ماذا يحدث على الفضائيات العربية؟

الاستديوهات تتحول إلى كاباريه منوعات * لماذا هاجم جمال عبد الناصر الصور الفاضحة في «آخر ساعة» * الفضائيات تورط الفنانين في البرامج الهابطة بإغراء بالمال أو الشهرة

TT

* متسابقة تطلب من نبيل شعيل ان يشتري لها ثيابا * فنان يتحدث في برنامج عن مغامراته النسائية في علب الليل بباريس.

* في منتصف مايو (ايار) من عام 1960 اجتمع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ولمدة ثلاث ساعات، اجتماعا سريا مع معظم رؤساء تحرير الصحف المصرية ليعلن لهم انه قرر تأميم ـ او تنظيم ـ الصحافة.

في ذلك الاجتماع استغرق موضوع «الخلاعة» في الاعلام وقتا اساسيا عندما كشف جمال عبد الناصر عن استيائه الشديد مما تنشره بعض المجلات من مواضيع فاضحة وصور خلاعية، وقال لمصطفى امين بالحرف الواحد: «أنا اخجل من الصور العارية التي تنشرها مجلة آخر ساعة». وقال لاحسان عبد القدوس: «أنا لا اسمح بأن تدخل مجلتا صباح الخير، وروز اليوسف، بيتي»، وعندما حاول احسان عبد القدوس مناقشته والدخول في تفاصيل عملية البيع والتسويق والترويج والمردود المادي، قال له بالحرف الواحد ايضا: «اذا كانت المسألة مادة وبيعا ومكاسب وربحا، هناك اساليب أخرى تضمن لك ربحا اكثر وأوفر، والواحد يبقى تاجر اعراض ويفتح بيوت دعارة سرية» نقتبس هذه المعلومات عن هذا اللقاء من كتاب «الجورنالجي» الذي اصدره الصحافي عادل حمودة عن سيرة حياة محمد حسنين هيكل، للاشارة الى ان موضوع الكتابات او المشاهد او المسامع المثيرة او الخليعة في اجهزة الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، كانت دائما مثار جدل، وقد اصبح الامر اكثر خطورة مع ظهور البث الفضائي الذي يغزو العالم دون اي حاجب او رادع، ان كان في القنوات المشفرة وغير المشفرة، او في الافلام والبرامج والتمثيليات والمسابقات، وذلك من خلال تنافس محموم من أجل المزيد من الاعلانات والمكاسب المادية بعد ان بلغت ميزانيات المحطات الفضائية التي زاد عددها عن الخمسمائة، ارقاما فلكية من الدولارات.

* على الفضائيات العربية

* وقد وصل هذا النوع من حمى التنافس متسللا الى عدد من الفضائيات العربية بشكل او بآخر، ولا يزال يتفاقم لدرجة تحول معها الجيل الجديد من الشباب العرب ـ واكثرهم في المرحلة الجامعية ـ الى مجموعة هستيرية من الراقصين والراقصات، واصبح المطربون والمطربات يصرون على ان ترافقهم لوحات الرقص الخليعة والمثيرة للغرائز، وهم يؤدون اغانيهم بطريقة الفيديو كليب، بحجة انهم يقدمون لوحات غنائية استعراضية.

من هنا، وما ان انتهى موسم العروض الدرامية في شهر رمضان المبارك، حتى سارعت هذه الفضائيات الى الاعلانات المتتالية وهي تبشّر المشاهدين بأن «برامجهم المنوعة» عادت الى سابق عهدها والى مواعيدها، هذه البرامج التي استطاع اصحابها توريط عدد كبير من الفنانين العرب المشهورين، من مختلف اقطار الوطن العربي، باستضافتهم فيها، باغراء المال او الشهرة، لتضعهم في مواقف لا تليق باسمائهم ومكانتهم في عالم الفن، وقد اوردنا مثالين عن ذلك في موضوعنا السابق المنشور في عدد 2002/12/13 من «الشرق الأوسط» بعنوان «الذائقة الجماهيرية للغناء العربي من عبده الحامولي الى يوري مرقدي» عندما تحدثنا عن المطرب الكبير عبد الله الرويشد في برنامج «ميوزيكانا» والمطرب الكبير عبد الله بالخير في برنامج «يا ليل يا عين».

* كاباريه المنوعات

* لقد حولت بعض الفضائيات العربية استديوهاتها الى نوع من «كاباريه المنوعات» وحولت قاعات المسابقات الثقافية الى نوع من «كازينو القمار» الذي يعتمد على الحظ من خلال لعبة مدروسة، ومن خلال اغراء المشاهدين للاتصال على الهاتف ودفع مبالغ كبيرة لقاء هذه الاتصالات الهاتفية، طمعا في الربح، وأي اغراء اكبر من ايهام المشاهد بأنه سيربح مليون دولار لقاء مشاركته في مسابقة ذات اسئلة سهلة على غرار: من هو مكتشف اميركا؟.

