السينما فن رؤية الحياة

فهد الاسطاء

TT

«ان المهمة التي أحاول انجازها هي أن أجعلكم ترون».

هكذا قال ذات يوم أحد رواد الفن السابع المخرج السينمائي الأميركي الشهير ديفيد غريفيث.

ليس من المجازفة الجزم بأن السينما لم تعد فنا سابعا فحسب بل هي آخر الفنون وأكملها. وربما يصح ان نعتبرها مرحلة النضج البشري في تفوقه الفني ولم يعد من السهل تخيل فنا جديدا آخر يتجاوز هذا المنجز الباهر.

انها اقصى ما يمكن ان يكون عليه امتزاج السمع والبصر في استشعار القيمة الفنية وأفضل ما وصل اليه الانسان في قنوات التواصل البشري اذا ما أخذنا بمعنى الفن عند الروائي الروسي تولستوي الذي يجعل الفن «ضربا من النشاط البشري الذي يتمثل في قيام الانسان بتوصيل عواطفه الى الآخرين بطريقة شعورية ارادية ـ وبراعة خاصة في اثارة الانفعالات لدى الآخرين».

وحينما ننظر في بعض الآراء المتباينة التي حاولت تعريف الفن ما بين «القدرة على توليد الجمال» كما عند الكتاب المحدثين وأنه «أنقى نماذج التجربة الجمالية» أو أنه «مجرد استجابة للحاجة الى متعة الخيال ولذة الحواس» و«نشاط حر يجعل للمتعة الفنية صفة النزاهة الخالصة التي لا تشوبها أغراض النفع والمصلحة» أو أنه «خلق لعالم خيالي وظيفته الأولى أن يجيء مخالفا بوجه ما لهذا العالم الذي نعيشه» وأنه «الطبيعة من وجهة نظر الفنان» أو «الانسان مضافا اليه الطبيعة» أو أنه «التعبير عما يثير الفنان في العالم الخارجي» وغيرها من تعاريف كثيرة جدا حاولت تفسير معنى الفن فاننا سنجد في النهاية أن السينما هي أقرب الفنون لتحقيق مثل هذه المعاني وأكثرها قدرة على دفع الانسان لإدراك ماهية الفن.

وكون السينما تعبر عن فكرة ورؤى من خلال مخرج العمل وصناع السينما بشكل عام فأني اعتقد ان التعاطي مع الفيلم السينمائي يجب ان يأتي في كثير من الأحيان كموقف تجاه عمل فني بحت بعيدا عن البحث عن مغزى هنا أو فكرة هناك حتى مع الاعتقاد بوجودها.

ان السؤال الدائم الذي ألحظه عن أفلام «مفيدة» او «أفلام ترتكز على أبعاد وفكرة» والنقاش الدائر كثيرا حول «فوائد السينما» يعطي انطباعا بتكرس النظرة «النفعية» في التعامل مع الفيلم السينمائي على حساب القيمة الفنية ومعايشتها بكل تجلياتها.

حينما أشاهد فيلما عظيما مثل «أماديوس» عن الموسيقار الشهير موزارت فاني سأفضل أن اعيش ذلك التألق الفني من خلال موسيقى الفيلم والاخراج المبهر لميلوش فورمان والأداء الأسطوري لموراي ابراهام أفضل من أن أنظر إلى الفيلم كمصدر للتعرف على شخصية موزارت. والتعايش مع عظمة الصنعة السينمائية في ثلاثية «سيد الخواتم» هو أقرب إلى استشعار قيمة الفن من البحث عن مغزى هذه الرواية التي ابتدعتها مخيلة جي آر تولكين.

وإذا كنا نعرف جميعا ان السينما هي فكر وصنعة، رسالة وإبداع، فإن التعامل معها على أساس «الصنعة والإبداع» هو تعايش فني راق يحقق برأي الجانب المهم من وظيفة الفن ودوره.