مهرجان بيروت للأفلام الوثائقية في دورته الخامسة.. برامج غنية وحضور مضاعف

TT

للسنة الخامسة على التوالي، يحط «مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية» رحاله في مسرح المدينة، مشرعاً الباب واسعاً امام السؤال عن دور الفيلم الوثائقي على الخريطة المحلية، في بلد تشهد فيه هذه الصناعة عثرات شتى. تميزت هذه الدورة بعرض انتاجات تنتمي الى دول مختلفة، مع حصر أفلام الطلاب اللبنانيين ضمن عروض خاصة، نال عدد منها جوائز تقديرية في ختام المهرجان المتابعة اليومية لهذه «التظاهرة»، أثبتت ان ثمة بطاقة حجزها المهرجان على ساحة النشاطات الثقافية في بيروت. ولعل ابرز مؤشر الى هذه الخلاصة، هو نسبة الحضور الكثيفة التي شهدتها بعض العروض والتي تعدّت في بعض الاحيان قدرة المسرح على الاستيعاب.

وساهمت البرمجة التي ركزت على البعد الانساني من خلال التوغل في الواقع الاجتماعي والسياسي في حصد جمهور ينسج مع الصورة الوثائقية علاقة، قد تكون فاتحة باتجاه حلف يعقد بين مشاهد وانتاج سينمائي وثائقي يعتبر العتبة الاولى في سلّم الصناعة السينمائية.

* تجارة السلاح الافتتاح، الذي استهل بفيلم «بولينغ من اجل كولومباني» للأميركي مايكل مور (انتاج 2002)، الحائز جائزة «الاوسكار» كأفضل فيلم وثائقي، بحث عن اسباب العنف المتفشي في الولايات المتحدة وارتفاع نسبة الجريمة فيها.

وحاول مور من خلال اسئلة بسيطة ومحددة اختصار هذه الاسباب عبر استعراض التاريخ السياسي لأميركا واظهار سهولة الحصول على السلاح الفردي وحماية للدستور لهذا الحق.

مور الذي بدا في فيلمه متعطشاً للإجابة عن سؤاله ذهب في اتجاه اجراء مقارنات بين الولايات المتحدة وكندا فهي مجال الجريمة الفردية، مستخلصاً من خلال تفجير نفذه مراهقان في مدرستهما وذهبا ضحيته مع عدد من زملائهما ان الشراكة بين تجار السلاح والسياسيين بشكل عام، والمجتمع القائم على الرعب من خلال محاصرة وسائل الاعلام وسيطرة الاستهلاك على الفرد هي دوافع الى ارتكاب جرائم بنسب مرتفعة تبين احباطاً من واقع مرير يعيش فيه الفرد محاصراً.

وثمة فيلم ايراني هو «شبكة العنكبوت» لمزيار بحراري لاقى استحساناً جماهيرياً.

القصة، التي تدور حول مجرم يستدرج بائعات الهوى في مدينة مشهد الايرانية الى منزله للقضاء عليهن بواسطة سكين، تبين قناعة راسخة لدى هذا المرتكب، الذي حكم عليه بالإعدام شنقاً، جزاء لهذه الافعال وتباهيه بها. وتظهر شهادة هذا الرجل الذي اطلقت عليه الصحافة الايرانية لقب «العنكبوت» ان دافعه لمثل هذه الجرائم هو اتمام تعاليم الدين الاسلامي.

يتضمن الفيلم مقابلات مع المجرم (39 عاماً) وعائلته، فضلاً عن ذوي الضحايا. ويخلص الى تحميل الاجواء «المغلقة» المخيمة على الجمهورية الاسلامية الايرانية تبعية الأمر

* بين الفن والضجيج في «ظلال الأيام الرمادية» للمياء الرومي (انتاج سوري)، توغلت الكاميرا محاولة كشف النقاب عن المستقبل الذي يواجهه المثقفون في سورية.

وأظهر المخرج من خلال مقابلات أجراها مع اصدقاء له، عاملين في ميادين الرسم والموسيقى والنحت احوال المبدع السوري في بلد يبدو فيه الفن نوعاً من «الترف»، ولا يحصد مريدين خارج طبقة الاثرياء الذين يقدمون على شراء اللوحات للتباهي، ورغم ضعف امكانيات الفيلم الا ان اشكاليته تقاطعت مع سؤال يطرح في غالبية المجتمعات العربية . فماذا يمكن ان تنتظر مغنية سوبرانو من محيط يعرّف الاوبرا بـ«الكثير من الضجيج»؟

* «نقطة التقاء» ويعزو مدير المهرجان محمد هاشم «ضآلة عدد الافلام اللبنانية ضمن البرمجة الى المعايير المعتمدة من قبل ادارة المهرجان والتي تتلخص في ضرورة ان يكون الفيلم المشارك «عرض اول» لمحدودية جمهور هذه المهرجانات.

ويقول ان هناك نية في السنة المقبلة لعرض الافلام الوثائقية اللبنانية خلال ليلة واحدة حتى يصبح المهرجان نقطة التقاء بين المخرجين اللبنانيين.

ويشرح ان «تكلفة الفيلم الوثائقي المتدنية مقارنة مع الفيلم الروائي الطويل قد تكون سبباً من الاسباب التي تدفع الى الاهتمام بهذه الصناعة على المستوى المحلي في ظل ضعف الانتاجات الروائية الطويلة من حيث الكم». ويذكر ان «المشكلات التي يواجهها المخرجون الوثائقيون لا تنحصر بالتمويل، بل هناك ضرورة بالقيام بالبحث اللازم للاحاطة بحيثيات موضوع الفيلم ومراعاة القواعد السينمائية التقنية، وهذه الامور لا تراعى من قبل غالبية المخرجين الوثائقيين»، منتقداً «حيل البعض الى التركيز على المواضيع الآنية الرائجة وانجاز افلام في سرعة قياسية، مما يحرمهم من امكانية المنافسة مع افلام اجنبية.

ويقول ان «المهرجان استطاع خلال سنوات خمس ابراز نماذج جديدة على الصعيد السينمائي، والارقام الاولية تبين ان عدد المشاهدين قد تضاعف هذا العام».

العين الثاقبة، المتوغلة في قلب الواقع لعكسه بامانة الباحث، تلك هي الافلام الوثائقية. فهل تنجح هذه الافلام في نسج علاقة مع جمهور يتعدى رواد المهرجانات؟