محمد صبحي: مشاكل مسلسل « فارس بلا جواد» وصلت الى بشرتي

TT

لعبته الوجوه، يجيد حوار الأقنعة، على المسرح وفي التلفزيون، في مسلسل «فارس بلا جواد» قد يسأل المشاهد: أين هو؟ لأنه لا يظهر بملامحه العادية الا بصورة عابرة. أما في معظم الأوقات فهو أما ضابط انجليزي، أو تاجر لبناني أو رجل صعيدي، أهم ما يميزه قدرته المدهشة على أن يزيد وزنه أو يقل حسب مقاس الشخصية، أكثر ما يشغله فنه فهو الذي أخذ منه باليسار ما منحه له باليمين، لكنه في النهاية يقول: أنا الكسبان. محمد صبحي فنان غير عادي له حساباته الخاصة، وأعماله المميزة، وشعاراته التي يؤمن بها والتي لا تعرف كلمة «مستحيل». الشتاء بدأ مبكرا عند محمد صبحي فهو يستعد الآن للموسم المسرحي الشتوي الذي سيشهد استمرارا لمهرجان المسرح للجميع والذي بدأه منذ سنوات وسيكون مفاجأة للجميع حيث سيقدم ثلاث مسرحيات في الأسبوع يبدأها بمسرحية «ملك سيام» التي كان مقررا عرضها العام الماضي ولكنه اضطر الى تأجيلها الى الموسم الحالي لعدم الانتهاء منها.

عندما اقتربت منه وجدت في عينيه لمحة حزن لم يتمكن من اخفائها وهنا بادرته بسؤال: هل الحزن الذي يملأ عينيك بسبب غيابك عن المسرح الذي تعشقه خلال موسم الصيف، خاصة انها المرة الأولى منذ سنوات؟

ـ المسرح أبو الفنون ومهما قدمت من أعمال فنية على شاشة التلفزيون أو السينما فإن ذلك لا يشبع رغبتي الفنية كما هو الحال عندما أقف على خشبة المسرح. ولا أنكر أنني حزين لغيابي عن المسرح خلال موسم الصيف ولكن ما يخفف من حزني ان غيابي كان بسبب انشغالي في عمل ضخم لا يقل في أهميته عن مهرجان المسرح للجميع الذي اعتمدت على تقديمه منذ سنوات، ومسلسل «فارس بلا جواد» يستحق هذه التضحية وما بذل فيه من مجهود والذي لا يقارن بأي عمل سابق من حيث التكلفة الانتاجية التي تقدر بملايين الجنيهات أو المجهود الضخم الذي بذل فيه أو المرحلة الزمنية التي يلقي المسلسل الضوء عليها والتي تمتد منذ عام 1856 وحتى 1917 مع صدور وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

* مدة قصيرة

* ولكن بدأت في تصوير المسلسل منذ ما يزيد على عام كامل، وبالتالي كانت لديك فرصة للانتهاء منه واللحاق بموسم المسرح في الصيف؟

ـ بالفعل بدأت في تصوير المسلسل منذ ما يقرب من عام كامل وبالتحديد في شهر يوليو (تموز) قبل الماضي ولكنني بدأت في الاعداد له قبل ذلك بسنوات طويلة قد تزيد على 18 سنة عندما حصلت على مذكرات حافظ نجيب الشخصية الرئيسية التي تدور حولها أحداث المسلسل. ولكن الحقيقة أننا واجهنا العديد من العقبات خلال التصوير تسببت في طول الفترة الزمنية للتصوير، وأول هذه العقبات تأخر وصول الماسكات (الأقنعة) التي ارتديها في أحداث المسلسل من الولايات المتحدة بسبب أحداث سبتمبر (ايلول)، بالاضافة الى صعوبة تصوير العديد من المشاهد نتيجة كثرة المجاميع التي شاركت فيها، هذا بالاضافة الى أن أغلب أحداث المسلسل تم تصويرها وأنا أرتدي قناعا يستغرق تركيبه ساعتين وخلعه ثلاث ساعات، وكل ذلك كان سببا في طول الوقت الذي استغرقه تصوير العمل حيث لم ننته من عمليات التصوير والمونتاج إلا منذ 4 أشهر تقريبا.

* بعض المسرحيات يتم الاعداد لها خلال اسابيع قليلة بعدها تكون جاهزة للعرض، ومدة 9 أشهر لا تكفيك خاصة ان اعضاء فرقتك المسرحية متجانسون ولم يكن من الصعب عليهم الاستعداد في هذه المدة الزمنية؟

ـ هذه المدة قد تكون كافية للإعداد لأي مسرحية أخرى ولكن مسرحية تعرض على مسرح محمد صبحي هي مدة قصيرة بالنسبة لها ولا تكفي لأننا نحترم العمل الفني، هذا بالاضافة الى أننا لا نقدم مسرحية واحدة ولكن ثلاث مسرحيات وهذا يزيدمن صعوبة الأمر. والأهم من ذلك أنني تعودت على عدم الجمع بين أكثر من عمل فني في وقت واحد، فإذا كنت مشغولا في تصوير مسلسل تلفزيوني لا أرتبط بأي عمل سينمائي أو مسرحي حتى انتهى من المسلسل، وهذا الأمر قد يبدو غريبا للبعض خاصة ان العديد من زملائي الفنانين حاليا قد يرتبطون بتصوير عمل تلفزيوني وآخر سينمائي خلال النهار، وأثناء الليل يقفون على خشبة المسرح، ولكن هذا ليس من طباعي.

