مسابقة ملكة جمال لبنان افتعال للحدث على حساب تلفزيون الواقع

TT

ربما لامس البعض الجرح في ما كتبه عن ملكات الجمال اللواتي تحولن الى ضيفات بالقوة على العائلات العربية من المحيط الى الخليج. ولكن حتى يعرف الحائرون دموع نادين وفلسفة الين ودلال لاميتا وتهكم نسرين وحساسية كارين وشفافية شيرين، يجب ان يتابعوا بدقة البث المتواصل والمباشر لشؤون وشجون24 «MISS LEBANON» على 24 ساعة يومياً، عبر قناة خصصتها لهذا الحدث المؤسسة اللبنانية للارسال LBC، ناهيك عن بث يومي طوال ساعة قبل نشرة الاخبار على القناتين الارضية والفضائية. ولا ننسى حلقة «البرايم» مساء كل جمعة مع الضيوف النجوم والاستعراضات المبهرة.

ولكن ما لا نفهمه هو هذا الاسلوب المستوحى من العولمة المتوحشة والغرائزية البدائية للبقاء على «قيد البرنامج» المتحكمة في علاقات الجميلات المتنافسات على لقب ملكة جمال لبنان، حيث الاستمرار للاقدر على تصنع الكمال قالباً ومضموناً، حتى لو استوجب الامر العمل وفق مقولة «الغاية تبرر الوسيلة» للوصول الى بيت القصيد بعد «تزحيط» بقية رفيقات الدرب، واحدة تلو الاخرى، وفق ادبيات «النميمة» على الهواء، التي تنتج ثلاث تسميات اسبوعية تطيح باثنتين وتنقذ واحدة بفضل تصويت الجمهور بعد تقديم التفسير الموضوعي لاسباب التسمية وبحيادية لا لبس فيها.

وهكذا اصبحت LBC رائدة في مباريات الجمال، وصاحبة مدرسة، او بتعبير ادق اكاديمية، تارة للجمال وطوراً للغناء والاستعراض.

ولكن ما صح سابقاً فد يفشل حالياً، فالمفروض ان ملكة الجمال التي تفوز وتمثل بلادها في مباريات ومحافل دولية، وسط منافسة لها اصولها وشروطها ومقاييس عالمية معينة للمشاركات بها، لا يتم اختيارها عبر التصويت، من الجمهور العريض، لان المواصفات الجمالية المتعلقة بالطول والوزن والشكل وعرض الاكتاف والارداف ومحيط الصدر، وما الى ذلك، ليست موضوعاً استنسابياً بمطلق الاحوال، وليست انتخابات تتحكم بها الحزبية الجماهيرية بشكل عشوائي غير مدروس. وبالتأكيد لا لزوم لهذه المساحة العريضة من البث ليعرف القاصي والداني كيف تأكل كل مشاركة ومتى تدخل الحمام ومع من تحب تبادل الاحاديث وهل تنام على جهة اليمين او جهة اليسار؟ وما الى ذلك من معطيات يحسب من يصطاده البرنامج انها ستغير وجه التاريخ، لذا لا بد من التركيز عليها.

لكنها ثقافة الفراغ التي فرضت وجود «اكاديمية الجمال» بعد تغيير ديكورها اثر انتهاء مهمتها كمصنع لنجوم «ستار اكاديمي» وتغيير وظيفتها لتصبح مكاناً محفوفاً بالمخاطر جراء «المنافسة الاخوية» بين المتباريات اللواتي يعشن تحت سقف واحد، ويخضعن للتمارين والدروس المكثفة في العربية والانجليزية وتحسين المظهر واللياقة والمشي وحسن السلوك والتصرف وتنسيق الالوان والتدرب على الوسائل القتالية للدفاع عن النفس. وبعد كل هذه النشاطات تحرص المتباريات على الجو العائلي، فيأكلن سوية ويرقدن جنباً الى جنب ويتبادلن اطراف احاديث من «عيون الكلام» عن مفاهيم الحياة والشهرة والزهد بالماديات والتعلق بالمثل العليا.

