فيلم «لما حكيت مريم» جديد برناديت حديب يعود إلى الأجواء الرومانسية في السينما اللبنانية

TT

«أشعر بأنني ملكة على المسرح وضيفة على التلفزيون»، هذا ما تبوح به برناديت حديب وهي واحدة من اقدر الممثلات المسرحيات اللبنانيات التي ينضح الحوار معها بالعفوية والتميز...

لم ترضَ برناديت حديب ان تكون خطوتها السينمائىة الاولى «ناقصة»، وانما خرجت عن صمتها بفيلم «لما حكيت مريم» الذي خلع عن الشاشة الكبيرة اللبنانية عباءة الانتاجات التي تناولت، على مدى السنوات الاخيرة، الحرب الاهلية بذيولها من مخدرات وجرائم ليطرح موضوعاً اجتماعياً حساساً يقدم للمرة الاولى على الشاشات السينمائىة العربية وهو «المرأة العاقر» ونظرة المجتمع اليها في عودة الى اجواء رومانسية و«الحب حتى الدفن». وقد حصد الفيلم 12 جائزة وحازت حديب 3 جوائز عن افضل ممثلة لدورها في هذا الفيلم.

«الشرق الأوسط» التقت «مريم» وكان هذا الحوار:

* ماذا اضاف فيلم «لما حكيت مريم» اليك كممثلة؟

ـ بالنسبة لي، «لما حكيت مريم» هو اول فيلم طويل امثل فيه الدور الرئيسي لذا كانت التجربة مميزة وصعبة في آن، كما ان دور البطولة لم يأت على طبق من فضة لانني خضعت مع عدد كبير من الممثلات للتجربة «كاستينغ». ومع انني احببت الدور لم اكن متأكدة من الحصول عليه لان المخرج اسد فولادكار كان في ذهنه صورة لشخصية مريم مختلفة عن شخصيتي، اي امرأة سمينة وست بيت بكل معنى الكلمة. غير ان اتصاله بي بعد «الكاستينغ» بدد المخاوف وجعلني اشعر بسعادة تامة خصوصاً ان الفيلم يطرح مشكلة هامة في المجتمعين اللبناني والعربي هي مشكلة المرأة العاقر وانا لطالما بحثت عن قصص وقضايا تعنى بمشاكل المرأة.

كنت متحمسة جداً رغم صعوبة التجربة حيث لم يكن لدينا وقت كبير اذ تم تصوير الفيلم في 15 يوماً وبموازنة لم تتعد 15 الف دولار، علماً بأن اقل فيلم سينمائي يُنتج اليوم بـ 150 الف دولار. وبالتالي كان من الممكن ان يكون «لما حكيت مريم» افضل بكثير على المستوى التقني لو توفرت له المبالغ المطلوبة ولكنني اعتقد ان الفيلم تميز بالسيناريو والتمثيل وكان الموضوع هو اساس انجازه، ولاول مرة يتم التطرق الى موضوع العقم عند المرأة ونظرة المجتمع اليها، الامر الذي اعاد الى السينما اللبنانية اجواء الرومانسية بعد ان طغت افلام الحرب والمخدرات.

* ما هي ردود الفعل التي تلقيتها من الجمهور؟

ـ يجب ان نوضح اولاً ان الفيلم بدأ من دون اعلان في السينما كما لم يحظ في الاسبوع الاول لعرضه على اعلان في التلفزيون مع العلم بأن الافلام التي تأتي من الخارج تلقى الدعم الكافي والوافي على قاعدة «كل شيء فرنجي برنجي».

وما ساعدنا هم الناس انفسهم الذين تناقلوا احداث الفيلم من شخص لاخر وهذا هو سبب تمديد العرض. كما انني عرفت ان الفيلم هو رقم 2 في ايرادات صالات «السوديكو سكوير». ثم انني اختبرت الردود على الارض من خلال المناقشات التي اجريناها مع الجمهور فشعرت بسعادة الناس وبداية عودة التشجيع والثقة بالسينما اللبنانية. كما لمست ايضاً تفاعل الجمهور غير اللبناني حيث وصلني كم هائل من الرسائل من تونس تظهر معايشة الناس لمريم والتماهي معها.

