الأعمال الدينية بين الرفض والقبول واعتراض الرقابة وساحات المحاكم

لماذا توافق الكنيسة على تقديم المسيح في أعمال فنية؟ * لماذا اشترت القوات الأميركية 100 ألف نسخة من فيلم «الرسالة» الممنوع؟

TT

ما زالت قضية تقديم الشخصيات الدينية سواء كانت اسلامية أو مسيحية في أعمال سينمائية تمثل عائقاً حقيقياً أمام صناع هذه الأعمال، ولعل فيلم الكارتون الأميركي «محمد خاتم الأنبياء» هو آخر الأعمال الفنية التي انضمت مؤخراً لقائمة طويلة من الأفلام التي واجهت العديد من المشاكل والاعتراضات وصلت إلى حد رفع القضايا على صناعها بسبب تقديمهم لشخصيات دينية ذات مكانة خاصة في هذه الأعمال.

وتضم القائمة أعداداً لا بأس بها من أفلام أثارت ضجة كبرى ما بين الرفض والقبول سواء كان قبل انتاجها فعلياً مثل فيلم «محمد رسول الله» والذي كان من المفترض أن يقدم شخصية خاتم الأنبياء فيه الفنان يوسف وهبي وذلك في عام 1925 إلا أن قرار (الأزهر) في ذلك الوقت ألغى فكرة انتاج هذا الفيلم والذي كانت ستتولى انتاجه شركة (ماركوس) الألمانية من خلال مشاركة الحكومة التركية برئاسة مصطفى كمال أتاتورك في التمويل ولم يكتف الأزهر في ذلك الوقت برفض فكرة الفيلم فقط بل أصدر فتوى تنص على أن الدين يحرم تحريماً باتاً تصوير الرسل والأنبياء ورجال الصحابة فانسحب يوسف وهبي وبخاصة بعد أن أرسل له الملك فؤاد تهديداً بحرمانه من الجنسية المصرية اذا قام بالدور.

وفي الوقت الذي حاولت فيه شركة (بدر) الاماراتية للانتاج الفني بالتعاون مع شركة أميركية متخصصة في الرسوم المتحركة، اعادة تقديم حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولكن من خلال الرسوم المتحركة تجددت الاعتراضات الرافضة لهذا الفيلم وتحولت دار العرض التي أقيم فيها العرض الخاص بالفيلم لمظاهرة احتجاج نقدية بسبب ضعف مستوى الفيلم وتجاهله للعديد من الأحداث الهامة في حياة السيرة النبوية مثل طرد اليهود من المدينة وتجاهل رحلتي الاسراء والمعراج وتحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى للكعبة المشرفة وغيرها من الأحداث الهامة. وبرر النقاد ذلك التجاهل لهذه الأحداث الهامة بأن الشركة المنتجة للفيلم في هوليوود شركة يهودية لها فكرها الخاص واذا كان صناع الفيلم يقولون ان 90 دقيقة غير كافية لتقديم كل الأحداث التاريخية الهامة في حياة الرسول والذي سيتم عرضه في 7 دول عربية بجانب مصر عرضاً تجارياً في نهاية نوفمبر الحالي، الا أنهم يؤكدون أن توقيت عرض الفيلم في هذه المرحلة الشائكة التي يمر بها العالم تجاه كل ما هو مسلم، لهو رسالة بالغة الأهمية لتوضح صورة الاسلام الصحيحة ونبيه الكريم.

واذا كان الفيلم الكرتوني «محمد خاتم الأنبياء» قد واجه تحفظات عديدة من الأزهر والرقابة على المصنفات الفنية قبل طرحه للعرض الجماهيري، فان فيلماً آخر مثل فيلم «القادسية» والذي انتج عام 1979 وأصبح جاهزاً للعرض 1981 أعيد رفض عرضه جماهيرياً مرة أخرى من خلال بانوراما السينما العراقية والتي أقيمت في مهرجان الاسكندرية السينمائي في دورته الأخيرة هذا العام.