* ساعة بقرب الحبيب

* وفي هذا السياق المحموم لاغراء النجوم من الفنانين بالمشاركة في هذه البرامج التجارية، ظهر المطرب عبد الله الرويشد في وقتين متقاربين، في برنامج «ميوزيكانا» الذي اشرنا اليه في مقالنا السابق، وفي برنامج «ساعة بقرب الحبيب» الذي تبثه محطة L.B.C، محاطا بمجموعة من الصبايا المتسابقات، والجائزة ساعة تقضيها الفائزة برفقته، اما الاسئلة «الثقافية» المطروحة في المسابقة فهي عن الأكلة المفضلة لدى الفنان، وهل هي السمك، أم التبولة، أم الكبة.. أم الاكل الصيني.. وسؤال آخر عما لا يعجب الفنان في المرأة، وهل هو مثلا التطرف في وضع الماكياج؟ وسؤال ثالث عن لون شعر المرأة المفضل لديه هل هو الاسود ام الاشقر؟.

وفي حلقة أخرى من البرنامج نفسه استضاف صاحبه المطرب الكبير نبيل شعيل الذي دشنت الفائزة في المسابقة اللقاء معه بقبلتين على الوجنتين، وقالت انها سوف ترافق الفنان، الذي فازت بجائزة رفقته، الى الاسواق ليشتري لها بعض الثياب.

* مغامرات في ليل باريس

* واحب ان استدرك لاقول ان هذه النماذج التي نختارها ان كانت من البرامج او الشخصيات، فإنما نختارها على سبيل المثال لا الحصر ومن منطلق النقد الموضوعي، وهكذا ننتقل الى برنامج «هنا معتز» الذي يقدمه معتز الدمرداش على محطة M.B.C، والذي يستضيف فيه فنانين، خاصة من الاسماء الجديدة، ويدخل معهم في حوار حميمي عن خصوصياتهم، فقد استضاف في احدى حلقاته فنانا مصريا نصف معروف، سبق ان سافر الى باريس، ففاجأه بالسؤال:

* ايه رأيك بالفرنسويات؟

فأجاب: لي تجارب صعبة معهن.. والواحد مش قدّهن. فطلب اليه مقدم البرنامج ان يتحدث عنهن، فراح يتحدث بالتفصيل عن مغامراته في علب الليل الباريسية، وروى قصة ذهابه مع اثنين من اصدقائه المصريين الى ملهى ليلي، وجاءت ثلاث فرنسيات لمجالستهم، وطلبن الخمور.. وفي نهاية السهرة كانت الفاتورة «بلاوي متلتلة» وليس مع الشبان الثلاثة سوى مائة فرنك مما جعلهم يتعرضون لتهديد الـ«بادي غارد» الخاص بالملهى.. وكانت ليلة.. ترى.. ما الحكمة.. وما الفائدة.. وما المتعة، من تقديم مثل هذه الحكاية السخيفة والمبتذلة على الشاشة، وهل هي واحدة من حكايات «الفتوحات» التي يحققها الشبان العرب في بلاد الفرنجة؟.

* مفرخة لـ«النجوم»

* وهناك ظاهرة أخرى خطيرة، وهي ان هذا النوع من البرامج، وكذلك الاعمال الدرامية، اصبحت «مفرخة» لمن يطلقون على انفسهم لقب «النجوم»، فما ان تظهر فتاة جميلة في برنامج، او رقصة، او مسابقة، او دور في مسلسل قريب من «الكومبارس» حتى تقنع نفسها بأنها اصبحت نجمة تذكروا اعلانات البرنامج الجديد «سوبر ستار..» وكما في الاعلام المرئي، كذلك في الاعلام المقروء، او في بعض ابواب وصفحات المجلات الفنية، مثل هذه الظاهرة، اذ يسعى مراسلو هذه المجلات، وهم بالمئات، الى اجراء مقابلات مع هؤلاء النجوم والنجمات ـ مع مساومة على نشر صورة على الغلاف لقاء جعالة معينة ـ كما فعل احد هؤلاء المراسلين عندما سعى لمقابلة احداهن، لعبت في احد المسلسلات التاريخية التي عرضت في الموسم الرمضاني المنصرم دور جارية في بلاط الاميرة، واتصل بها هاتفيا، فردت عليه من اسمت نفسها «مديرة اعمالها».. رحبت به واعطته موعدا لاجراء اللقاء بعد خمسة عشر يوما لان الست مشغولة بمراجعة عدة سيناريوهات قدمها لها عدد من المخرجين «بعضهم عرض عليها دور البطولة» وهي بحاجة للوقت لتقرأها بدقة قبل ان توافق على بعضها، لانها من الفنانين الذين يفضلون في انتقاء ادوارهم النوعية والدقة، فهي تفضل الاختيار على الانتشار.