سينما الذاكرة المهدورة

TT

* خطف الفيلم الفلسطيني «يد الهية» لايليا سليمان الأضواء عن فيلمين فلسطينيين جديدين آخرين هما «تذكرة الى القدس» (الذي فازت عنه الممثلة عرين عمري بجائزة أفضل ممثلة مناصفة مع الإيرانية كاتيون رياحي عن «العشاء الأخير» وذلك في دورة مهرجان القاهرة الأخير) و «عرس رنا» للمخرج هاني أسعد وبطولة كلارا خوري.

في الأول محاولة المخرج التعرّض الى يوميات القهر الذي يعيشه اللاجئون في المخيمات الفلسطينية. كونه من مواليد مخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة سنة 1962، يدفع المخرج الى الجمع ما بين الذاكرة المهدورة والطموحات العابثة في قصة سينمائي يحاول إقامة عرض للأولاد وموقف الجميع من محاولته تلك بدءا من زوجته. في الوقت الذي يستعرض رشيد مشهراوي، قصة السينمائي وزوجته (تؤديها عرين جيدا) لا يفوته تحويل كاميرته الى لاقطة للنفس الحاضر وسط ظروف عمل صعبة تترك شوائبها عالقة على الفيلم ذاته.

«عرس رنا» أكثر تكاملا من الناحية الفنية والدرامية معا. يتمتع بقدر من الرفاهية اذا ما قورن بفيلم مشهراوي مرجعها الى أن هاني أسعد تمتع بقدر من المرونة في الإنتاج والحركة اذ تم التصوير قبل التصعيد الاسرائيلي في الأشهر العشرة الأخيرة او نحوها. انعكاس ذلك على الفيلم واضح. كل تلك المشاهد الداخلية منفذة بحرفة عالية، وتلك الخارجية على الرغم من صعوبة تصويرها (وسط بداية المتاعب) تأتي لتؤيد فكرة الفيلم وهي أن قصة حب فلسطينية تقود الى عرس يرمز الى النصر محتمل، وأن الاحتلال الغاشم لن يستطيع ايقاف الحياة الفلسطينية ونموّها. طبعا هذا الى جانب قدر لا يستهان به من نقد العقليات المتخلفة على الجانب الفلسطيني ذاته.

كلارا خوري رائعة في الدور. تستطيع أن تثق حين تراها أنها من تلك المواهب العربية التي لا تحتاج الا لفرص مميزة لكي تتقدم على كل الجبهات. لديها شخصية سينمائية متبلورة كإمتداد لحالة الوضع الذي تعايشه. انه من الطبيعي القول انها تتحسس ما تقوم به لأنها فلسطينية ولأنها تعايش الوضع القائم، لكن التعبير عن هذا التحسس هو ما يجعلها أهم موهبة نسائية قدّمتها السينما الفلسطينية من بين جل الأفلام التي أخرجها للآن سينمائيون محليون او مهاجرون.

جيمس كرومويل ليس بشهرة وورن بيتي، لكن ذلك لا يجعل موقفه أقل أهمية خصوصا حينما يتعلق الأمر بالحرب المحتملة التي تريد واشنطن شنها على العراق، انه الممثل الذي نراه حاليا في فيلم «مجموع كل المخاوف» لاعبا دور.... رئيس الجمهورية الأميركي الذي يطوّع سلطته لتخدم شعوره الفردي والنرجسي عند أول شعور بالخطر.

هذا هو النوع من الأدوار التي أعبّر فيها عن مواقفي السياسية. أمثلها. أحاول أن أجسدها كما أشعر بأن شخصا يمينيا سيجسدها بالفعل.

وهو لا يتكلم عن دوره كرئيس الدولة فقط، بل يستمد من أدواره العديدة السابقة التي عكس فيها مثل هذه الشخصية الأحادية منذ أن ظهر في «سري لوس أنجليس» لاعبا دور رئيس البوليس الذي يحاول تغطية فساده بجرائم جديدة.

مؤخرا صرّح بمناهضته الحرب التي يحاول البيت الأبيض تجييش الرأي العام الأميركي لتأييدها. ولم يجد نفسه وحيدا في هذا الموقف فمعه اليوم عدد كبير من السينمائيين الأميركيين الذين يرون أن على الولايات المتحدة عدم زج نفسها والعالم في حرب جديدة تحت اي مبرر او غطاء، خصوصا أن العراق ـ كما تزداد القناعة في أوساط الأميركيين ـ لم يشن حربا ضد اميركا ولا هناك دليل على أنه تعاون مع «القاعدة» للهجوم عليها.

من هؤلاء الفنانة الشاملة باربرا سترايسند التي عادت خصيصا الى الغناء في حفلة تبرعات خاصة لتعلن موقفها المناوئ للحرب. ايضا الممثل اللبناني الأصل توني شلهوب. الممثلة الرائعة سوزان ساراندون وزوجها تيم روبنز والممثل شون بن والممثل وودي هارلسون الذي كتب في «الغارديان» مؤخرا مقالة كبيرة عن وجهة نظره في الإدارة الأميركية اليوم.

وهناك ايضا وورن بيتي الذي استاء كون صحيفة «نيويورك تايمز» أعابت عليه صمته فكسر ذلك الصمت وأصدر بيانا ندد فيه بالموقف المؤيد للحرب الذي خلص اليه الكونغرس قبل أسابيع قليلة وتساءل فيه: «هل هذه حرب لبناء سلام أم حرب لبناء امبراطورية؟».

بيتي كان قد مثل وأنتج وأخرج قبل ثلاث سنوات فيلما سياسيا فذا بعنوان «بولوورث» انتقد فيه كل ما بدا له معيبا على الساحة السياسية بما في ذلك موقف بلاده من العالم العربي الذي يصفه في الفيلم بموقف مصالح فقط. في الفيلم ايضا انتقد ـ بالذكر ـ المنتجين اليهود الذين يوفرون أفلام العنف على أساس أنها ترفيه. الفيلم يبدو اليوم مناسبا لإعادة عرضه كونه أكثر من تعبير صادق لفنان... انه تعبير صادق لمرحلة.