.. وحجاب المغربيات «يحجبهن» عن الشاشة والاستثناء للبرامج الدينية

TT

اذا كان حجاب الفنانات ومذيعات القنوات العربية يشكل حدثا اعلاميا كبيرا تتداوله الصحف، ويصبح حديث الساعة لشهور، واحيانا يتجاوز طابع الخبر المحلي ويتحول الى حدث عالمي تتناقله وكالات الانباء الدولية، كما حدث قبل شهرين مع المذيعة الجزائرية خديجة بن قنة مقدمة نشرات الاخبار على قناة «الجزيرة» القطرية، فحجاب المذيعات المغربيات يتداول على نطاق ضيق جدا ولا يكاد يسمع به احد وتختفي المذيعات المحجبات في هدوء وصمت خلف الشاشة اختياريا او اجباريا ومن دون ضجيج. وان كان تحجب المذيعات لم يصبح بعد ظاهرة، اذا ما قيس بعدد المذيعات اللواتي ارتدين غطاء الرأس في القناتين التلفزيونيتين الاولى والثانية، الا ان هذا لا يمنعنا من اثارة هذا الموضوع لمعرفة وجهة نظر المذيعات، ولماذا يفضلن عن طواعية التراجع الى الوراء باستسلام كبير والعمل بعيدا عن الاضواء، وما هو موقف الادارة الصريح من ظهور مذيعات محجبات على محطات التلفزيون المغربية؟

سمية المغراوي هي اول مذيعة مغربية ترتدي الحجاب عام 1995، وكانت آنذاك تقدم برنامجا اجتماعيا على قناة «دوزيم» قبل ان تنضم الى قسم الاخبار لتتخصص في كتابة التقارير الاخبارية الى الآن، واختفى وجهها من على الشاشة منذ ذالك الوقت. تقول المغراوي لـ«الشرق الأوسط»: «في الفترة التي ارتديت فيها الحجاب، كان ما زال ينظر الى الامر على انه ظاهرة غريبة ارتبطت بنوع من التأويل الديني الثوري والسياسي، لكني مع ذلك قبلت التحدي مع نفسي اولا ثم مع الوسط المهني من جهة ثانية، بحيث شعرت بأن المسؤولين في الادارة بدأوا يتعاملون معي بنوع من الريبة والشك وانهم محرجون مني، فأزحت عنهم هذا الاحراج بأن تخليت عن الظهور على الشاشة حتى لا ادخل في مواجهة مع الادارة، وازيد مصاعب اخرى اضافية الى المصاعب التي كانت تواجهنا يوميا في مجال العمل آنذاك»، واضافت المغراوي انها ترفض فكرة ارتباط المذيعة المحجبة بالبرامج الدينية كما هو شائع، لأن المرأة الصحافية بامكانها ان تنجح في برامج دينية وسياسية واجتماعية ايضا، حسب تخصصها وكفاءتها المهنية. وتساءلت المغراوي لماذا تمنع المحجبة من الظهور على الشاشة، هل هو نوع من العقاب؟

واضافت ان حرج الادارة كان واضحا ايضا من خلال تفادي اختيارها للقيام بتغطيات صحافية خارج المغرب، وطالبت المغراوي المنظمات النسائية باثارة موضوع «تقزيم» و«تهميش» دور المرأة المحجبة في ميادين العمل المختلفة في المغرب. وبالأخص ميدان الاعلام المرئي، وقالت ان ظاهرة الحجاب ستنتشر بشكل واسع مستقبلا في الوسط الاعلامي وخارجه، ولا بد من ايجاد حلول تلغي هذا الاقصاء. المذيعة اكرام بناني الرطل بدأت عملها على القناة المغربية الاولى من خلال تقديم برنامج موجه للنساء بعنوان «مرايا» ثم تحولت الى تقديم البرامج الدينية لأنها تلائمها اكثر كما قالت، وكان طبيعيا ان ترتدي غطاء الرأس اثناء تقديم البرنامج الديني قبل ان تقرر ارتداءه بصفة نهائية. تقول بناني: «القنوات العربية بصفة عامة ما زالت تتعامل مع حجاب المذيعات بـ«حساسية» لأن المذيعة الناجحة برأيهم هي المذيعة التي تظهر بأحلى حلة سواء بالنسبة للملابس او الماكياج، في حين المذيعة برأيها، أنه كلما كانت طبيعية وتلقائية تدخل بسهولة لقلوب المشاهدين، لأن وضع غطاء الرأس يعكس تصالحا وانسجاما مع الذات ينعكس على وجه المذيعة».

وجوابا على سؤال ان كانت الادارة طلبت منها عدم الظهور بالحجاب الا من خلال البرامج الدينية ردت انه احتمال وارد، بيد انه سبق لها ان شاركت في تقديم برنامج «صباح سعيد» المباشر وهي ترتدي الحجاب لكن ذلك كان خلال شهر رمضان فقط، وبعد انتهاء شهر رمضان انسحبت من البرنامج تلقائيا.

