المشاهد المغربي صدمته الأعمال المحلية وأضجرته وصايا «العمة نور»

TT

فشلت اغلب الاعمال التلفزيونية المغربية التي عرضت على القناتين الاولى والثانية خلال شهر رمضان لهذا العام، ان تحصل على رضى المشاهد المغربي الذي خرج متذمرا من المستوى الهزيل الذي ظهرت به، سواء الاعمال الكوميدية او الدرامية، خلافا لما كان متوقعا خصوصا وانه قبيل عرض هذه الاعمال يتبارى المنتجون والمخرجون والممثلون للترويج لاعمالهم وتطمين الجمهور بانهم سيقدمون اعمالا جديدة تتجاوز ثغرات الاعوام السابقة ويعدون المشاهدين بانهم سوف يقدمون انتاجات «مختلفة» كليا. لكن بمجرد بدء بث الحلقات الاولى حتى تفاجأ المشاهدون بان لا شيء قد تغير. وهذا ما ينطبق على الاعمال التي عرضت هذا العام. فقد صدم المشاهد المغربي مرة اخرى بمستوى الاعمال الكوميدية التي عرضت وعلى رأسها مسلسل «للا فاطمة» والبرامج الفكاهية مثل: «عنداك اميلود» و«قناة الحريرة الدولية» و«بابا غايو» التي اعادت من جديد «نجوم» الفكاهة الى الشاشة بعد غيابهم العام الماضي ونخص منهم بالذكر، عبد الخالق فهيد ومحمد الخياري اللذين فشلا فشلاً ذريعاً وسقطا في التكرار وتقمص نفس الشخصيات النمطية بادائهما المصطنع، والاهم من ذلك سخافة المواضيع التي يتم تناولها في هذه البرامج، والتي تفتقد الى ابسط مقومات العمل الكوميدي بسبب اعتمادها على افكار سطحية وغير ناضجة تماما تستهين بذكاء المشاهد وتستخف بمستوى «ثقافته التلفزيونية» وقدرته على التمييز بين الجيد والرديء ولو عن طريق المقارنة بما يعرض على شاشات الفضائيات الاخرى.

واذا كانت الاعمال الكوميدية فشلت في شد انتباه المشاهد وخلفت لديه شعورا بالتذمر، فالاعمال الدرامية لم ترق بدورها الى المستوى المطلوب فخلافا للنجاح الذي حققه مسلسل «جنان الكرمة» للمخرجة فريدة بورقية الذي عرض العام الماضي، ظهر المسلسل الدرامي الوحيد «شجرة الزاوية» الذي عرض على القناة الاولى بمستوى متوسط جدا، وقد لعب دور البطولة فيه الممثلون عزيز موهوب وحبيبة المذكوري وصلاح الدين بنموسى وعبد الله ديدان وهو من تأليف عبد الاله الحمدوشي واخراج محمد منخار ويحكي المسلسل عن حياة عائلة مغربية من الاعيان، تعيش وفية لمجموعة من التقاليد السلبية وتجري احداث المسلسل سنوات الخمسينات حيث كان المغرب مستعمرا.

ومن بين الاعمال العربية التي استأثرت باهتمام كبير من طرف المشاهدالمغربي المسلسل المصري «العمة نور» الذي عرضته القناة المغربية «دوزيم» ومعظم القنوات العربية، لدرجة انه اينما حركت «الريموت كونترول» يطالعك وجه نبيلة عبيد وهي تقرأ «وصاياها»، ولا بد من الاشارة هنا الى ان اهتمام المشاهدين المغاربة بالمسلسل لم يكن من باب الاعجاب ببطلته او باحداثه المشوقة، وانما بالصورة التي ظهرت بها «نجمة مصر الاولى» والتي لا تتلاءم تماما مع الضجة الاعلامية الكبيرة والهالة التي سبقت الاعلان عن تنازلها عن عرش السينما والقبول بالتمثيل في التلفزيون في مسلسل تعليمي يصلح ان يكون موجهاً للاطفال الصغار فقط، لاعطائهم دروسا في السلوكات التربوية.

فـ«العمة نور» كما جسدتها نبيلة عبيد هي رمز للمراة النموذجية التي عادت من اميركا تحمل الحلول السحرية لجميع مشاكل العالم الثالث، من البطالة الى الطبقية والفساد الاخلاقي والاداري. وقد نتجرأ ونقول من باب التأويل ان المسلسل يريد ان يقنعنا بان حل مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاخلاقية ايضا، بيد «العمة اميركا».