والفيلم انتاج مصري عراقي مشترك ويتناول معركة القادسية الكبرى التي جرت وقائعها في العام الخامس عشر الهجري وانتهت بانتصار العرب على الفرس بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص. ويعد الفيلم قيمة تاريخية وفنية فقد شارك فيه مجموعة من نجوم الوطن العربي في ذلك الوقت مثل عزت العلايلي ـ سعاد حسني ـ شذى سالم ـ ليلى طاهر ـ كنعان علي والتونسي الراحل عمر خليفة. وعلى الرغم من أن الفيلم يعرض في العديد من الدول العربية ومنذ ما يقارب الخمسة وعشرين عاماً إلا أن د. مدكور ثابت رئيس الرقابة على المصنفات الفنية يقول: «انني لا أستطيع ان اتخطى قراراً صريحاً للأزهر صدر عام 1987 بشأن فيلم «القادسية» وهو الرفض التام لعرضه جماهيريا» والذي جاء نصه: «تدور أحداث هذا الفيلم حول الصراع بين العرب والفرس وانتصار العرب في معركة القادسية بقيادة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) واللجنة التي شاهدت هذا الفيلم ترى أنه قد خرج على ما أجمع عليه علماء المسلمين وأقره مجمع البحوث الاسلامية من منع تمثيل شخصيات العشرة المبشرين بالجنة وسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) بطل هذه الملحمة واحد من هؤلاء المبشرين العشرة»، بالاضافة لبعض الملحوظات منها كثرة العناق والقبل وعري النساء في حمامات السباحة وحديث لبعض النساء بشكل يوحى أنهن خرجت للبحث عن فارس الأحلام لا الجهاد، هذا بالاضافة لعدة ملحوظات أخرى تتعلق ببعض مشاهد الفيلم».

وبسؤال الفنان عزت العلايلي عما اذا واجه الفيلم اعتراضات رقابية أثناء تصويره أو عرضه وكذلك الاتهامات التي أوردها تقرير الأزهر عن الفيلم، أجاب عزت العلايلي منفعلاً: هذا هراء.. ويكفي كل هذا اللغط والافتراء على الفيلم، فتقرير الرقابة لا صحة له من الأساس والفيلم لم توجه له اعتراضات رقابية عند تنفيذه. وأكرر بصوت عالي أن الفيلم احترم المرأة المسلمة وقدمها في شكل مشرف وحافظ علىها، واذا كان الفيلم قدم بهذا الشكل المشبوه الذي يتكلمون عنه وهذا افتراء وكذب فأنا لست المسؤول ويكفي ما تعرض له الفيلم طوال العشرين عاماً الماضية من رفض واعتراض ومنع وتحقير من شأننا، ولو كان هناك مشاكل بالفعل ما كان تم تصويره.

ويقول الكاتب محفوظ عبد الرحمن، مؤلف فيلم القادسية: للأسف نحن نتراجع ثقافياً خاصة بشأن السماح لعرض وتقديم أفلام عن الاسلام والشخصيات الدينية. هذا المنع لا يفيد الاسلام ولا أعتقد أنه يحمي الدين كما يتصورون. ومسألة المنع هذه تعني انحسار هامش الحرية الفكرية التي أباحها الاسلام. وأنا أعتقد أن الاصرار على منع ظهور هذه الشخصيات يضر بالدعوة للاسلام في هذا الوقت الحرج الذي تواجهه الأمة الاسلامية. لأن السينما وسيلة هامة يمكن استغلالها للتعريف بالاسلام وحقيقته.

ويقول محفوظ عبد الرحمن ان المخرج الراحل صلاح أبوسيف طلب منه في ذلك الوقت موضوعا لفيلم عن صدر الاسلام، وكانت الفكرة الأولى عن غزوات المسلمين وبالفعل اخترنا معركة القادسية ولم نواجه مع الرقابة أي مشكلات، بل الذي لا يعرفه الكثيرون ان الفيلم عرض في مصر عام 1981، لكنه عرض في احدى دور العرض النائية التي لم يعرف عنها الكثيرون واستمر عرضه لمدة عام وليس صحيحاً أنه لم يعرض في مصر.

أما عن ملاحظات الرقابة التي وردت بشأن الفيلم فيؤكد محفوظ عبد الرحمن انه أظهر المرأة المسلمة كانسانة بسلبياتها وايجابياتها وانه أبرز المرأة المسلمة كعنصر هام في التاريخ العربي وأعتقد أن جملة «الخلاعة والعري» هي الشماعة الدائمة للرفض، واذا كان هناك اعتراض على فيلم «القادسية» فلماذا يتم منع عرض فيلم مثل «الرسالة»، فأنا أتصور أن أي مسلم محب لدينه لا يمكنه منع هذا الفيلم. ان أوروبا وأميركا عندهم انفتاح شديد ونهم أكبر تجاه الاسلام سواء كان من منطلق الفضول أو الاعتراض. واذا لم نقدم نحن ذلك سيقدمونه هم برؤاهم الخاصة.

