تنويعات تشكيلية سعودية تحتفي بالشجن القديم

رسامات ورسامون يجمعون بين الأصالة والحداثة في معرض مشترك في صالة أتيليه جدة

TT

تستضيف صالة اتيليه جدة للفنون الجميلة حالياً معرض الستة للفنانين التشكيليين السعوديين طه الصبان، عبد الله حماس، نوال مصلي، رضية برقاوي، شاليمار شربتلي، عبد الله نواوي برعاية الأميرة حصة بنت خالد بن عبد العزيز.

عن المعرض يقول الناقد العربي عز الدين نجيب: تتواصل كشوف منابع الابداع عبر الاجيال المتوالية بايقاع اسرع من كشوف منابع النفط، ويبدو السباق الحضاري لاهثاً ومتكافئاً بين التنمية المادية للبنى الأساسية للمجتمع والبناء الثقافي والقيمي الذي ترسبه موجات المبدعين وأصحاب المواهب في كل المجالات وفي صدارتهم الفنانون التشكيليون، غير أن التحدي الأكبر الذي خاضته أجيال الفنانين وما تزال هو كيفية استيعاب قرون من الخبرات الجمالية عبر تطور مدارس الفن في العالم حتى آخر اتجاهات الحداثة وما بعد الحداثة في الوقت الذي ينبغي أن تتشبث هذه الأجيال بالجذور المحلية والأصالة العربية كي تستطيع دخول مضمار التقدم العالمي انطلاقاً من أرض صلبة هي ركيزة الصمود في عالم جديد تجتاحه المتغيرات وتذوب فيه الخصومات وبطاقة الهوية للشعوب والحضارات لصالح النمط الموحد لثقافة العولمة.

وتتسم لوحات الفنانين بثراء التجربة وعمق الأداء ودقة التعبير وتظهر جلية في أعمال طه الصبان بألوانه الزاهية وخطوطه الانسيابية التي تبدو خلالها روح المدن وحياة الناس بشفافية تدنو من عين المشاهد محققة حالة اختتطاف حي تأخذه في اللحظة نفسها صوب عالم من التأويل والقراءة المتأنية.

ويتمتع الصبان بمكانة مميزة في ساحة الفن التشكيلي السعودي نظراً أسلوبه الأدائي الرفيع الذي يكرسه في لوحات تحتفي بالإرث القديم والمدينة التراثية ولكن عبر رؤية متجاوزة لا تعترف بالتأطير والنمطية الكلاسيكية بل يمتهن شكلاً تأثيرياً يقرأ فيه الحجازيون في السعودية شجناً عذباً وطيفاً من أطياف الماضي الأمر الذي جعل إحدى لوحات طه صبان غلافاً مميزاً لكتاب الصحافي السعودي الراحل حسن عبدالحي قزاز أهل الحجاز بعبقهم التاريخي.

وتتآزر في لوحات الصبان ألوان اليقظة والصفاء مع حرص شديد على الألوان الأصفر والأزرق والأحمر في محاولة جادة لتأليف فضاء معادل للحياة الثرية وإيقاعها النشط لتبدو اللوحة شُعبة من شُعب التأجج والبهاء.

شجن قديم ويشارك في المعرض عبد الله حماس الخارج للتو من معرض الجداريات الذي استضافته مدينة جدة، ويمتلك الفنان حماس سيرة فنية يحرص فيها على تقديم المختلف على صعيدي الشكل والمحتوى، فجدارياته الشهيرة بتقطيعاتها وتلاحم جزئياتها تدل على روح تتنازعها نزعتان: نزعة نحو المطلق، ونزعة واعية باتجاه الانفتاح والتعدد وتناسل النظائر.

واستطاع حماس الالتفات بذكاء إلى ثراء التجربة الشعبية في قرى الجنوب السعودي وألوانها الصارخة بأقواسها ومثلثاتها وتعرج خطوطها بإيحاءاتها الدلالية وترميزاتها الهندسية التي تتعمد تحريف صورة الواقع بتنويعات خطية تتآخى فيها الأشكال والشخوص النسائية التي تحضر في أغلب الأعمال محملة بدلالات الخصوبة والحياة حيناً وخيالات لا تعدو كونها مجموعة من الكتل المبهمة في سياق البحث عن أفق الحضور والانعتاق.

إن الأهلة والمآذن والعصافير وخلاخيل النساء والنوافذ والنخيل بنسيج تفصيلاتها مكونات رئيسة في بستان حماس بتداعياته الصوفية. الفنانات يروضن الصعب وتشارك في المعرض الفنانات شاليمار شربتلي، رضية برقاوي، نوال مصلي ولكل واحدة منهن طقسها الفني الخاص، حيث تحرص رضية برقاوي على أداء رفيع المستوى يرصد المجهول بتهويماته وغموضه عبر الأجساد المغمورة بالأغطية لتستحيل إلى أطياف محكومة بالبحث عن مخرج يبدو متاحاً وممتنعاً في آن واحد، وتكرس في لوحاتها نزعة متفردة عن قسم كبير من الفنانات السعوديات اللائي اعتدن العمل الكلاسيكي الواقعي مع ضعف في آليات العمل الفني وتقنيات الممارسة التشكيلية.

أما أعمال شاليمار شربتلي فتنجز لوحة يصفها هشام قنديل مدير إتيليه جدة للفنون بأنها أشبه بلوح الصفيح الساخن تتقافز فيه أجساد محكوم عليها بالعذاب محفوفة بكائنات وحشية وآلات خرافية محددة أشكالها بخطوط سوداء سميكة تذكر بنوافذ الزجاج المعشق بالرصاص لكنها ترق وتتماهى في ما حولها متماوجة كخيوط مغزولة من الحرير. ونواجه في أعمال نوال مصلي انهمارا لونيا متدفقا يشتعل بالأحمر والأخضر والأصفر عبر مشهد طبيعي مكثف مغتزل بضربات انطباعية عارمة تلوح خلاله اطياف العمائر والتماعات الضوء فوق اندياح البساط السندسي.

وينتظر نقل المعرض بعد انتهاء عرضه في جدة وبإضافة أربعة فنانين آخرين، إلى القاهرة بدعوة تلقاها إتيليه جدة من وزارة الثقافة المصرية كحلقة جديدة على هذا الصعيد المتواصل.