وحتى وان كان المسلسل اخترع هذه الشخصية المحورية والنموذجية لارضاء سلطة النجمة السينمائية، وفصل دورا يليق بمكانتها ومقاسها، فالطريقة التي ادت بها نبيلة عبيد شخصية «العمة نور» زادت الطين بلة كما يقول الاعراب، بسبب الافتعال الذي طغى عليها وبسبب اسلوب التلقين المباشر الذي اعتمدته في ادارة الحوار مع الممثلين الذي تحول الى سؤال وجواب، بالاضافة الى الجرعة الزائدة من المرح المصطنع وروح الشباب التي حاولت ان تغلف بها هذه الشخصية دون ان تنجح في ذلك . كما ان استعانتها ببعض الكلمات الانجليزية في الحوار اكسبتها شهرة واسعة واصبح الكل يردد: «هاو وواي ووات» خصوصا الاطفال.

وباختصار يمكن القول ان «العمة نور» نبيلة عبيد التي كانت حديث الاسر المغربية خلال رمضان، سقطت تلفزيونيا سقطة مذوية ذكرتنا بسقطة فاتن حمامة في «وجه القمر».

اما بالنسبة للاعمال المصرية الاخرى التي اكتسحت القنوات التلفزيونية مثل «مسألة مبدأ» و«ملك روحي» و«نجمة الجماهير» و«تعالى نحلم بكره» التي كانت بطلاتها ايضا من «الوزن الثقيل» فنالت نصيبا كبيرا من الانتقاد، ليس من طرف النقاد فحسب بل من طرف المشاهد العادي الذي لم تعد تقنعه بتاتا هذه الاعمال «المعلبة» بمشاهدها الممططة وحوارتها المملة وشخصياتها النمطية وبطلاتها اللواتي اصبح همهن الوحيد من خلال المشاركة في هذه المسلسلات هو استعراض الازياء لاثبات رشاقتهن المسترجعة بالقوة. ناهيك عن الفضاءات التي تصور فيها هذه الاعمال والتي تختزل المجتمع المصري في فيلات ومسابح وفنادق مدينة الانتاج الاعلامي التي تدغدغ الخيال وتزيف الواقع الى ابعد الحدود، وتحصره في مشاكل الطبقة الاريستقراطية التي ترمز الى الشر المطلق، والطبقة الفقيرة الحالمة منبع القيم والخير المطلق، ثم المجتمع القروي الصعيدي البدائي الذي يصور بطريقة مهينة للكرامة الانسانية اي مجتمع البلادة والقسوة الذي يحصر اهتماماته في مبدأ الاخذ بالثأر.

وبعيدا عن الاعمال الفنتازية التاريخية التي اختفت من الشاشات هذا العام، تفوقت الدراما السورية بشكل واضح على منافستها المصرية سواء من خلال الاعمال التاريخية مثل «مسلسل «الحجاج» و«ربيع قرطبة» التي تصور محطات من التاريخ العربي «غير المشرق» في فضاءات تحمل بعدا فنيا وجماليا، او من خلال المسلسلات الاجتماعية مثل «ذكريات الزمن القادم» الذي ترك اصداء جيدة جدا وقدم صورة واقعية للمجتمع السوري التي قد تنطبق احداثه على اي مجتمع عربي اخر يعيش تناقضات الحياة المعاصرة من سقوط للقيم وطغيان المصالح المادية وابراز عمق العلاقات الانسانية ايضا. والاهم من ذلك هو اماكن تصوير مثل هذه الاعمال: اي داخل الاحياء الشعبية والبيوت البسيطة وحتى الغنية التي تنبض بالحياة من خلال التفاصيل اليومية الصغيرة اي فضاءات واقعية لا ترسمها جدران الاستوديهات الجامدة.

ولا يمكن تجاهل الدراما الخليجية التي اصبحت تحتل بدورها مكانة هامة على شاشات رمضان وان كانت مازالت شعبيتها محدودة لدى المشاهد المغربي، الا ان اغلب الاعمال الدرامية الخليجية يحسب لها الجرأة الكبيرة في تناول بعض المواضيع، كما استطاعت ان تقرب بين المغاربة والمجتمعات الخليجية التي ظلت مغلقة ومجهولة لدى المشاهد المغربي الذي لا يملك سوى افكار مسبقة عن هذه المجتمعات باعتبارها مجتمعات باذخة لا تعاني من اي مشاكل، وهي صورة تتعارض الى حد كبير مع الواقع كما صورته هذه الاعمال.