* ما هي الجوائز التي حصل عليها الفيلم؟

ـ الفيلم عرض في 28 مهرجاناً سينمائياً اهمها: مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي، مهرجان قرطاج السينمائي الدولي، مهرجان الافلام العربية في معهد العالم العربي في باريس، كما حاز 12 جائزة آخرها جائزة اللجنة في مهرجان بلجيكا السينمائي وحصلت شخصياً على 3 جوائز عن افضل ممثلة.

* ألم تعرض عليك تجارب سينمائية اخرى؟

ـ عملت مع المخرج بهيج حجيج بعد فيلم «لما حكيت مريم» على «زنار من نار» لم يعرض حتى الآن في الصالات اللبنانية. وهو فيلم يروي قصة امرأة مهجرة في خطوط التماس ترى نفسها في بيت غريب عنها ورجل غريب ايضا، ودوري في الفيلم صغير نسبياً لكنه مؤثر.

كما انني اعتذرت عن قبول عرض من مخرج فرنسي لانني سأبقى طيلة فترة تصوير الفيلم في باريس. وهناك مخرج فرنسي آخر عرض علي دوراً في فيلم يحضره بعد مشاهدته «لما حكيت مريم» في معهد العالم العربي في باريس وتناقشنا في الدور واعطيت رأيي في السيناريو الذي تعاد كتابته وتبقى تفاصيل الاقامة.

* ماذا عن انتاجات السينما اللبنانية الأخرى؟

ـ ليس لدينا شيء اسمه سينما انما محاولات خجولة جدا ونحن حاولنا بالـ 15 الف دولار تصوير فيلم «ديجيتال» ونفخه ليصبح فيلما 35 مم لاننا لا نستطيع ان نقيد ايدينا وننتظر حتى تأتي المليون دولار.

صحيح لا يوجد انتاج ولسنا قادرين ولكننا يجب ان نبحث دوما عن الحلول. والجدير بالذكر اننا بدأنا نسمع عن تجارب على خط «لما حكيت مريم» بغض النظر عن جودة العمل او عدم جودته لانه اذا لم يكن هناك السيئ لن نشعر بالجيد، والمهم ان يمشي الدولاب، لان لدينا طاقات بشرية ابداعية موجودة، حرام ان تموت وان كنت اعتقد ان ارادة الشباب تبقى محدودة الفعالية في ظل غياب الدعم الرسمي وتحديداً وزارة الثقافة

* بالانتقال الى المسرح نعلم انك انطلقت من الخشبة المسرحية، ماذا تقولين؟

ـ بدأت بالعمل المسرحي كراقصة في فرقة للفنون الشعبية فيما انتسبت الى معهد الفنون الجميلة حيث درست 4 سنوات تمثيل واخراج مسرحي، لكن منذ دخولي المعهد بدأت مع روجيه عساف وعدد من المخرجين والممثلين الذين اكتسبت منهم الخبرة التي اوصلتني الى ما انا عليه وجعلتني اختار ادواري بروية وعمق، وانا اقول دائما المسرح بيتي لانني اشعر انني ملكة في هذا المكان كما انني لست ممثلة في المسرح فحسب فأنا اساعد في كتابة النص، واعطي رأي في الاضاءة واقترح في منهجية الديكور والازياء واتدخل في كل شيء وهذا يشعرني بأنني منتجة في العمل.

* ماذا عن تجربتك مع دريد لحام في المسرح؟

ـ كانت اول صدمة في حياتي لانني لم اكن انهيت دراستي الجامعية بعد ولم يكن لدي سوى مسرحيتي «العصافير» لروجيه عساف و«قجة عمو فهمان» عندما طرح دريد لحام اسمي وهو علامة فارقة في تاريخ المسرح. وكان عليّ ان اترك جامعتي واذهب الى سورية لاعمل هناك. كان الامر بالنسبة لي فرصة اما ان استغلها واتمسك بها او تذهب سدى ولا تعود ثانية. فأخذت قراري وتركت الجامعة سنتين وسافرت الى سورية وهناك تبدد خوفي بعد ان لقيت الاحتضان، ليس من دريد لحام فحسب بل من اسرة تشرين بكاملها.

