مسارح دمشق عددها لم يتغير منذ عشرات السنين

تفاؤل بعودة الجمهور إلى المسرح في السنوات القادمة

TT

يتوقع بعض المهتمين والمعنيين ان يعود الجمهور الدمشقي الى المسرح بعد ان تخلى عنه لسنوات طويلة بسبب التلفزيون والقنوات الفضائية، ويبني هؤلاء تفاؤلهم وتوقعاتهم على ان الناس بدأت تمل مما تقدمه الفضائيات ولتكرار الأعمال والمسلسلات على الشاشات العربية، اضافة الى ان العام القادم 2001 سيشهد حدثا ثقافيا هاما في دمشق وهو افتتاح مباني المسرح القومي الضخمة التي بوشر بانجازها قبل عشرين سنة ولكن ستكون جاهزة في بداية العام القادم، وهذه ستنشط كثيراً الحركة المسرحية في دمشق بشكل كبير وكذلك ستعيد مهرجان دمشق المسرحي المتوقف منذ اعوام الثمانينات بعد ان كان يقام كل سنتين مرة ويستقطب كبريات الفرق المسرحية العربية.

المسارح لم تزدد ولو جلنا على مسارح العاصمة دمشق نلاحظ ان عددها 151 وثابت منذ عشرات السنوات فأول مسرح عام دشن فيها كان مسرح القباني في اوائل الستينات، وهناك، مسرح «الحمرا» في الصالحية بأرقى أسواق دمشق افتتح سنة 1966، وهناك مسرح 8 آذار والمسرح العسكري، حرب جسر فكتوريا وسط دمشق، وهناك مسرح المعرض وهو مسرح صيفي مكشوف يصلح اكثر للحفلات الفنية الموسيقية وقدمت عليه فرق غنائية أعمالاً كثيرة واشتهر من خلال صوت فيروز الذي صدح عليه في الستينات والسبعينات وكذلك هناك مسرح اتحاد نقابات العمال. وهذه جميعها مسارح عامة، فيما تغيب المسارح الخاصة تماماً عن دمشق، حيث تقدم بعض الفرق الخاصة مسرحيات يغلب عليها الطابع التجاري ولكن في صالات السينما، كما هو حال سينما الخيام التي يقدم فيها الاخوان قنوع مسرحياتهما، وصالة سينما ايبلا التي درج على تقديم أعماله فيها الفنان ناجي جبر، وهناك صالة سينما دنيا التي يقدم فيها الفنان ياسين بقوش مسرحياته. وفي ما عدا ذلك فلا توجد فرق خاصة باستثناء محاولات لتقديم بعض المسرحيات الجادة كما فعل الفنان رفيق سبيعي في صالة الشام قبل عدة سنوات. ولكن المسرحية لم تصل لمبتغاها، وخسر العاملون فيها بل ودفع الفنان سبيعي من جيبه نفقات المسرحية، كما ذكر ذلك في لقاء صحافي. وهناك الان محاولات لاحياء فرق مسرحية خاصة تقدم فناً مسرحياً استعراضياً راقياً كفرقة انانا وجلفار والشام وتجمع اوركيد الذي قدم اخيراً مسرحيته الناجحة «كاريكاتور». وهذه محاولات جديدة لاقت بالفعل اقبالاً جماهيرياً كبيراً اثناء عرضها.

مسارح وزارة الثقافة يتبع لوزارة الثقافة في دمشق مسرحان هما القباني وافتتح سنة 1960 وتقدم عليه عروض مسرحية لفرق عامة وفرق منظمات شعبية ومسرح الحمرا وهو يتميز بموقعه الهام. وفي زيارة له تحدث الفنان نزار ابو حجر مدير مسرح الحمرا لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: ان وزارة الثقافة اشترته سنة 1966 وكان صالة سينما وحولته لمسرح عام، وأصبح يتسع لـ550 كرسيا، ومنذ افتتاحه وحتى الان قدم على خشبته اكثر من 1000 عرض مسرحي منها عروض مهرجانات دمشق المسرحية (قبل توقفه) ومسرحيات فرقة المسرح القومي. وفي بداياته كان القطاع الخاص يقدم عليه مسرحيات كما فعل محمود جبر وعبد اللطيف فتحي بالاضافة لبعض العروض الأجنبية وبعدها اقتصرت عروضه على الفرق الحكومية. وحالياً هناك مشروع لاعادة تجديد هذا المسرح حيث رصدت له وزارة الثقافة مبلغ 18 مليون ليرة سورية وسيتم ادخال تعديلات على البناء وتطوير تقنيات المسرح الكهربائية والديكور والصوت والخشبة.

المسرح القومي مباني المسرح القومي التي من المتوقع ان تتسلمها وزار الثقافة اوائل العام القادم، خاصة ان وزيرة الثقافة السورية مها قنوت عقدت اخيراً اجتماعاً لتسريع انجاز مشروع المسرح القومي وتطلع بشكل دائم على ما تم انجازه في مبانيه التي تعتبر من أضخم مباني المسارح في المنطقة، فصالته تستوعب 1470 متفرجاً وتم تجهيز المنصة بأحدث الوسائل والتجهيزات من نظام المشاهد الطائرة المعلقة في برج نظامي اضافة لكواليس كاملة الابعاد، وحفرة اوركسترا تستوعب 110 عازفين مجهزة بأرضية متحركة تتوقف في أقصى العمق او على مستوى ارضية الصالة او على مستوى أرضية الخشبة. وتبلغ المساحة الاجمالية لكتلة بناء المسرح حالي 25 ألف مربع. ويضم دار اوبرا وصالات مسرحية ملحقة ومنها صالة العروض الدرامية وتستوعب 737 مفرجاً وصالة متعددة الاستعمالات وصالة المعهد العالي للفنون المسرحية.

