«الأخطبوط» مسلسل إذاعي ضل طريقه إلى السينما

TT

الأفلام السينمائية التي تنهال علينا بين الحين والآخر تبدو في معظمها وهي تخاصم روح السينما أو ان بعضها ضل طريقه وبدلا من أن يذهب به كاتبه الى قسم المسلسلات الاذاعية وجد نفسه على باب السينما فقرر أن يتقدم بأوراقه لتقدم في فيلم سينمائى.

آخر هذه النوعية فيلم، وقل ـ ان شئت الدقة ـ مسلسل «الأخطبوط».

اراد هذا الفيلم أن يعيد مرة أخرى السيكودراما ـ الدراما النفسية التي قدمت كثيرا في الأفلام الأجنبية والعربية وهي تتناول حالة مريض نفسي أو عقلي وتحاول من خلال ذلك أن تلقي بظلالها على خلل ما في المجتمع الذي يصبح بمثابة معادل موضوعيا لما أصاب بطل أو بطلة الفيلم من مرض نفسي.

وربما كان في يقين كاتب قصة فيلم «الأخطبوط» د. أحمد يونس وكاتب السينايو والحوار عاطف بشاي أن يصلا بفيلمها الى هذا التماهي بين المجتمع وبين المريضة العقلية التي أدت دورها الهام شاهين حيث ان الفيلم يقول ان الانسان بحاجة الى الدفء والحنان أكثر من حاجته الى المال، والهام شاهين يسافر زوجها للعمل بالخارج ويتركها تواجه الوحدة وتحلم في داخلها بانها سوف تقتله وتنتقم منه على تلك، السنوات التي سرقها منها وبعد ذلك تعتقد ان الحلم صار حقيقة وانها بالفعل قتلته وتتقدم الى المحقق معترفة بانها قاتلة وتستحق أقصى عقوبة وهي الاعدام ولكن الطبيب محمود ياسين الذي عينته المحكمة وصديقه المحامي محمود قابيل يشعران ان الهام بريئة وهي لم تقتل ويعود زوجها في نهاية الفيلم وتحتضنه وتنتهي متاعبها العقلية وتحصل على البراءة.

الفيلم يقدم كل ذلك من خلال جمل حوار لا تنتهي بين جميع الاطراف وكان هناك ايضا تكرار للعديد من المعلومات التي تتناول الحالة المرضية لالهام شاهين ثم ان الفيلم يبدأ من نقطة ان ينبغي ان ينتهي اليها وتلك هي انه مع اللقطة الأولى التي تتقدم فيها الهام شاهين لتسليم نفسها الى الشرطة ينبغي ان يشعر الضابط انه امام حالة مرضية وليست قاتلة محترفة، لهذا فإنه سوف يبدأ في التعامل معها كمريضة وبالطبع فإن الحبكة البوليسية القائم عليها الفيلم تجعل مثل هذه الأمور تبدو وكأنها تطعن الحبكة في مقتل لأن عدم تصديق الشرطة لإلهام شاهين سوف ينهي الفيلم قبل ان يبدأ، ولهذا كان على المخرج كريم ضياء الدين أن يعقد اتفاقا من طرف واحد معتقدا ان الناس سوف تصدق كل ما يقدمه الفيلم وبالطبع غابت امكانية المصداقية عن احداثه.

الفيلم اقرب الى ـ مونودراما ـ صنعت من أجل الهام شاهين وهي التي تتكلم وهي التي تمثل وهي التي تنفعل وبهدوء أن دورها القصير في فيلم «أيام الغضب» والذي أدت فيه دور مختلة عقلية قبل عشر سنوات وحصلت من خلاله على العديد من الجوائز جعلها تعتقد انها اذا حصلت على بطولة مطلقة في الفيلم سوف تستطيع أن تحقق الأوسكار.

ولكن الفارق ان أيام الغضب كان فيلما تصدق أحداثه ودوافع ابطاله ولهذا نجحت الهام في دورها القصير وسرقت بالفعل الكاميرا حتى من النجوم الكبار الذين لعبوا البطولة أمامها مثل يسرا ونور الشريف.

ولكنها في الأخطبوط كان يبدو انها تريد فقط أن تقول نحن هنا وفي الفن لا يوجد شيء اسمه نحن ولا هنا ولكن ينبغي ان يحافظ الممثل على درجة معينة من مصداقية الاداء وألا يسرقه الأحساس بالمبالغة خاصة في تلك الشخصيات المركبة بطبعها والتي تدعو الممثل لاشعوريا الى المبالغة.

كان اداء محمود ياسين أقرب للاداء المدرسي بدرجة في التعبير الصوتي والحركي تشعرك بأنك أمام مدرس يريد ان يقدم درسا لتلاميذ في معهد المسرح عن اسلوب الاداء التقليدي وربما كان محمود لا يشعر بداخله انه راض لا عن الفيلم أو الدور وهو فقط يريد ان يظل في الدائرة السينمائية بأي ثمن وبأي دور.

محمود قابيل دائما ما يكرر محمود قابيل، لم يستطيع المخرج كريم ضياء الدين وايضا لم يساعده السيناريو على أن يقدم لنا معادلا سينمائيا حيث لم تلعب حركة الكاميرا ولا تكوين الكادر السينمائي أي دور درامي وكان من الممكن لجمهور الفيلم أن يغلق عينيه ويكتفي بالحوار ولن يخسر شيئا يذكر أو حتى لا يذكر.

ولم يجهد نفسه كثيرا واضع الموسيقى التصويرية سامي نصير فقد شعرت بأنني استمعت الى هذه الموسيقى في افلام سابقة. وبالطبع فإن المونتاج يصبح الحديث عنه تحصيل حاصل لأن الفيلم منذ كتابة السيناريو وهو بحاجة الى مونتاج على الورق ومن هناك فإن المونتير عادل منير تعامل مع مادة فنية تفتقد روح السينما ولم يفعل شيئا سوى ان تولى تنفيذ تتابع الفيلم كما اراده المخرج.

«الأخطبوط» فيلم قد يحسب في عدد الافلام التي تنتجها السينما المصرية سنويا ويزيدها واحدا ولكنه يخصم بالسلب من حساب كل من اشترك فيه بالتأليف والتمثيل والاخراج وحتى بالمشاهدة.