نجلاء فتحي تثير جدلا بين نجمات السينما حول اعتزال الفنانات «الكبيرات»

هند رستم: أي نجمة تحترم نفسها وتاريخها وجمهورها لا بد ان تنسحب في لحظة ما * نبيلة عبيد: لا توجد سن محددة للاعتزال * نادية الجندي: لماذا تطلبون مني الاعتزال * الفنانة بوسي: الفنان ليس موظف حكومي عليه ان يحمل أوراقه ويستقيل أو يقال

TT

لم يكن القرار الذي اتخذته النجمة نجلاء فتحي بالاعتزال مفاجئا لجمهورها وعشاق فنها، لانها معتزلة فعليا منذ سنوات مضت، صحيح انها قطعت هذا الاعتزال قبل اكثر من 3 سنوات عندما قامت ببطولة فيلم «بطل من الجنوب» ووعدت بالاستمرار بعده، وتحدثت عن مشروعات في الطريق بين تأليف وتمثيل واخراج، منها فيلم يجمعها بالممثلة العائدة سماح أنور، الا ان نداء الاعتزال كان هو الاقوى، ادراكا منها ان الزمن تغير، وان المناخ السينمائي الذي نشأت وتألقت في ظله اختلفت قوانينه، وظهر جيل جديد، وسادت موجة عاتية من الكوميديا، لا تهدف سوى للربح وتحقيق الملايين،اما الفن الحقيقي فقد انزوى وتراجع، واحجم جمهوره عن الذهاب لدور العرض، بدليل ان فيلمها الاخير «بطل من الجنوب» لم يصمد في دور العرض سوى أيام ولم يحقق ايرادات تذكر، رغم انه يقدم سينما جادة، وحصد الجوائز في عدد من المهرجانات السينمائية.

اتخذت نجلاء فتحي قرارها غير المفاجىء لتعيد التساؤل «الساخن» من جديد: متى تعتزل الفنانة؟ وهل هناك سن معينة ينبغي عندها على النجمة أو النجم ان يتخذ القرار القاسي مهما كان مؤلما، حتى لا يفقد رصيده ويشوه صورته الجميلة في اذهان جماهيره؟

هذا السؤال القديم الذي كانت ليلى مراد اشهر وأول من اثاره، وعندما قررت الاعتزال عام 1958 وهي في عز مجدها وشبابها ونجوميتها باعتبارها «نجمة الشباك» التي يأتي الجمهور من أجل اسمها وصوتها وموهبتها مهما كان العمل الذي تشارك فيه.

كان عمر ليلى مراد لايزيد وقتها على 39 عاما عندما صممت على الاعتزال وظلت من حينها قابعة في بيتها بحي جاردن سيتي، رافضة كل مغازلات السينما، ووهج الاضواء، محافظة على الصورة القديمة الساحرة لها في ذاكرة الناس، حتى دخلت بعد ذلك عن عمر مديد في اواخر التسعينات.

وهو نفس ما فعلته هند رستم نجمة الاغراء الشهيرة في اواخر التسعينات فقبل نحو ربع قرن قررت الاعتزال وسط ذهول الجميع. تقول هند رستم لـ«الشرق الأوسط» كان قرارا لا مفر منه فالوسط السينمائي الذي نشأت فيه، بنجومه ومخرجيه ومؤلفيه وتقاليده تغير، وظهر جيل آخر بمفاهيم جديدة وكان علي ان اتنازل عن قناعات خاصة بي، ولكني رفضت ثم انني كنت وقتها قد تعبت من سنوات العمل، والانشغال الدائم، واهمال حياتي الخاصة فأنا امرأة في الاساس احب ان تكون لي اسرة وبيت وحياة مستقرة افتقدتها طوال سنوات عملي بالسينما ولما اتخذت قراري اتجهت للحياة الهادئة التي طالما حلمت بها ومن حينها اعتبر نفسي زوجة د. محمد فياض راضية بما حققته من نجاحات ولم اشعر بذرة ندم، بل يتأكد لي مع مرور السنوات صحة هذا القرار الذي كنت صادقة فيه تماما مع نفسي.

وتقول هند رستم ان أي نجمة تحترم نفسها وتاريخها وجمهورها لا بد ان تنسحب في لحظة ما حتى لا تفقد مكانتها ويتحول الاعجاب والاحترام الى اشفاق ورثاء كما حدث مع اخريات.

ولا يختلف رأي الفنانة القديرة نادية لطفي كثيرا عن الرأي السابق، لكنها لا تميل الى فكرة الاعتزال الكامل والانزواء التام، حيث يجب على الفنان ان يستغل شهرته ومكانته وتقدير الجمهور له في مشروعات خيرية، واعمال انسانية تعود بالنفع على المجتمع كله.

الفنان محمود ياسين يقول ان السينما تحديدا لها وضع خاص، ونجمها عمره قصير، ووهجها محدود، وترتبط بفترة الشباب، فالسينما تبيع الوهم الجميل، والخيال الساحر، وهما مرتبطان غالبا بسن الشباب، والحيوية وبعده يمكن للنجم ان يواصل مشواره في وسائط فنية اخرى كالتلفزيون والمسرح.

ولكن وجهات النظر السابقة الداعية للتسليم بحكم القدر، والاستسلام لقوانين الزمن، تقابلها وجهات نظر معارضة رافضة الاعتراف بمبدأ الاعتزال وتراه انهزامية وهروبا من «الميدان».