مهرجانات مسارح المحافظات تشهد الحياة المسرحية في سورية سنوياً مهرجانات مسرحية في المحافظات ولكن أغلب الفرق المشاركة فيها من الهواة وهي حالياً 151 مهرجانا: في حلب وفي حماة (وهو الأقدم) وحمص واللاذقية وطرطوس، وتقوم نقابة الفنانين بدعم هذه المهرجانات. ومن ايجابيات هذه المهرجانات انها تفرز في بعض الأحيان وجوهاً مسرحية واعدة ولكن تبقى مهرجانات للهواة وليس للمحترفين. أما مهرجان دمشق والذي يتوقع الفنان اسعد فضة مدير المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية ونقيب الفنانين السوريين ان يعود مع تدشين مبني المسرح القومي الجديد وقد يكون العام القادم انطلاقة مهرجان دمشق المسرحي، فهو مرتبط بهذه المسارح الضخمة، كما يقول فضة لـ«الشرق الأوسط»: «لأن المهرجان عندما يعود سيرجع بعروض اوسع وبمشاركات عربية وعالمية، ولن نكتفي بالعربية كما كان يحصل في المهرجانات السابقة قبل توقفه وبالتالي هذا يحتاج الى دور عرض كبيرة، أما ما هو موجود حالياً فلا يفي بالغرض ولا يساعد في اعادة مهرجان دمشق المسرحي».

متفائل وأسأل الفنان اسعد فضة ان كان متفائلاً بمستقبل المسرح السوري فيجيب قائلاً: «طبعاً متفائل فنحن عندما بدأنا انطلقنا من الصفر عندما عدنا من دراستنا المسرحية بدأنا من الصفر، لا يوجد مسرح وحققنا شيئاً الان، صار هناك معهد عال يخرج المسرحيين، وصارت هناك مبان، وصار هناك تكامل بالحركة الفنية، فلماذا لا نكون متفائلين. غير معقول ألا نتفاءل!».

أما في ما يتعلق بجمهور المسرح ـ يضيف فضة ـ فكل بلاد العالم مرت بنفس المرحلة التي مررنا بها والتي يمر بها حالياً العالم الثالث، كله فأجهزة الاعلام طغت في مرحلة وفي فترة من الفترات على المسرح والسينما وعلى كل شيء، بعد ذلك ملّ الناس فبدأوا يرجعون للمسرح، وعندنا نفس الشيء، طغت المحطات الفضائية، وطبيعي ان يجلس الانسان في البيت ويتنقل بين المحطات ولكن هذه الفترة معينة، اشهر وسنوات، ولكن بعدها صار يمل واتجه للمسرح ففي المسرح صار يحس انه أخذ زاداً من هذه الرؤيا، يعادل ما أخذه بشهر من المحطات الفضائية، لم يشاهد شيئاً في المحطات الفضائية سوى الحوار العقيم وهو مضيعة للوقت ولذلك لا بد ان يعود الناس للمسرح وللسينما في حال تحسنت صالات السينما لدينا. الناس ـ يا أخي ـ ملّت من الدشات وما تقدمه.

ولدريد لحام رأي ويقول الفنان دريد لحام عن واقع المسرح في سورية والبلدان العربية: يجب ان نطلق العنان للمسرح في كل المحافظات والا لن يكون عندنا مسرح، في الدول العربية هناك اشكالية وهي انهم يتعاملون مع العاصمة انها المدينة الوحيدة، وكل المدن الأخرى هي قرى، فتجد المسارح والسينمات والوزارات والمؤسسات الضخمة كلها في العاصمة وتهمل بقية المدن، فاذا لم نشجع الحركة المسرحية في المحافظات والمدن فلن تقوم قائمة للمسرح. وأهم شيء هنا ان تكون هناك فرق مسرحية محترفة لكل محافظة وليست فرق هواة فقط، والفرق المحترفة يجب ان ترعاها وزارة الثقافة، والمحافظة ايضاً من واجباتها رعاية هذه الفرق خاصة انها أنشأت مراكز ثقافية فيها صالات مسرحية جيدة في كل المحافظات.

مسرح القطاع الخاص أما الفنان نزار ابو حجر مدير مسرح الحمرا فله رأي حول الواقع المسرحي في سورية وخاصة مسرح القطاع الخاص ويقول: لا توجد لدينا فرق مسرحية خاصة والسبب انه لا يوجد مسرحيون حقيقيون ولا يوجد نص، ولا ممثل نجم مسرحي ولا توجد امكانيات فنية مسرحية، أما المسرح التجاري فهو مسرح مرتجل انعكس على عدم وجود جمهور مسرحي عندهم ومضامين مسرحياتهم هي للترفيه بدون هدف والضحك من اجل الضحك، بينما المسرح هو متعة وفائدة. وبعض الفنانين الكبار لدينا لا يوجد تواصل لهم مع المسرح. في المسارح العامة لاحظنا في العام الماضي ان الجمهور بدأ يعود اليها لأنه ملّ التلفزيون ولأن ما يقدم هو أعمال مسرحية جادة فيها متعة وفائدة ثقافية.