عروض تشكيلية سعودية تتجه إلى جمهور محدود

افتتاح رجالي وآخر للنساء لكن حركة البيع تبدو شحيحة ونادرة

TT

في كل مرة تتحرك فيها الساحة التشكيلية السعودية تبدو حركتها غير قادرة على كسب ود الجمهور أو إذابة الحاجز الذي طال أمده بينها وبين الناس والمؤسسات التربوية والثقافية.

ولم يعد غريباً افتتاح أكثر من معرض في أسبوع واحد من دون ترويج إعلامي وثقافي جيد، فالمهم هو الشخصية الاعتبارية التي ستفتتح المعرض، وعدد اللوحات التي ستقتنيها عقب الافتتاح ليدوم المعرض أسبوعاً أو أسبوعين يحمل الفنان أعماله الباقية ليطوف بها ضمن المعارض الفردية والجماعية سنوات عدة ضمن شكل خاص من أشكال العزلة التي يتواضع الضوء احياناً لإزعاجها أو نفض الغبار عنها، وربما نجا من هذه الحالة نفر قليل من الفنانين الذين أسسوا لهم خطاً متفرداً وقاعدة من العلاقات العامة تمنح أعمالهم فرصة الوصول إلى الأثرياء سريعا.

وقبل أيام قليلة شهدت مدينة جدة السعودية معرضين مهمين الأول للفنان عبد المجيد الجاروف من أبناء المنطقة الشرقية، والثاني للفنان مشعل عتيق أحد أبناء جدة والمخلص لقباب مساجدها ونوافذ أبنيتها الحميمة.

يقدم عبد المجيد الجاروف في معرضه أكثر من 30 لوحة تستضيفها صالة إتيليه جدة وتنظمه جمعية الثقافة والفنون بجدة بتنسيق من الفنان عبد الله حماس وافتتحه المهندس الدكتور طلال أدهم.

وتسيطر على أعمال المعرض نزعة للاحتفاء بتفاصيل الحياة اليومية في القرية السعودية، حيث يبدو المزارعون في حالة إنصات نقي وحوار مع الأرض ومعطياتها، وفي الجهة الأخرى تبدو قلل الماء على رؤوس النسوة المحجبات وهن أيضاً عنصر مهم في لوحة الحصاد وفرز المحاصيل أو بيع الحبوب، وتأخذ صورة المرأة لديه شكلاً تمويهياً غير صريح الإشارة، كأنما يتحرك طائعاً وممتثلاً لمجتمع هيأ صورة المرأة بشكل خاص قد لا تتنازل عنه حتى في عمق اللوحة التأثيرية ومسارات الفن الحديث.

أما الملمح الآخر الذي بدا فيه الجاروف مميزاً، فينطلق من وعيه الثقافي بالقضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط الملحة، إذ يتمثل ذلك في لوحاته عن القضية، الانتفاضة، صبرا وشاتيلا، جنين، وفي هذه الأعمال إيقاع ملحمي تتضافر فيه تقنية لونية فريدة واستحضار رمزي لمشهد الصراع والبحث عن سبل البقاء ليقدم بذلك عدة أعمال لم تنزلق في خانة المباشرة التي سيطرت كثيراً على أعمال الفنانين الذين يتناولون هذه القضايا.

ويرى الجاروف في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، أن هذه الأعمال لم تأت وليدة الصدفة أو لمجرد القيام بواجب فني تجاه القضايا السياسية الراهنة، بل أتت نتيجة لتراكم معرفي ومتابعة امتدت سنوات عديدة، الأمر الذي جعلها صيغة أساسية في منجزه الفني دون تصنع.

والفنان عبد المجيد الجاروف من مواليد مدينة سيهات في المنطقة الشرقية السعودية ويحمل شهادة البكالوريوس في العمارة، وشارك في عدة معارض في جامعة الملك فهد، وشركة أرامكو السعودية.

وفي الجانب الآخر تستضيف صالة «العالمية» في جدة المعرض الشخصي الأول للفنان السعودي مشعل عتيق العمري، وافتتحه فاروق عيد، مدير العلاقات العامة المركزية في البنك الأهلي، بحضور عدد من الفنانين التشكيليين ويعرض فيه 25 لوحة، رسمت بالزيت والباستيل طغت عليها إيحاءات المدينة الإسلامية بقبابها المعمارية وأبوابها ونوافذها مرسومة بألوان مشرقة صافية اعتمد فيها الأصفر والأزرق والأحمر بتدريجات وخفة ألوان الباستيل وشفافيتها، وبدت الأعمال كأنها عمل على الزجاج وأعادت إلى الذهن فن النوافذ المعشقة في المدينة العربية القديمة. ولا تخلو لوحة من أعمال الفنان مشعل العمري من رمزيات ذات دلالة على عمق الثراء الحضاري العربي وانفتاحه على الآخر وأتت الأبواب المشرعة وطغيانها والنوافذ المتصاعدة وكأنها تؤكد انفتاح الحضارة الإسلامية وإيمانها بالتواصل والرحابة ضمن رؤية معرفية يؤمن بها الفنان وربما أراد تكريسها في اللحظة الراهنة في ظل الصراعات الفكرية وعلاقات الأمم ببعضها.

المعرضان افتتحا في وقت متقارب وسط اهتمام نخبة محدودة من المهتمين بالفن التشكيلي السعودي ويستمران لمدة عشرة أيام لا يتوقع أن تفصح عن جديد في علاقات التشكيل السعودي بالجمهور، ولن تقام على هامش كلا المعرضين ندوات ثقافية أو حلقات نقاش كما تجري العادة مع بعض المعارض الأخرى.

وخصص كل منهما مساء للافتتاح النسائي في محاولة لتوسيع دائرة المهتمين والظفر بحركة اقتناء افضل، لكن ذلك في ما يبدو لم يغير شيئا من مناخ الكساد ومحدودية المرتادين.