وعن فيلم «الرسالة» يقول المخرج مصطفى العقاد: قد لا يعلم الكثيرون أنني أحمل معي موافقة لجنة الأزهر على سيناريو فيلم الرسالة. وأن العمل جيد وقد مكثت سنة كاملة قضيتها في فندق الهيلتون بالقاهرة في بداية السبعينات للاعداد لسيناريو الفيلم. مع كبار الكتاب مثل توفيق الحكيم، ويوسف ادريس، فأنا مسلم، عربي لا أستطيع الاساءة للاسلام. ولهذا حرصت أن يخرج العمل في أفضل صورة ممكنة سواء من ناحية القصة والسيناريو. أو من ناحية التصوير وفريق الممثلين والاخراج. هل يعلم المصرون على المنع انه بعد أحداث 11 سبتمبر تم بيع 100 ألف نسخة من فيلم «الرسالة» للقوات الأميركية وأجرت معهم احدى المجلات حواراً لمعرفة سبب ذلك فقالوا انهم أرادوا معرفة الاسلام فمنهم من اشترى كتب وآخرون اشتروا أفلاما.

أنا أقول للذين يرون في منع ظهور تلك الشخصيات حماية لأصول الدين. ان الحياة تتغير وأساليب الدعوة في الماضي كانت مختلفة، والا فعلينا أن نمتنع عن استخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي.

ولعل التقرير السنوي الذي قدمه مجلس العلاقات الاسلامية الأميركية بواشنطن يؤكد ما يقوله الكاتب محفوظ عبد الرحمن، اذ يؤكد التقرير ان التمييز العنصري ضد المسلمين ارتفع بنسبة 15% عن معدلاته السابقة بل واتهم أيضاً المسؤولين الأميركيين في ادارة بوش بأنها ساعدوا هوليوود في تقديم عدة أفلام سينمائية تصور المسلمين والشخصيات الاسلامية بصورة سلبية مما نشأ عنه سوء فهم تجاه المسلمين بصفة عامة.

وكما يقول السيد مظفر عبد العال القائم بأعمال السفارة العراقية بالقاهرة: ان فيلم «القادسية» حيادي ويعرض تاريخاً هاماً في الاسلام وليس به أي تشويه للاسلام، وان العراق لم يقدم في يوم من الأيام مايسيئ للتاريخ الاسلامي والا ما كانت وافقت على عرضه دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة العراقية بدون أي ملحوظات. وقد شارك الفيلم في العديد من المهرجانات مثل مهرجان موسكو عام 1981، مهرجان آخر في جنوب فرنسا 1982 ونال العديد من الجوائز الفنية.

وينتهي حديث الشيخ يوسف البدري: ولكن لا ينتهي الجدل حول هذا الموضوع مع وجود قرار لوزير الاعلام والثقافة يحمل رقم 220 لعام 1976 بشأن القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية، وتنص المادة الخامسة منه على منع ظهور صورة الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة أو رمزاً أو صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة أو سماع أصواتهم وكذلك اظهار صورة السيد المسيح أو صورة الأنبياء بصفة عامة وعلى أن يراعى الرجوع في كل ماسبق للجهات الدينية المختصة.

