مسابقات حلم المليون دولار لعبة خطيرة.. ومكشوفة

جان الكسان

TT

المهم أن تتصل على الارقام التي تظهر على الشاشة.. انك ـ حتما ـ ستربح الملايين.

هذا هو واقع (لعبة الميسر) الجديدة التي تمارس كل يوم على جميع الارضيات والفضائيات العربية، بلا استثناء.. وهي (لعبة).. بجميع المقاييس. ولم يعد خافيا على أحد ان ريعها اصبح احد المصادر الرئيسية التي تدخل ضمن بنود ميزانيات الفضائيات، بل انها تتعدى ريع الاعلانات التي كانت العصب الرئيسي لهذه الميزانيات قبل ان يبتكر اصحاب العبقريات الذين يخططون لعمل الفضائيات لعبة الاتصالات الهاتفية التي تفيد منها ادارات الفضائيات بنسبة تتفق عليها مع جهات عديدة، منها ما يسمى في مصر (مصلحة التلفونات)، خاصة بعد انتشار (الموبايل)، هذا الانتشار الواسع، حيث يحمله حتى الاطفال في المدارس.. فإذا اضفنا الى هذا كله اعتماد الفضائيات على نجوم الفن في اغراء المشاهدين على الاتصال، وصلنا الى جميع ابعاد اللعبة التي اصبحت لعبة (مشروعة) تبز كل انواع الميسر في كازينوهات القمار من (لاس فيغاس) في اميركا، الى الكازينو الرئيسي في جزيرة (رودوس).. الى (كازينو المعاملتين) في لبنان.

* الفنانون.. والتسويق

* ولم يكتف اصحاب هذه اللعبة باستخدام نجوم الفن لتسويق مختلف انواع هذه اللعبة، بل اصبحوا يطلبون الى فنانة شهيرة مثل (يسرا) مثلا، ان تقدم الاعلان وتدعمه بقسم مغلظ تحاول من خلاله ان تزيل الشكوك من نفوس المشاهدين عندما تقول: «والله العظيم مائة ألف دولار» ولا ادري ما الداعي لهذا القسم، ونحن نعلم ان جوائز الملايين هذه بالدولارات او بالريالات تصل في مجموعها ـ نظريا ـ الى المليار، ولا يصل منها الى المشاهدين الا (من الجمل اذنه).

ويمكن ان نذكر عددا من الفنانين ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ الذين اصطادتهم شبكة الاعلانات لتقديم اعلانات عن سلع متعددة وعن برامج منوعة بطريقة الاتصال الهاتفي، امثال: عمر الشريف، اصالة، نوال الزغبي، عبد المجيد عبد الله، دريد لحام، عمرو دياب، هاني شاكر، منى واصف، محمود ياسين، يسرا، انطوان كرباج، باسم ياخور، ايمن رضا، احمد الزين، باسكال مشعلاني، وغيرهم.

* عشرون مسابقة

* في ليلة فضائية واحدة، خاصة في موسم الشهر الكريم رمضان يفاجأ المشاهد بأكثر من عشرين نوعا من هذه المسابقات تعرض على الشاشة بأساليب مغرية ومنوعة، مشفوعة بجملة (اتصل الآن)، لدرجة انه لو حاول ان يلبي جميع هذه النداءات المعلنة، لكان عليه ان ينفق دخله كاملا ـ وربما يستدين فوقه ـ على هذه الاتصالات، حتى لو كان من اصحاب الدخول العالية.

وكلنا يذكر ان برنامجا واحدا مثل (سوبر ستار) تلقى في ليلة واحدة حوالي اربعة ملايين اتصال، والحساب عندكم اذا كان الربح الصافي لكل طرف من اطراف اللعبة المشتركة دولارا واحدا.. هذا كله يتم تحت مؤثر بمختلف انواع الاغراء والترغيب، حيث يجعل طموح الناس للحصول على الثروة، لا يرتبط بالجهد والتعب والاجتهاد والابداع والانتاج، بل الاكتفاء باستخدام الموبايل والاتصال على الارقام الظاهرة على الشاشة والاجابة على سؤال او اثنين يطرحهما (كومبيوتر محايد)، ثم الاسترخاء والجلوس في انتظار تحقيق الاحلام والحصول على ثروة في لحظات، توفر على هذا المشاهد المسترخي الاتكالي هموم السعي في الجد والعمل بالاجتهاد والانتاج وهل هناك اغراء اكثر من ان تعد انسانا بأنه، بمجرد الاتصال على رقم معين، يمكنه الحصول على مليون ريال او مليون دولار او واحدة من مئات سيارات الـ «مرسيدس» الحديثة، الى آخر هذه الجوائز التي يسيل لها لعاب المشاهدين الذين سرعان ما تركبهم الخيبة عندما يجدون ان اكثر هذه الوعود البراقة تبقى وعودا، ولا يظل لهم سوى فواتير هاتفية عالية تقصم الظهر، كما تقصم حتى ميزانية حياتهم اليومية.

