نزاع حول «الفن»

حسام الحلوة

TT

في البدء سأستعرض ثلاث حالات وردت وتتكرر في لقاءات صحافية وتلفزيونية عربية: نجدت أنزور يهاجم مسلسل «أم كلثوم» ويسخر من إخراجه «البدائي والباهت». مصطفى العقاد يهاجم يوسف شاهين ويتهمه بأنه إن لم يكن يشوه صورة العرب عند الغرب، فإنه لا يخدمها إطلاقاً وخاصة من خلال تناوله لصلاح الدين في «الناصر صلاح الدين» و الأندلس في «المصير». يوسف شاهين، بدوره، يستنكر نجاح فيلم «أيام السادات وتحقيقة» لأرباح أكبر من فيلمه «سكوت حنصور»، وعندما سأله المذيع «هل شاهدت الفيلم؟» قال: لا فأنا لا أحب السادات. أنا ناصري. فسأله المذيع ببراءة وتلقائية «إذن شاهدت فيلم ناصر 56» فأجاب بلا أيضاً! من الطبيعي أن تختلف الرؤى عند الفنانين، ولكن الذي ورد أعلاه ليس اختلافاً في الرؤية، بل انغلاق وتقوقع واحتكار للفن. فأنزور الذي عرف بأسلوبه البصري المبهرج يقف ضد الأسلوب الكلاسيكي حتى في مسلسل يتناول قصة أم كلثوم! هل كان يتوقع من مخرجته إنعام محمد علي أن تستخدم الكاميرا الطائرة التي استخدمها مؤخرا في «آخر الفرسان»؟ إن حصر الأسلوب البصري في طابع واحد يدل على عدم إدراك العلاقة بين الشكل والمضمون في العمل الفني وهذا أمر خطير جداً إذا انطبق على الاسم الأبرز في الدراما التلفزيونية العربية.

أما العقاد فيرفض (في موقفه أعلاه) أن يعترف بالفروق الفردية والسمات الذاتية التي تسهم بشكل أساسي في تشكل العمل الفني للفنان وتجعله مميزاً ومختلفاً عن أعمال غيره من الفنانين. فهو يتوقع من أي فنان يتناول قصة صلاح الدين، مثلاً، أن يتناولها بنفس الطريقة التي يريد هو (أي العقاد) أن يتناولها بها. يوسف شاهين عندما اختار شخصية ابن رشد كموضوع له أراد أن يصنع فيلماً حول حرية الفكر والتعبير وأن ينتقد الرقابة، فعلى أي أساس ينتظر العقاد من الفيلم أن يكون عن «أمجاد الأندلس»؟ إن الذاتية في الفن، وكون العمل الفني وسيلة تعبير شخصية من المميزات الأساسية التي تميز الفن عن غيره، فإذا غابت هذه الحقيقة عن فهم عملاق مثل مصطفى العقاد للفن فهذه مصيبة! أما شاهين فنسخة متطرفة من أنزور والعقاد. فهو لا يهاجم طريقة عمل غيره، بل لا يشاهد أعمال غيره أصلاً. فاحتكار الفن لنفسه وصل لدرجة أنه لا يكترث لأي فيلم لا يحمل توقيعه ويستنكر إذا تفوق عليه في أي مستوى من المستويات.

إن حديث هؤلاء «العمالقة «عنما يكشف عن خلل ونقص في فهم الفن والتعامل معه فإنه يدل على عدم اكتمال إدراكنا للسينما (والدراما عموماً) كفن من الفنون. ولكن، بما أن النماذج التي استعرضتها أغلبها هرمة، فأملنا كبير في الجيل الجديد من الفنانين أن يكونوا أكثر وعياً ورقياً في التعامل مع الفن الذي يحسبون عليه وأن يدركوا ويحترموا معطيات المفردات السامية التي يتعاملون معها مثل «فن» و«فنان».