امبراطوريات الغناء .. والأمة الطربية

عبد الله القبيع

TT

لم يمر العام الماضي على الامة العربية مرور الكرام، وانما مرور المهانة والمذلة.

مر بالجراح والاحزان وسقطت الرجولة في مستنقع الاوحال. ولكننا استعدنا كرامتنا بامبراطورية الغناء التي تنامت وامتدت حدودها من تطوان الى جرش.

نشيدها الوطني الفيديو كليب..

واسلحتها القنوات الغنائية.. والرقص..

ولان الغناء هو فخر صناعتنا العربية تكاثرت محاضن توليد الاصوات مثل مصانع تايوان التي تصدر لنا الملابس الخارجية والداخلية! فما الذي نتوقعه اذاً في العام الجديد؟

لان الغناء اصبح «لسان العرب» وقاموسنا الجديد ولغتنا الجديدة سندخل المعركة المقبلة باسلحتنا التي ستغير وجه العالم بـ«اسلحة الدمار الغنائي» وسنطور القنابل الانشطارية بالاغنية «السريرية» واغنية «الشراشف» كسلاح بيولوجي ايجابي.

منذ آلاف السنين ونحن نقامر ونغامر وندعو الى الوحدة والقومية وكل الوحدات ولكننا سنتكاتف على «سلاح الوحدة ونص».

لن نفتش في كتب التاريخ عن المقامات الحريرية مادمنا نمتلك مقومات نانسي.

وستتحدى فصاحة شعبان عبد الرحيم غنائيات امير الشعراء الحماسية ولن ندخل المعركة بالخطب الملعلعة وببحور الشعر انما بحنجرة راشد الماجد.

لن يغرينا الفنان الحماسي الذي يلهب الايدي بالتصفيق ويصرخ «الارض بتتكلم عربي يا جدعان»، والاغاني المستهلكة عن فلسطين الجريحة.. التي لا تأتي الا في المناسبات وانما سندخل المعركة بسلاح السيقان ومدفعية الارداف.

العام الجديد مقبل على التغيير وطبقا لقرارات «ماما اميركا»، سنعدل مناهج الغناء بمناهج تريح العيون وتنسي المواطن العربي هم «القضية» وتفجر رغباته الكامنة.

سندخل العام الجديد بفياغرا غنائية لكل مواطن مغلوب على امره «شتتته» القومية واهلكته الوحدة واتعبته «القضية» خمسين عاما.

فياغرا على طريقة مطربة «النص نص» تزيل عنه الهم العربي المشترك والحزن العربي المشترك والنضال العربي المشترك.

سيشهد العام الجديد وجوها جديدة تغير خريطة العالم من الحرب الى الحب، فيكفي تباشير العام الجديد التي اطلت مع اعتقال صدام باكتشاف القنبلة الموقوتة مروى التي لا تشرب «الكازوزا» وانما الشاي الكشري بسلاحها المثير.

هناك اكثر من مشروع على الصعيد العاطفي ايضا، فمشروع «الآهات» ستقوده هيفاء وهبي وسينعم العالم بالسلام على ايقاع من يلبس اقصر ويتغنج اكثر.

هناك بعض الحروب الصغيرة ولكنها لن تشغل بال العالم لانها حروب خاصة لاثبات الاغراء خاصة على الساحتين المصرية واللبنانية.

اما بالنسبة للغة التلفزيون فستتراجع الكلمة الشريفة وستحل مكانها الكلمة «المشرشفة».

وافضل ما سيحمله العام الجديد اندثار لغة التصعيد السياسي واختفاء «الخبراء الفضائيين» فليس هناك احتلالات بعد العراق وافغانستان وانما ستحتل المطربات قلوب «الغلابى» الذين ضيعهم الحلم العربي.

اما بالنسبة للحوارات وبرامج الكلام المستهلك فلن يكون هناك رأي ورأي آخر وانما هيمنة رأي غنائي واحد وستنتهي كل الاتجاهات المعاكسة بعد ان استنفد بائعو الكلام مواضيعهم في اثارة الشعوب العربية وعملوا ردحا من الوقت على تهييجها وتسميمها.

لن تجد البرامج الحوارية مواضيع للنقاش بعد ان شربنا من البحر الذي لم نلق اسرائيل فيه. اللغة السياسية اعلنت موتها ولم تعد صالحة للاستهلاك الادمي وربما يتحول غيفارا الحوارات الى مطرب بحثا عن النجومية.

هزائمنا كبرت ولكن اغنياتنا توسعت لذلك سيعين الامين العام للامم المتحدة كل الفنانين والفنانات سفراء وسيأخذ كل عربي حظه من الرفاهية والاستقرار، والامية ستندثر والامهات في مدن الصفيح سيرددن «اخاصمك آهـ» و«الطشت اللي» بعد ان تعبن من ترديد الحروف الابجدية ولغة الضاد الصعبة.

العالم سيتغير فبعد ان كان يشاهد الحروب مباشرة على الهواء سيشاهد تفاصيل حياة البنات في «ستار اكاديمي» و«بيغ براذر» وعلى «الهوا سوا» كيف يفكرن وكيف يتعاركن وكيف يتزوجن وربما لاحقا تفاصيل كيف ينجبن. ستتوسع دائرة الاحلام ويصل حلم المليون دولار الى مخيلة كل عربي ضيع نقوده من اجل القضية والاعمال الخيرية وسيتحقق الحلم لكل مواطن عربي من جبال الاطلس الى وادي جيزان راقصة ومطرب ومذيعة.