* لعبة.. مكشوفة

* ولعلنا لا نذيع سرا ولا نأتي بجديد، سوى التذكير بان هذه اللعبة الكبيرة اصبحت مكشوفة بجميع ابعادها وكتبت عنها الصحافة باسهاب، ومع ذلك ظل اغراء الاعلان عنها، وضعف النفس البشرية امام الاغراءات المادية في مجتمعنا العربي الاستهلاكي الجديد، وتدني مستوى الدخل لدى السواد الاعظم من الشعب الى حوالي مائة دولار للاسرة الواحدة في الشهر، يجعل هؤلاء المشاهدين الذين تشغلهم الشاشة عن هموم الدنيا يتعلقون بأمل الثراء بوساطة هذه المسابقات، كما يتلعق الغريق بالقشة في المحيط الوسيع.

واذا كانت الفضائيات الخاصة التي لا رقيب عليها ولا حسيب تعيش حالة متناقمة من هذه اللعبة املا في تحقيق الارباح الخيالية، فإن الفضائيات الرسمية بدأت تلجأ بدورها الى هذه اللعبة لاغراء المشاهدين على متابعتها، ولتحقق بدورها مثل هذه الارباح (وما حدا احسن من حدا).

واذا كان جورج قرداحي قد حقق في برنامجه (من سيربح المليون)، الكثير من الابهار بسبب الرقم العالي الذي حدده البرنامج بالجائزة، فإن فضائيات اخرى بدأت تزايد على هذا البرنامج وتضاعف الجائزة وهي توحي بأن الحصول عليها لا يحتاج الى جهود فكرية واستعداد ومراجعة مصادر وخرائط كما في برنامج القرداحي، بل ان هذه البرامج اصبحت توحي بان الحصول على مثل هذه الجوائز الكبيرة لا يحتاج الا ان يقدح المشارك زناد افكاره ويحاول تقديم الاجابات الصحيحة التي يطرحها عليه الكومبيوتر، وما عليه ـ فقط ـ الا ان يرفع الهاتف ويتصل.

* قبل ان ينتهي العالم

* ولعل نداء (اتصل الآن) يوحي للمشاهد بأن عليه ان يتصل قبل ان ينتهي العالم وتقوم الساعة.. وكانت الصحافة من قبل تحمل على الفنان النجم اذا قدم اعلانا تجاريا على الشاشة، وكانت تربأ خاصة بالفنان الكبير ان يظهر في مسلسل تاريخي، على انه البطل الذي هزم الاعداء وحقق انتصارا تاريخيا، ثم يظهر بعد ذلك مباشرة في اعلان عن الطناجر او المياه الغازية ام عن حفاظات الاطفال او اجهزة ازالة الشعر الزائد عن سيقان النساء ولكن الفنانين من النجوم العرب، ردوا على هذه الانتقادات بان هناك نجوما من الفنانين الاجانب يقدمون اعلانات التسويق التجاري لمختلف انواع السلع والمنتجات دون ان توجه اليهم الصحافة في بلادهم اي انتقاد. ويتفنن اصحاب هذه اللعبة بمحاولة اغراء المشاهد على الاتصال بأي طريقة، حتى اختيار اغنية لمطرب بين اسماء عدة اغان تظهر عناوينها على الشاشة يعلن عنه مشفوعا باغراء مثير بالجائزة (رحلة لشخصين الى بلد جميل، وهذه الرحلة مدفوعة التكاليف).

بالاضافة الى اساليب اخرى في الترغيب تتعلق بحياة نجوم الفن او الرياضة او المجتمع حتى المسلسلات الرمضانية يعلن عن انتهائها بمسابقات لها علاقة بها قد تصل الى السؤال عن لون الثوب الذي ارتدته احدى بطلات المسلسل في حلقته الثالثة او الرابعة او العاشرة.

هذه اللعبة تتم كل ليلة على الفضائيات والارضيات دون حسيب او رقيب حتى على نتائج المسابقات، اذ ليست هناك اية وسيلة للوقوف على حقيقة ما يحدث خلف الكواليس، وكيف يتم رمي الطعم لاجتذاب عشرات الآلاف من المشاهدين ليقعوا في الشباك ويدفعوا الفواتير الباهظة، بعد ان تلاشت احلامهم في الثراء السريع.