* سبق ان رفضت عرض «فارس بلا جواد» في رمضان الماضي بدعوى أنك لست من زبائنه نتيجة زحام الاعمال الدرامية، ثم أجلت عرضه حتى رمضان المقبل. فما سر هذا التحول؟

ـ ليس هناك أدنى تحول في موقفي كما تقول وما حدث انني رفضت عرض المسلسل في رمضان الماضي لأنني لم أكن قد انتهيت من تصويره بالكامل ورفضت البدء في اذاعة أي حلقة قبل الانتهاء التام من التصوير والمونتاج حتى لا يؤثر ذلك على كفاءة العمل. ومن ناحية أخرى فأنا بالفعل لست من زبائن رمضان وأفضل دائما عرض أعمالي في الشهور العادية خاصة ان رمضان يشهد زحاما في الاعمال الدرامية مما قد يمثل بلبلة للمشاهدين، وهذا لا يتناسب أبدا مع طبيعة مسلسل «فارس بلا جواد» الذي يحتاج الى تركيز في المشاهدة. ولكن القناة الفضائية التي اشترت حق عرض المسلسل فضلت عرضه خلال رمضان المقبل لجذب أكبر عدد من المشاهدين وهذا من حقها.

* ألاحظ وجود بعض المشاكل في بشرتك. فهل هي آثار الزمن؟

ـ هنا ابتسم الفنان محمد صبحي وقال: ليس بالضبط ولكن الماسكات التي ارتديتها لتصوير أحداث المسلسل تسببت في مشاكل بالبشرة ما زلت أعاني منها حتى الآن خاصة ان الماسك الواحد كان يستغرق في تركيبه ساعتين وخلعه ثلاث ساعات، ولكن هذا الأمر لا يقلقني لأنه مع مرور الوقت ستنتهي المشكلة تماما.

* الواقع العربي مرير وهنا طلب الفنان محمد صبحي ان يتوقف حديثنا مؤقتا لمتابعة نشرة الأخبار لمعرفة آخر الأنباء، وكالعادة امتلأت النشرة بصور المجازر الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وأنباء أخرى تترد حول استعدادات اميركية لضرب العراق، وعندها لاحظت تغير وجه صبحي وبدا وكأنه قد كبر عشرات السنين. وبعد انتهاء النشرة قال لي بانفعال شديد: لا أدري الى متى سنقف مكتوفي الأيدي تجاه هذه الوحشية؟ فالواقع العربي الذي نعيشه يدعو الى الرثاء. لقد نجحوا في ما خططوه وحولونا الى شعوب مستهلكة لمنتجاتهم وجعلوا كل فرد فينا لا يفكر إلا في نفسه وينتظر ان يأتي اليه أحد غيره بالحل بينما نحن جميعا في خندق واحد وعلينا أن نبدأ بأنفسنا ونتخلص من هذا النهم الاستهلاكي الذي يسيطر علينا. واعترف أنني كنت واحدا من المستهلكين ولكنني تخلصت من هذا المرض بعد أن علمت بمساوئه. وأبسط مثال على ذلك ان استخدامي للهاتف النقال كان يفوق حد التصور فلم أكن أتركه ساعة واحدة من دون الحديث فيه لأسباب هامة وغير هامة حتى جاءت الفاتورة عدة آلاف، وعندها توقفت مع نفسي وسألتها ألا يمكن توفير هذا المبلغ وانفاقه في اشياء أكثر أهمية؟

* أنت اذن مع سلاح المقاطعة الاقتصادية؟

ـ أنا مع الاعتماد على النفس في بناء مجتمع عربي قوي يواجه كل التحديات التي نتعرض لها والمؤامراة التي تحاك ضدنا، واذا كانت المقاطعة الاقتصادية ستساعدنا في الوصول الى هذا الهدف فأهلا بها خاصة في ما يتعلق بالأشياء غير الهامة والتي يوجد بها العديد من البدائل مثل المشروبات والمطاعم الاميركية وغيرها. أما في حالة عدم وجود البديل فليس هناك مانع للاستيراد.

* حاولت تخفيف درجة انفعاله فسألته عن شكل حياته بعد زواج ابنه وابنته؟

عادت الابتسامة على وجهه من جديد وقال: لا يوجد شيء جديد في حياتي سوى افتقادي لأبنائى بعد زواجهما ولكن تلك هي سنة الحياة، وأحاول الاستعداد لحياة الجد بعد أن عشت حياة الأب وهذا الأمر سوف يدفعني للتفكير في تقديم الجزء السادس من «يوميات ونيس» بعد أن طرأت على حياتي هذه التغيرات الجوهرية.

* وهل تدخلت في اختيار شريك الحياة لابنك وابنتك أم انك تركت لهما حرية الاختيار؟

ـ لقد ربيت أبنائي منذ الصغر على الحرية وتحمل المسؤولية حتى في القرارات المصيرية فالتربية هي سلسلة متصلة بدأت منذ الولادة ومستمرة حتى الآن من خلال نصائحي المغلفة بمساحة من الحرية، وكان من الطبيعي ان يكون اختيار شريك المستقبل متروكا لهما والحمد لله كان اختيارا موفقا ولم اعترض عليه.

* بعد أكثر من ربع قرن من مشوارك الفني هل انت راضي عن هذا المشوار؟

ـ الكمال لله وحده ولا أدعي أنني وصلت الى هذه الدرجة، ولكن الحمد لله أنا راض عن مشواري الفني منذ البداية وحتى هذه اللحظة لأنني لم أقدم عملا أخجل منه ولم أقدم الا ما يقنع الجمهور، والمتأمل في أعمالي الفنية يجدها دائما تحمل قيمة انسانية ووطنية هامة، ولكن يراودني الشعور بأن الطريق ما زال طويلا ويحتاج الى بذل المزيد من الجهد وأشعر ان عندي الكثير الذي أقدمه.