ورغم ذلك خرج علينا يوسف شاهين عام 1992 بفيلم «المهاجر» مما أشعل الخلاف من جديد حول تقديم شخصيات الأنبياء في الأفلام لحد وصل لدعاوى الحسبة التي أقامها أحد المحامين لوقف عرض الفيلم، والفيلم كان اسمه الأول «يوسف واخوته»، فرفض الأزهر الفيلم رفضاً قاطعاً بدعوى تحريم تجسيد الأنبياء على الشاشة. وطالب الأزهر بتعديل السيناريو وبالفعل تمت اعادته وقدم باسم «المهاجر» ولم تفلح العبارة التي كتبها يوسف شاهين على تترات الفيلم باللغة العربية ومفادها ان الفيلم لا يمت بصلة الى أي أحداث تاريخية ولا يتعرض لشخص من الأنبياء في نفي أي علاقة بين قصة الفيلم وقصة حياة النبي يوسف واذا كان تقديم الشخصيات الاسلامية على الشاشة من الأشياء المحظورة تماماً من جانب علماء الدين الاسلامي فانها في الدين المسيحي قد تأخذ أبعاداً أخرى أكثر وحرية حيث يقول الأنبا يوحنا: ان الفن أداة ورسالة سامية ولا يوجد نص في المسيحية يمنع تصوير الشخصيات المقدسة لأن الفن هنا سيعبر عن حقيقة ويكشف جمالاً وأبعاداً كثيرة لم يكن يعلمها الكثيرون عن هذه الشخصيات بطريقة رمزية ولحظات شاعرية ولا حرج في أن يخوض الفن في أي شخصية من الشخصيات الدينية.

ويضيف قائلاً: هناك فرق بين تصوير الشخصية وعرض العقيدة الدينية وهنا لا بد أن تخضع لرقابة دينية. والأفلام الدينية بشكل عام تصنف على عدة محاور فهناك أفلام تنتج من أجل الفن فقط وهي تقدم حقائق دينية، تاريخية، اجتماعية، وهناك أفلام تجسد الشخصيات الدينية حتى تكون قريبة من الجماهير فيحبونها أكثر ويقتربون أكثر من تفاصيل حياتها.. وهناك أفلام تتعمد تشويه الدين مثل فيلم «التجربة الأخيرة للمسيح» حيث صور المسيح بصورة غير حقيقية ولا تتفق مع التاريخ والمدلول الديني وبالفعل قامت الدنيا ولم تقعد من أجل منع هذا الفيلم.

ويقول الأنبا يوحنا: اننا لدينا في الكنيسة المصرية والكاثوليكية مركز للسينما لايقوم بدور الرقيب ولكنه يفرز الأفلام المطروحة للمشاهدة ويقر ان كانت تصلح أم لا.. والمحاولات الفنية الجادة يجب ألا تمنع سواء كانت فيلماً أو شعراً أو نثراً أو مسرحا وألا تخضع لسلطة رجل دين، بل تخضع فقط لجهة تقويم دينية، ومثال على ذلك فيلم «الراهبة» الذي قدمته الفنانة هند رستم، فهي فنانة مسلمة ومخرج الفيلم مسلم والفكرة الأساسية للفيلم عن الدين المسيحي.. اذن هذا يدل على أن الرقابة يجب ألا تمنع الابداع، طالما يراعي القيم الأخلاقية والاجتماعية والحقائق الدينية الثابتة.

* يوسف البدري: ماذا فعلت الأفلام للإسلام

* كان لا بد لنا من سماع وجهة نظر المعارضين لمثل هذه الأعمال فيقول الشيخ يوسف البدري، عضو مجمع البحوث الاسلامية ومفتي امارة الشارقة السابق: التمثيل نفسه ليس له هدف اسلامي فالاسلام عندما جاء حرم هذا الفن تماماً.. والسيدة عائشة رضي الله عنها كانت تشكو للرسول صلى الله عليه وسلم من امرأة ظلت تحاكيها وتفعل مثلما تفعل فقال «مه» ياعائشة.. أي توقفي، ان الله قد نهانا أن يحاكي بعضنا البعض ونتشبه بالآخرين. وقد أجمع علماء المسلمين على تحريم تقديم الشخصيات الاسلامية في أعمال فنية ومن ينادي بأن هذه الأعمال تعطي صورة للاسلام وتساعد الغرب على فهمه واعتناقه أيضاً أقول هذا هراء.. فهل الذين أسلموا في أميركا كلهم شاهدوا مسرحية أو فيلما عن الاسلام؟ وأفلام صلاح الدين والشيماء ماذا فعلت للاسلام؟، هل زادت معدلات المسلمين بعد عرضهما؟ وهوليوود قدمت أكثر من 1500 فيلم يسب الاسلام والمسلمين ومع ذلك أسلم الكثيرون بلا أفلام أو أعمال درامية وعندما كنت في نيويورك جلست مع بعضهم وقالوا لي اننا قرأنا عن الاسلام الكثير بشكل أذهلنا وشرح صدورنا فكان اختيارنا الشخصي لدخول الاسلام ولم يقولوا شاهدنا فيلم كذا.