«سهر الليالي».. أنموذج جيد لنجاح النص السينمائي

أفلام من نوع «سهر الليالي» ستؤثرعلى صناعة السينما وفكر منتجيها مما ينعكس إيجابيا على مستوى العلاقة بين الفرد والسينما في العالم العربي

TT

غالبا ما يعبر المتابعون بالسينما العربية عن السينما المصرية والعكس باعتبارات متعددة أهمها شهرة هذه السينما بنجومها وأفلامها على امتداد الوطن العربي وكثافة إنتاجها وكونها سينما ذاتية لا تلقى أي دعم خارجي باستثناءات قليلة ولتاريخها الطويل الذي يمتد حتى عشرينيات القرن الماضي. وهذا ما يجعل كل محب ومتابع للسينما المصرية يشعر بشيء من العتب والاسف ايضا حيال غيابها عن تحقيق نجاح عالمي او انجاز مشهود على مستوى المهرجانات والاحتفالات السينمائية العالمية رغم توفر امكانية هذا الامر.

وبالرغم من الغياب، وتأخر مثل هذا النجاح المنتظر، إلا أنه في السنوات الأخيرة تجاوزت السينما المصرية على الأقل مشكلة النص (سيناريو ومعالجة) وهي ما تشكل أهم خطوات القفز على تقليدية الطرح والوصول الى مستوى فني أكثر تأثيرا يعطي املا في تحقيق مثل هذا الانجاز العالمي، وكان آخر هذه التجارب فلم «سهر الليالي» الذي طرحته الشركة الموزعة في السوق السعودي أخيرا بمشاهد محذوفة قد تؤثر على تركيبة القصة وسبر الشخصيات.

في عام 1998 قدم الراحل رضوان الكاشف كتابة واخراجا ما يمكن اعتباره تحفة السينما المصرية في التسعينات من خلال رؤية فلسفية حية في فلم «عرق البلح» الذي لم يكن يحتاج سوى لشيء من الدعم الجاد ليحقق حينها انجازا غير مسبوق يصل ربما للترشيح النهائي في اوسكار أفضل فلم اجنبي، وتكريما في محافل سينمائية اخرى، فهو فلم متفرد بطرحه ورمزيته وأجوائه الخاصة سيلفت حتما انتباه نقاد السينما العالمية.

وبعدها بثلاث سنوات قدم المخرج مجدي أحمد علي فيلما شفافا يطرح معالجة صادقة وعطوفة وبتميز اخراجي من خلال فلم «أسرار البنات»، وبينهما كان المخرج داوود عبد السيد قد قدم فلمين متميزين على مستوى النص هما «ارض الخوف» و «مواطن ومخبر وحرامي»، فيما قدم شريف عرفة حينها نصا متماسكا وجميلا في فلم «اضحك الصورة تطلع حلوة» والمخرج سمير سيف نصا رائعا من كتابة وحيد حامد في آخر أفلامه «معالي الوزير».

الا أن الاحتفاء الكبير أخيرا كان من نصيب مخرج شاب هو هاني خليفة وصديقه الكاتب تامر حبيب في تجربتهما السينمائية الأولى في فلم «سهر الليالي» الذي حقق معادلة النقاد والجمهور بنجاح كبير: ايرادات كبيرة في شباك التذاكر تجاوزت أحد عشر مليون جنيه، ورضى جماهيري واسع، واحتفاء نقدي في عدد من الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت، وانجازات كبيرة تمثلت بجائزة أحسن فيلم في مهرجان السينما المصرية وغالبية جوائز مهرجان الفيلم المصري، والأهم هو وصوله للمرحلة ما قبل الاخيرة في ترشيحات اوسكار أفضل فيلم أجنبي.

الفيلم يتحدث بطريقة شائقة عن اربعة شبان تربطهم صداقة قديمة (فتحي عبد الوهاب، خالد ابو النجا، أحمد حلمي، شريف منير)، وتجمعهم احداث شخصية متتالية في منعطف مهم يحدد مستوى علاقتهم مع زوجاتهم. إنهم ما بين زوج خائن تكتشفه زوجة صادقة ووفية (منى زكي)، وزوج بسيط وتقليدي محب يفاجأ برغبة زوجته (جيهان فاضل) في الانفصال بسبب عدم شعورها بالاشباع العاطفي والجنسي، وآخر يعيش أزمة احساسه بكرامته مقابل محبته لزوجته (حنان ترك) التي تفوقه على المستوى المادي والاجتماعي، وتفكر كثيرا في علاقة حب سابقة وفاشلة، واخيرا شاب طموح يرفض تحمل مسؤولية الزواج ويخشى مشاكل الارتباط أمام أصرار صديقته (علا غانم) التي تبحث عن أمان عبر الزواج في صورة غير تقليدية العرض، كما في السينما المصرية. فالفيلم يعرض العلاقة بشكل محايد وواقعي كما هي واقعيته في عرض باقي العلاقات الأخرى.

يقول مخرج الفيلم هاني خليفة في احد لقاءاته «إنني أحاول أن أتعرض إلى أشياء لا يتحدث عنها الناس عادة. وأنا لا أحاول أن أصدم الناس، غير أننا نحتاج لمناقشة هذه المسائل».

ورغم ان الفيلم يقدم في الأخير نهاية تقليدية وسعيدة، وانعطافات مشاعر كبيرة غير مقنعة، الا ان براعة النص والاخراج جاءت من خلال تماسك الخيط الدارمي للقصة، والقدرة على تسيير خيوط القصص الأربع وبناء شخصياتها ورسم انفعالاتها، وترتيب أحداثها، والتنقل بينها بطريقة انيقة ومحفزة لمشاعر المشاهد ومحافظ على مستوى انسجامه مع هذه الأحداث. ويحسب ايضا للنص قدرته على التناول البسيط والجريء ايضا، مترافقاً مع العمق في كشف مثل هذه العلاقات التي تعتبر غالبا منطقة شائكة ومثيرة (الجنس، والعلاقات غير الشرعية، والخيانة، والمشاكل الزوجية) في حوارات جميلة وتناول ممتع وكوميدي بين شخصيات الفيلم التي أجادت بدورها وساهمت في نجاح الفيلم. ولا يمكن ايضا تجاهل احدى الشخصيات التي رسمها النص بنمطية جديدة وواقعية وهي الزوجة المحجبة (منى زكي) التي تقدم صورة لشريحة كبيرة من نساء المجتمع خلافا لنمطية سابقة كان يتم فيها تجاهل هذه الشريحة أو رسمها بصورة احادية فقط. والحال ذاته في شخصية (علا غانم) حينما خرج بها عن مجرد شخصية لشابة عابثة او امرأة عاهرة الى فتاة طموح تفكر بعقلانية من اجل تحديد مستقبلها. وهذا ما يفصح عن فكر المخرج نفسه وطريقته حينما يصرح أنه «ليس لديه هدف سوى ان يكون واقعيا».

وعلى الرغم من ان النص يواجه صعوبة تناول هذه القضايا وبناء الشخصيات والتوازن بمتابعة الاحداث في مدة مفترضة لا تتجاوز ثلاثة ايام، الا ان الكاتب والمخرج استطاعا وبقدرة مبدعة ان يقدما عملا ناجحا يمكننا اعتباره انموذجا لنجاح النص السينمائي في السينما العربية، وهذا ما يعطي املا أن تؤثر مثل هذه الافلام على صناعة السينما وفكر منتجيها مما ينعكس ايجابيا على مستوى العلاقة بين الفرد والسينما في العالم العربي.