بينه وبين لاعبي كرة القدم».

ويعتقد العمير ان رئيس التحرير الناجح كذلك هو الذي يعرف كيف يدير الفريق الذي يعمل معه وان يكون على دراية بفن ادارة الصحافيين.

ثم مضى يعدد المواصفات وزاد قائلاً «كم هو ممل ان تقتصر معرفة رئيس التحرير على بلده، إذ عليه ان يكون ملماً بالعالم الذي حوله. وأتذكر في هذا السياق كيف كان غسان تويني، رئيس تحرير «النهار» اللبنانية يتحدث معي حول أحوال موريتانيا البعيدة كل البعد عن لبنان». واستطرد «لا بد لرئيس التحرير ان يتمتع بمصداقية حتى لا يضلل قراءه وأن لا تصبح مهمته هي الذهاب في كل مرة الى المحاكم ليدافع عن الأكاذيب التي تنشرها الصحيفة... ولا بد من قدر كبير من الموضوعية».

ويعتقد العمير ان الصحافة تدخل مرحلة النفاق عندما تدعي الحياد وتلج مرحلة الخطر حين يصدق الناس هذه الاكاذيب. وشدد على مسألة «الاناقة» التي هي من وجهة نظره تعني الدقة، وكذلك الاناقة في اللغة والصياغة واختيار الصورة، لكنه يرى أن أهم شرط في رئيس التحرير هو حبه للمهنة.

وتطرق العمير لمواصفات الصحافي الناجح، فقال إنه ذلك الذي ينزل الى الشارع ليبحث وينقب عن الاخبار والتحقيقات، وبالتالي يجب ان يكون «شوارعيا شرساًً» وتكون ذهنيته أكثر تقدماً من موظفي المخابرات. وقارن بين صحافة الغرب والصحافة العربية، وقال ان مبيعات الصحف في العالم العربي كلها لا تتجاوز مليوناً ونصف مليون يومياً، في حين تصل مبيعات الصحف في بريطانيا وحدها الى 17 مليوناً في اليوم. بيد انه استدرك قائلاً «هناك صحافيون عرب ناجحون، لكن المشكلة ان هناك انظمة عربية غير ناجحة وبسبب ذلك لا يبدو نجاحهم ماثلاً للعيان»، مؤكداً ان الابداع لا يقتصر على الغرب.

وأشار العمير الى ان العالم العربي في حالة قرف ليس من الصحافة ولكن من مجمل الاوضاع العربية. وقال إن ذلك أدى الى ألا يتمتع الصحافيون العرب بالمركز وبالمهنة .

وتطرق العمير الى تجربته الشخصية كرئيس للتحرير فقال إنه كان يتحول في بعض الاحيان الى «رئيس للتبرير» وليس رئيساً للتحرير لأنه كان مضطراً في كثير من المرات الى تبرير ما ينشر في الصحيفة لصناع القرار، وأوضح «كنا في كثير من الاحيان نلعب لعبة القط والفأر... الخبر الذي ينشر هنا لا ينشر هناك حتى نتحايل على الرقابة في كل دولة عربية».

وتحدث العمير عن مسألة التمويل وقال «يجب ألا ننظر الى الممولين وكأنهم مجموعة من الشياطين أو الابالسة، بل من الضروري التنويه بدورهم لأنهم ارتضوا عن طواعية الاستثمار في مجال محفوف بالمشاكل والمخاطر. وفي هذا السياق أبدى وجهة نظر حول كيفية تطوير الصحافة المغربية، ملحاً على ضرروة اجتذاب استثمارات تضخ أموالاً حتى يمكن لهذه الصحافة ان تتطور. وزاد موضحاً «لا بد للصحافة المغربية من ان تقبل فكرة العولمة أو «العوربة» بالنسبة للاستثمار حتى تتطور».

وبدا واضحاً ان العمير يراوده حنين للصحافة وهو يتحدث عن تجربته في صحيفة «ايلاف» الالكترونية التي يصدرها على شبكة الانترنت. وقال بعبارات مفعمة بالعاطفة «لقد تركت مرابعي الى مرابع اخرى... تركت الصحافة الورقية للصحافة الالكترونية، فكان حالي مثل المنشقين الروس خلال الحرب الباردة».

تجدر الاشارة الى ان محمد برادة مدير عام شركة «سابريس» المغربية لتوزيع الصحف، حيث عقد اللقاء، تحدث في البداية حول علاقته الشخصية مع العمير «الممتدة في الزمان والمكان» ووصفه بأنه «صديق وفيّ للمغرب والمغاربة».

وأدار حسن حبيبي، الاستاذ في المعهد العالي للصحافة وعلوم الاتصال، اللقاء مع العمير وقدمه للحضور ونعته بأنه «أحد أبرز المدافعين عن اللغة العربية وصحافي مهني مشهود له بالكفاءة والتميز».