وربما تكون الفنانة نبيلة عبيد اكثر هذه الاراء جرأة عندما تقول: لا توجد سن محددة للاعتزال، فالفنان ليس موظفا حكوميا تجرى عليه قوانين التقاعد والاحالة للمعاش، كيف تطلب من فاتن حمامة مثلا ان تجلس في بيتها للابد، ولا تحلم بأن تقدم اعمالا جديدة، تسعد بها جمهورها الذي ينتظرها دائما، وكيف تتجاهل ان عمر الشريف في هذا العمر مازال مطلوبا لبطولة افلام كبيرة سواء في مصر أو في الخارج، ومازال يقدم شروطه، ويرفض ويختار من دون ان يجبره احد، وكيف لا يتعذب ضميرك عندما تصارح ليلى فوزي وليلى طاهر وسميحة أيوب وغيرهن من نجمات الزمن الجميل بأنهن غير مرغوبات، وعليهن تقديم استقالتهن وانتظار الموت، هذه وجهة نظر ظالمة.

وبنفس الحماس تواصل نبيلة عبيد: العطاء الفني لا يرتبط بزمن ولا بعدد من السنوات والفنان حتى لو كان في عز شبابه عليه ان ينسحب مادام عطاؤه نضب، وداهمه شعوره بالتشبع وانه ليس هناك جديد يقدمه. فالفنان كالنهر مادام جاريا ومتدفقا فلماذا تحكم عليه بالاعدام؟ ان فنانة مثل امينة رزق وقد تجاوزت التسعين مازالت تقف على خشبة المسرح في شموخ، وتؤدي بكامل لياقتها وموهبتها وتقدم دليلا حيا على ان عمر الفنان حتى اخر قطرة من موهبته وعطائه.

وتتساءل الفنانة فيفي عبده: هل المطلوب مني بعد كل هذه الخبرة وكل هذا النضج ان اجلس في بيتي اعتني بامور الاكل والغسيل؟ لن اعتزل مادام هناك جمهور يطلبني، ويسعى خلفي في المسرح ودور السينما.

وكانت الفنانة نادية الجندي اكثر هدوءا عندما طرحنا عليها القضية وواجهت سؤالنا بسؤال استنكاري قائلة، في فيلمي الاخير «الرغبة» الم احصل على جائزة احسن ممثلة في اكثر من مهرجان؟ الم يحقق الفيلم ايرادات كبيرة، ونافس في دور العرض افلام الشباب ونجوم الكوميديا الجدد؟ الم يجمع النقاد انه واحد من أهم ادواري، وطالبوني بالمزيد من تلك النوعية من الاعمال؟ اذن كيف تطلب مني الاعتزال؟

نقطة اخرى تشير اليها النجمة الهام شاهين فتقول: الفنان ليس له دخل الا من خلال عمله خاصة اذا كانت فنانة غير متزوجة وليس هناك من يتولى الانفاق عليها وتلبية مطالبها اذن عندما تطالبها بالاعتزال فأنت تطلب منها في الوقت نفسه ان تموت من الجوع أو تذهب لتقضي ايامها الاخيرة في دار المسنين.

وتضيف الهام: كلما تذكرت ما جرى للفنانة الراحلة فاطمة رشدي وكيف تعذبت في سنواتها الاخيرة، وتدخلت النقابة لتوفر لها مسكنا يقشعر بدني واطرد فكرة الاعتزال مهما كانت العواقب، التي لن تكون اسوأ مما يترتب على الاعتزال.

وتقول الفنانة بوسي: طرح السؤال عن الاعتزال بتلك الصورة القاطعة يوحي بأن الفنان مجرد موظف حكومي عليه ان يحمل أوراقه ويستقيل أو يقال مع ان الامر هنا مختلف، ويخضع لظروف خاصة بكل فنان أو فنانة، وقناعاته الشخصية بدليل انني اعمل حتى الان، وسأظل اعمل بالتمثيل حتى اخر يوم في عمري في حين ان شقيقتي نورا مثلا اختارت الاعتزال، وقررت الحجاب والابتعاد ولم املك سوى ان احترم رغبتها وقرارها لانها الادرى بمستقبلها وظروفها العملية والشخصية خاصة ان القرار اتخذته من دون ضغط، بل عن قناعة تامة، وبصدق كامل مع النفس.

وهي لا تملك سوى ان تحترم رغبتي في الاستمرار، وعشقي للفن، ثم ان الفنان ليس مجرد شكل جميل فقط أو صورة مبهرة ليس الا، لانه يعتمد على موهبة في الاساس بدليل انني اقوم الان ببطولة عمل مسرحي اجسد فيه شخصية انسانة قعيدة تجلس على كرسي متحرك طوال الوقت ولا استخدم طوال العرض لاي امكانيات جسدية أو شكلية. والفنان الصادق هو الذي يتحول عنده الفن الى عشق مزمن، وليس مجرد مهنة ولا اظن ان العشق له عمر محدد. اعتزلت نجلاء فتحي لتثير جدلا حادا حول السن المناسب لاعتزال النجوم وهو جدل لا نظنه سينتهي مع كل قرار جديد لنجم تأتيه الشجاعة لاتخاذه.