ثم ان فناناً مثل دريد لحام يضع ثقته فيّ كممثلة ويعطيني مكانة كبيرة ليس امرا سهلا لانه فتح لي بابا على الجمهور العربي لاثبت نفسي كممثلة عربية. واعتقد انه من دون دريد لحام لتغيرت مسيرتي الفنية بشكل كلي.

* هل هناك مشاريع مسرحية مستقبلية؟

ـ سأسافر الى الاسكندرية لأباشر تدريبات لمسرحية شكسبير «حلم ليلة صيف» مع فريق مصري من بينهم الممثل خالد الصاوي الذي لعب دور جمال عبد الناصر ومخرجة سويدية هي ايفا بيرغمان وطاقم فني سويدي (سينوغرافيا، اضاءة، مايسترو وكوريغرافيا) وسأبقى هناك مدة 3 اشهر. وعلى المستوى اللبناني احضر مسرحية مع زوجي الفنان عصام بوخالد «العلبة السوداء» ولكن بعد الانتهاء من ارتباطي في مصر.

* ماذا عن المسرح اللبناني بشكل عام؟

ـ انا اعتقد ان اهمية المسرح اللبناني تكمن في اختلاف المدارس المسرحية والتنوع في المحاولات فنرى مسرح مروان نجار والمسرح التجاري الصرف و«الشانسونييه» والاستعراضي (كركلا والرحابنة)، النقدي اللاذع «زياد الرحباني»، المسرح التجريبي (روجيه عساف ويعقوب الشدراوي) هناك محاولات هامة على صعيد المسرح اللبناني ولكن ينقصها الدعم لتستمر.

* تعتبرين نفسك ملكة على المسرح، فماذا عن تجربتك في التلفزيون وخصوصاً انك ترددين دائما انك ضيفة لا اكثر؟

ـ نعم اعتبر نفسي ضيفة على التلفزيون حيث لا امثل بشكل دائم ومستمر ولا اظن انني سأخوض تجربة التلفزيون بشكل دائم ومستمر لاننا ما زلنا نختبىء وراء اصبعنا ونتطرق الى المواضيع التي لا تشبهنا ولا نراها في مجتمعنا. من هنا لا اريد ان اتورط في تمثيل مواضيع اتماهى معها. وعادة لا اعتمد على صغر الدور او كبره وتحديدا في التلفزيون، فمشاركتي في مسلسل «عودة غوار» كانت صغيرة نسبيا لكنها تركت أثرا عند الناس وما زلت اتلقى ردود فعل عليها حتى الآن مع ان المسلسل عرض منذ اربع سنوات. كما لعبت دور «الشغالة» في مسلسل «طالبين القرب» لمروان نجار ووُجهت اليّ الكثير من الانتقادات حول الدور والملابس والماكياج لكني اعتبر ان التواصل بين الممثل والجمهور وجعل الاخير يصدقك هو الاساس وهذا نادر في التلفزيون، فالكماليات تطغى على الادوار وأنا لا اعرف كيف يمكن للجمهور ان يصدق «شغالة» تضع ماكياجا اكثر من صاحبة البيت؟

* علمنا انك تعلّمين في معهد الكفاءات؟

ـ أعمل منذ سنتين مع ذوي الحاجات الخاصة في المجال المسرحي حيث ننجز كل عام مسرحية ابطالها اشخاص متفوقون لا متخلفون. هي تجربة خاصة بالنسبة لي يعجز لساني عن وصفها وخصوصا عندما اشعر ان هؤلاء يقفون على خشبة المسرح مثل اي ممثل عادي، لديهم حضور لافت وينفسون في هذا المكان عن كبت فظيع يحبون الاغاني ويشعرون بالمتعة في تأديتها.