«صاحب صاحبه» سقط في اللافن واللاتجارة!

TT

«سمك لبن تمر هندي» كان عنوانا لفيلم شهير إلا انه ينطبق أكثر على فيلم «صاحب صاحبه» الذي لا تستطيع أن تخضعه فنيا لقانون واحد، فلقد اراد الكاتب مدحت العدل والمخرج سعيد حامد أن يقدما فيلما رمزيا يجنح الى الفانتازيا والغنائية والميلودرامية مع الأخذ في الاعتبار ان يحاط كل ذلك بإطار من الكوميديا. وبدلا من ان تمتزج في نسيج واحد كل هذه الخيوط، كانت تتعارض مما جعلنا نشعر بأن الفيلم «سمك لبن تمر هندي» بحق وحقيقي!! تطلبت فكرة الفيلم التي كتبها السيناريست ماهر عواد قدرا من التوازي في العلاقة بين صديقين (محمد هنيدي واشرف عبد الباقي) وهناك بالطبع مأزق يفرض نفسه على الكاتب ماهر عواد والمخرج سعيد حامد يقضي بضرورة ان يتواجد البطلان بنفس القدر ولكن على المقابل فإن هناك قانونا آخر غير قانون الدراما انه قانون النجومية. لقد حقق هنيدي نجومية في شباك التذاكر تمنحه سطوة على العمل الفني ولهذا فإن مخرج الفيلم منذ كتابة «التترات» التي قدمها بالكومبيوتر جرافيك قدم نموذجا كارتونيا لمحمد هنيدي في التمهيد للفيلم بينما تواجد اشرف عبدالباقي في مساحات قليلة جدا في تتر المقدمة وهنا يبدو ان المخرج قد تنازل عن منطق الدراما الذي يفرض التوازي بين البطلين وبدأ خيط الفيلم في التصاعد وهو يسعى الى ان يمسك كل شيء وان يحافظ على بعده الرمزي والفانتازي والواقعي أيضا ولهذا فإن نقطة الانطلاق عندما يصبح على الصديقين أن يختار أحدهما السفر الى دولة خليجية لكي يتحقق ماديا بينما يصبح على الثاني واحب الحفاظ على الاسرة حيث ان هنيدي يرعى جده بينما اشرف مسؤول عن والدته ولهذا يسافر اشرف بينما يظل هنيدي في القاهرة يتولى مسؤولية رعاية جده وأم اشرف، وبدلا من أن يعود اشرف بعد عامين كما هو الاتفاق فإنه يستمر لمدة خمسة أعوام محققا ثروة مادية ويعود للقاهرة على أمل أن يعاود مرة أخرى الذهاب الى الخليج. يلعب الفيلم على قيمة الصداقة وكيف ان اشرف عبد الباقي البخيل في الانفاق المادي عندما يكتشف ان صديقه بحاجة للمال لانقاذ حياته يوافق على أن يضحي بتحويشة العمر وهذا ايضا هو رد فعل لرعاية هنيدي لوالدة اشرف في غيبته. ويعقد الكاتب مقارنة بين الاثرياء والفقراء من خلال التقابل بين «النعام» الذي يتاجر فيه لطفي لبيب والد ريهام عبد الغفور «فتاة احلام» هنيدي وبين البط الذي يعيش فوق أسطع البيوت ويرعاه الفقراء ولهذا يقدم مشهدا قرب نهاية الفيلم لمحمد هنيدي وهو يركب النعامة في الحارة ويدخل بها للبيت ثم في حوار مع النعامة يسخر فيها من اسلوبها ومن الطبقة الثرية التي تمثلها وتأتي النهاية التوفيقية عندما يوافق والد «ريهام» على أن يتزوج الصعلوك محمد هنيدي من ابنته ويرمي بالنصف مليون جنيه الى الشارع ويوافق على أن يعمل اشرف عبد الباقي في مزرعة النعام التي يمتلكها.

لم يستطع السيناريو أن يقدم مبررا دراميا لحالة الاعجاب المبدئي الذي نما بين ريهام وهنيدي حيث لا يمتلك هنيدي على سبيل المثال موهبة لا في الغناء أو التمثيل وكل ما يقوم به من مهام لا تتجاوز انه «بلياتشو» يضحك الجمهور من الاطفال في الملاهي والحفلات واحيانا السيرك. لقد حرص المخرج على أن يقدم دائما صورة سينمائية ثرية في محتواها الفني بالألوان وان يمزج كل ذلك بالموسيقى والغناء لكن كان هناك تنافر ما بين ما يريده سعيد حامد وماهر عواد وبين حرص محمد هنيدي واشرف عبد الباقي على أن يقدما للجمهور أكبر عدد من الضحكات وكانت المسؤولية عن الضحك والغناء خاضعة لسيطرة محمد هنيدي بينما اشرف عبد الباقي يلعب دور الممهد فهو مثل لاعب الكرة الذي يهيئ الكرة الى اللاعب الهداف والجمهور في العادة يصفق لمن يحرز الهدف ورغم ذلك فلقد كنت اشعر بأن هنيدي واشرف حائران في البحث عن مواقف كوميدية وكان هنيدي تحديدا يحاول أن يقتنص أي مواقف لاضحاك الناس فلم تكن الدراما في الفيلم تمنحه القدرة على أن يجد جديدا ولا حتى أن يلعب بالمفردات التقليدية التي تعودها منه الجمهور، وانتزاع الضحك هو آفة الكوميديا والتي تسحب منها امكانيات الضحك التلقائي. على الجانب الآخر فإن اشرف عبد الباقي كان عليه ان يبحث عن مساحة اخرى وفي نفس الوقت يريد ألا ينسى جمهوره انه كوميديان يستطيع اضحكاك الناس وانه ليس بطلا مساعدا في هذا الفيلم ورغم ذلك فإن الشيء الوحيد الذي اثبته اشرف هو انه من الممكن مع الزمن ان يتحول الى ممثل جيد اذا كتبت له ادوار ملائمة، أما نجم الكوميديا وهو اللقب الذي كان بود اشرف ان يقترب اليه وان يقترن به، فإن حالة اشرف وعلاقته مع الجمهور حاليا لا تحقق له هذا الهدف كما انه يعمل تحت المظلة الجماهيرية لهنيدي ولهذا لم يقطع له المخرج تذكرة السينما؟! قدم سعيد حامد ريهام عبد الغفور لأول مرة في السينما لكنها كما دخلت الى التجربة خرجت منها وكأن شيئا وفيلما أو دورا لم يكن، أما الوجه الجديد أميرة نايف فإنها بحاجة الى مخرج يوجهها لأنها تنطلق في الاداء بدون قيود!! جاء «صاحب صاحبه» فيلم بلا ملامح حقيقية ولا احساس واحد ولكنه محاولة من المخرج سعيد حامد والكاتب ماهر عواد لتقديم فيلم مغاير لما هو سائد وفي نفس الوقت يريدان ألا يبتعد الفيلم عما هو سائد، يريدان مفاجأة الناس باسلوب بناء الفيلم ويخشيان ان ينزعج الجمهور من تلك المفاجأة، فلم نكن بصدد فيلم تجاري ولا فيلم فني لكنه حالة اشبه باللاتجارة واللافن! ش