وتحدثت بناني عن محاولة للالتحاق بقناة «الجزيرة» قبل عامين باءت بالفشل، قد تكون بسبب الحجاب كما قالت، بحيث انها تقدمت بمشروع برنامج موجه للنساء شبيه ببرنامج «للنساء فقط» الذي يبث حاليا، ونجحت في اختبار الصوت والالقاء، الا انها لم تتوصل إلى اي رد بعد ذلك، وفسرت ذلك بأن القناة كانت غير مستعدة لقبول مذيعة محجبة وهو ما اكدته لها خديجة بن قنة التي التقتها هناك، حيث اكدت لها هذه الاخيرة بأنها طلبت من المسؤولين في القناة ظهورها بالحجاب ولم يوافقوا، مؤكدة اعجابها بظهور بنقنة محجبة وهي تقدم نشرات الاخبار اخيرا، بعد حصولها على موافقة من طرف الادارة العامة الجديدة، وقالت بناني: «اذا كانت «الجزيرة» ترفض من قبل، ظهور مذيعة محجبة فهي تناقض شعارها: «الرأي والرأي الآخر» الذي يروج للاعلام الحر والمستقل».

ومن بين المذيعات اللواتي تحجبن اخيرا، بعد شهر رمضان الماضي، مقدمة البرامج ونشرات الاخبار سابقا قمر ايت بنمالك التي التحقت للعمل بالقناة الاولى منذ 1987، وبدورها فضلت ان تنسحب بهدوء من دون اثارة اي ضجيج، ولم تعد تظهر على الشاشة، وقالت لـ«الشرق الأوسط» انها تقدمت بمشروع انجاز برنامج وثائقي لا يتطلب ظهورها، مؤكدة انها لم تتلق اي رد فعل واضح من الادارة، كما انها تفادت ان تدخل في مواجهة مع الاخرين، واكدت ان ظهورها على الشاشة لم يعد يعني لها اي شيء: «سواء ظهرت ام لم اظهر لا فرق عندي ولست حريصة على ذلك ولن يضيف ظهوري اي شيء» واشارت الى انها قضت ثلاث سنوات وهي في صراع مع النفس الى ان توصلت الى القرار الصحيح وهو ارتداء الحجاب بحيث «لم يعد يهمني بعد ذلك اي شيء حتى وان طردت من العمل» واضافت ان زميلة لها في قسم الاخبار هي حنان ارسلان مقدمة نشرات الاخبار سابقا ارتدت الحجاب قبل سنوات، وتنازلت بدورها عن الظهور. وعلقت بنمالك على ظهور خديجة بن قنة محجبة على قناة «الجزيرة» بأنه تحد كبير وخطوة جريئة وايجابية، خصوصا في هذه الظروف التي يحارب فيها الحجاب، الا انها تعاتب بنقنة على مبالغتها في وضع الماكياج وتنصحها بالتخفيف من ماكياجها حتى لا تقع في تناقض مع الزي الاسلامي الذي ترتديه والذي يمثل الوقار، وتؤكد انها ستبدو اجمل.! اذا كانت المذيعات المحجبات لا يردن الدخول في صراع مع ادارة التلفزيون المغربي لفرض ظهورهن بالحجاب، فلأن موقف المسؤولين واضح جدا حول هذا الموضوع، وهو ان المذيـعة المحـجبة دورها يقتـصر على تـقديم البرامج الدينية فقط، ولا يحبذ ظهورها في نشرات الاخبار ولا في اي برامج اخرى وهذا ما اكده العلمي الخلوقي رئيس قسم البرمجة بالفضائية المغربية لـ«الشرق الأوسط» حيث تحدث بصراحة وقال: «انا ضد ظهور مذيعة محجبة وهي تقدم نشرة اخبار، انه موقف مبدئي ولا اؤيد فكرة ان الموضوع يدخل في اطار الحرية الشخصية والا قد نفاجا بمن يقدم نشرة اخبار مرتديا «تي شيرت»! واضاف: «هذه قناة عمومية تلتزم بتوجه سياسي عام، فهل منا يردن منا ان نتحول الى قناة «منار» اخرى؟». واشار الى انه عندما تحجبت المذيعة سمية المغراوي منعت من الظهور على القناة الثانية «دوزيم»، ونفس الامر بالنسبة للمذيعة حنان ارسلان مقدمة نشرات الاخبار على القناة الاولى سابقا. واضاف ان الحجاب ظاهرة غزت المجتمع المغربي وتأثرت ايضا ببعض الدعاة الشباب مثل الأستاذ عمرو خالد الذي نعته بلقب غير لائق!