ولم لا؟ فالسيرة الذاتية لكل منهن خير مصدر لهذه المثل، اذ نجد ان الحسناوات الست عشرة يعشقن الطبيعة والموسيقى ويهوين المطالعة وركوب الخيل والرسم وممارسة الرياضة على انواعها والطبخ ورقص الباليه وما الى ذلك من هوايات راقية تليق بمن ستحمل لقباً يزيد من رصيدها.

ولأن الطموح هو السمة المشتركة بين المتنافسات، تركن على مضض قضايا الوطن الملحة وقضايا الشرق الاوسط الأكثر الحاحاً وقبلن بالاعتقال الطوعي لفترة ستة اسابيع، كافية لدخولهن عالم النجومية من دون اي انجاز يذكر على اي صعيد للتميز، اللهم باستثناء ان المشرفين على البرنامج من المحطة قبلوا بمشاركتهن، مع ان الانطباع السائد لدى رؤيتهن، يبقى انهن افضل الموجودات، ولسن الافضل بالتأكيد. والصور المعممة لهن رغم محاولات الكومبيوتر لتصفيتها من الشوائب لا تتطابق ووصفهن بأنهن «جميلات مثل قلب النهار». وعلى عكس ذلك، يبدو الامر مثيراً للقلق، فغالبية الفتيات لسن فقط بعيدات عن المواصفات المألوفة في مباريات الجمال العالمية، وانما عن مواصفات الجمال اللبناني، كما عهدناها، مما يدل على ان المستوى الجمالي ينخفض سنة بعد سنة، على رغم ما يشاع عن عمليات تجميل طالت انوف معظمهن وكذلك الصدر والارداف لبعض اللواتي ينشدن الافضل.

ربما من هنا تبدو الدروس المكثفة طوال الاسابيع الستة عاجزة عن تحقيق المعجزات او تحويل ست الحسن اياً كانت الى ارسطو او انشتاين زمانها تملك مفاتيح الاستيلاء على قلوب الجماهير ولجنة الحكام، وقد لا يبرر الخضوع الاعمى للماشطة ومنسقة الالوان ومصممي الازياء تغير طبيعة المشاركات ليصبحن على امتداد يومياتهن اكثر شبهاً ببعضهن، وكأنهن نسخ مكررة من مصنع دمى واحد مع بعض الاختلاف المطلوب لاضفاء اللمسة الخاصة بـ «السوبر جميلات».

ربما الاجتهاد فاق حده في السياسة الاستقطابية لـLBC ، وربما هي حمى التنافس بين المحطات، لأن الاستقطاب في هذا المقام ايضاً هو غاية تبرر الوسيلة. لكن ما يحصل اوقعنا في التكرار او الابتذال غير المبرر من خلال ذرف ساعات البث على مشاهد مملة واخرى تندرج في خانة الاثارة عبر اللفظ والتحرك، كما نلاحظ مع تكرار مرور المشاركات بالمايوه كل اسبوع. والمعروف ان هذا المرور مبرر في المرة الاولى. ربما وفق سلوكيات مثل هذه المباريات، وان كان يصب في خانة استغلال الجسد الانثوي، لكن الامر تحول الى صيغة وبشكل مبتذل لا تخدم القضايا الجمالية، بل هو استهلاك تجاري، اذ ما اهمية ان نحفظ ادق التفاصيل والتغييرات التي تطرأ على قوام الحسناوات المكسورة قوالبهن. وعلى ما يبدو دخل تلفزيون الواقع على شاشة LBC من خلال MISS LEBANON ومرحلة افتعال الحدث، بكل التجهيزات والمعدات اللازمة لفرض هذا الحدث علينا وعلى يومياتنا التلفزيونية.

وتبقى المفارقة في «الزعبرة» على الطريقة اللبنانية. فالملاحظ ان تلفزيون الواقع عندنا يتعرض ايضاً الى تصفية الصورة بحيث لا تظهر «الملكات المفترضات» على الهواء مباشرة، كما هي قواعد اللعبة، والسبب على ما يبدو يعود الى حرص المشرفين على البرنامج ودقتهم لاظهار ما يريدون وما يخدم افتعال الحدث الجمالي، بمعزل عن المصداقية المهنية.