الأغنية الخليجية... بمواصفات إماراتية

TT

منذ منتصف الخمسينات الميلادية التصقت بالأذهان الأغنية الكويتية في ظل الاهتمام الذي حصلت عليه عن طريق المؤسسات المعنية وتوجت ذلك الحضور اعلامياً عندما كانت إذاعة الكويت تمثل منبراً هاماً للترفيه والتثقيف في المنطقة، مما جعل الناس يتعلقون بها. وفي ظل توفر المعطيات اللازمة من مناخ فني ومؤسسات رسمية متمثلة في المعاهد الدراسية واستقطاب العناصر الفنية العربية للتدريس والتدريب، حققت الأغنية الكويتية أفضل نجاحاتها عبر عناصرها الفنية المؤهلة والمدربة والموهوبة مثل عوض دوخي وعبد الله اللطيف الكويتي وعبد الحميد السيد وسعود الراشد. وجاء بعدهم الجيل الذهبي الذي يمثله حسين جاسم ومصطفى احمد وغريد الشاطئ وعبد الكريم عبد القادر. ولاستعراض هذه المرحلة من عمر الأغنية الكويتية فانه في ظل توفر المعطيات الأساسية من مناخ فني ودعم لوجستي تقدمه الجهات الرسمية وحضور عناصر فنية موهوبة، تصدرت الأغنية الكويتية اهتمامات رجل الشارع في المنطقة بسبب الاهتمام الإعلامي القوي، إلا أنها (أي الأغنية الكويتية) ظلت حبيسة النطاق الجغرافي فهي لم تتعد الإطار الإقليمي إلا في حالات قليلة. وعطفاً على ما تقدم فان الأغنية الكويتية باتت نموذجاً يتم تعاطيه والتعامل معه بكل احترام وتقدير في ظل توافرها على المواصفات الفنية الحقيقية.

بيد انه في ظل هذا النجاح الشعبي والإعلامي للأغنية الكويتية. كانت الأغنية السعودية قد انطلقت بشكل منظم وحديث أواخر الخمسينات، وبرعاية رسمية ممثلة في الإذاعة والتلفزيون، وتم استقدام بعض العناصر الموسيقية لينضموا إلى زملائهم من العازفين السعوديين لتتشكل أول اوركسترا موسيقية سعودية. وكانت فترة الستينات والسبعينات بمثابة الانطلاق والنجاح الجماهيري والإعلامي محلياً وخليجياً وعربياً.

كانت القفزة الأهم في تاريخ الأغنية السعودية تمددها باتجاه الجمهور الخليجي والعربي عبر الكويت والبحرين ولبنان ومصر، حتى نضجت تجربتها. وقابل ذلك تراجع ملحوظ في الأغنية الكويتيةن بينما استطاعت الأغنية السعودية أن تجوب اقطار العالم العربي عبر أهم النقاط الجماهيرية والفنية كدمشق والقاهرة وبيروت وعواصم المغرب العربي كخطوة غير مسبوقة، وعرّفت بالنموذج الفني السعودي مما جعل الأغنية السعودية بعد هذه التجربة والمشوار أغنية عربية وباتت تتردد الأغنية على ألسنة الجمهور العربي في كل مكان. وكنتيجة طبيعية لهذا العطاء تسيدت الأغنية السعودية الساحة الفنية العربية طيلة الثلاثة عقود الماضية في ظل تراجع الأغنية الكويتية والمصرية.

ونحن نقبع في سبات عميق نرفل وسط نجاحاتنا المبهرة، قررنا المغامرة بإشراك طعم غريب على موسيقانا بعد أن كانت تتمتع بخصوصية وسمات بيئية جعلتها الأبرز والاميز. أقول بدأت المغامرة بالتجديد ففقدنا ما أنجزناه وها نحن نعيش رحلة التراجع مثل غيرنا، في هذه الأثناء بدأت تتسلل إلى آذاننا أغنيات ذات إيقاع من الخليج وتحديداً الأمارات، وهذا الإيقاع قوبل بالدهشة والاستغراب وعدم القبول، وشيئاً فشيئاً بدأت تزحف الأغنية الإماراتية ممثلة في موروثها البيئوي الذي يعكس طبيعة الحياة هناك. ولكون الإيقاع جديدا ظهرت أصوات شابة تقدم الأغنية الإماراتية المحلية والشعبية واندفع كل فناني المنطقة لتقديم أعمالهم بهذا اللون الموسيقي الذي يعتبر جديداً. وهو ليس جديداً بل هو تراث ولكن لأن الأغنية الإماراتية لم تكن موجودة على الخارطة الفنية لم يكن الإيقاع الإماراتي معروفاً، إلى أن انطلقت اعلامياً فلفتت الأنظار والاهتمام مما حدا بالفنانين لتقديم أغانيهم بهذا الإيقاع الذي لا يخلو أي البوم لفنان خليجي أو عربي منه حالياً، مما يعني قدوم الأغنية الاماراتية، وان هذا الزمن زمنها، خاصة ان الأغنية السعودية بدأت تتراجع إلا ان قلة لا زالت متمسكة بأسلوبها الفني ذي السمات السعودية مثل محمد عبده وعبادي الجوهر فقط.

إذن أيها السادة وانتم على موعد طوال السنوات القادمة مع الأغنية الإماراتية ممثلة في الأصوات التي تزدحم بها الساحة الآن مثل أحلام، عبد المنعم العامري، ريم الحمودي، ميحة حمد، فاطمة، رويدا المحروقي، اريام، هند، فايز السعيد، وان كنت أرى شخصياً أن رويدا المحروقي الأقدر والأجدر لأنها صوت دارس ومتمكن بفضل علو موهبتها الفنية. وهكذا هي الأيام نداولها بين الناس لو دامت لك ما وصلت لغيرك.