السينما الإنجليزية من بريطانيا إلى كندا إلى أستراليا تخسر أمام الاستقطاب الأميركي

حازم الجريان

TT

قبل أربع سنوات ابتهجت صحف التابلويد البريطانية «بالإنتصار البريطاني» في حفل الأوسكار لعام 1999 عندما فاز المخرج البريطاني الشاب سام مينديز بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه «الجمال الأميركي»، بالإضافة إلى فوز الممثل البريطاني مايكل كين بجائزة أفضل ممثل مساعد، وحصول كيفن ماكدونالد على أوسكار أفضل فيلم وثائقي طويل، إلى جانب ترشيح الممثلين جود لو وسامانتا مورتون في أدوار مساعدة وترشيح جانيت ماكيتر كممثلة رئيسية. لكن عند نظرة سريعة على كل هذه الأفلام سنكتشف أن هذا الانتصار البريطاني ليس وطنيا بقدر ما كان فرديا في الحقيقة، فـ «الجمال الأميركي» كان فيلما أميركيا خالصا، وجميع الممثلين أعلاه فازوا أو رشحوا عن أفلام ذات إنتاج وموضوع أميركي. حتى فيلم كيفن ماكدونالد الوثائقي ليس فيلما بريطانيا لا في إنتاجه ولا موضوعه الذي يتناول أحداث أولمبياد ميونخ 1972. لقد كان إنتصارا زائفا يشير مرة أخرى إلى أن ما يسميه البعض سينما بريطانية هو فقط «ممثلون بريطانيون»، وحتى نكون أكثر شمولا فلنقل «مواهب بريطانية». وحين نفحص المواهب البريطانية هذه سنجد لها أثرا كبيرا في صياغة الفيلم الأميركي وصناعة السينما الأميركية عموما، ابتداء بشارلي شابلن وألفريد هيتشكوك وحتى سام مينديز ذي الأصول المسرحية الذي فكك الأسرة الأميركية أولا في «الجمال الأميركي» مع كيفن سبيسي ثم استعرض أميركا الجريمة في الثلاثينات في «الطريق إلى الهلاك» مع توم هانكس. وتناول المواضيع الأميركية الخالصة أصبح عادة لدى أكثر من مخرج بريطاني، جون سكليزنغر يساهم في تشكيل الفيلم الأميركي الحديث بفيلمه «كاوبوي منتصف الليل» مع جون فويت ودستن هوفمان عام 1969، ثم جون بورمان عام 1972 يدخل بفيلمه «نجاة» إلى أعماق المناطق الأميركية المعزولة ليقدم عالما قاسيا فاجأ بعض الأميركيين قبل غيرهم. هذه الهجرة البريطانية هي نتيجة طبيعية في دولة ناطقة بالانجليزية نجد مثلها في كندا التي أمدت السينما الأميركية بأسماء كبيرة مثل نورمان جيوسن وجيمس كاميرون وديفيد كرونينبيرغ، بالإضافة إلى مواهب تمثيلية شهيرة معظمها كوميدية مثل جيم كاري ومايك مايرز، ورغم أن البعض يرجع أسباب غياب السينما الكندية لأسباب اخرى منها الكثافة السكانية المنخفضة (32 مليون نسمة) التي لا تستطيع أن تدعم الأفلام المحلية تجاريا خاصة في ظل إنتاج أميركي غزير حول كندا إلى امتداد طبيعي في مجال التوزيع للأراض الأميركية، إلا أن الملاحظ أن السينما الكندية الناطقة بالفرنسية تبدو أكثر حضورا رغم أن الناطقين بالفرنسية كلغة أولى في كندا لا يتجاوزون 20 بالمائة من السكان، وهنا نتذكر فوز الفيلم الكندي «الغزوات البربرية» بأوسكار العام الماضي في حين لم تستطع الأفلام الكندية الناطقة بالإنجليزية أن تفوز بجائزة رئيسية واحدة في تاريخها رغم أن الطريق مفتوح لها في أكثر من فرع، وفي مهرجان كان الماضي شاركت ستة أفلام كندية في أقسام المهرجان خمسة منها فرنسية اللغة. الحقيقة أن السينما الكندية لا تنقصها المواهب ولا حتى الإمكانات التقنية حيث اكتسب الكنديون التقنيون خبرة كبيرة وطويلة في العمل على أفلام كبيرة اعتادت الاستديوهات الأميركية الكبيرة أن تقوم بتصويرها في مدن كندية مثل تورونتو أو فانكوفر، لكن المشكلة حين تستأثر سينما هوليوود ليس بالمواهب المحلية فقط بل وحتى بالجمهور المحلي. في أستراليا مثلا، غمرت صالات العرض منذ 1940 وحتى مشارف السبيعنات بالإنتاج الأميركي الذي خنق الإنتاج الأسترالي الكامل تماما، وحتى حين عادت الحياة للفيلم الإسترالي بعد دعم حكومي جعلها محط اهتمام في منتصف السبيعنات، فإن بعضا من أهم الرواد الأستراليين تركوا أستراليا ليتجهوا للعمل في هوليوود، بيتر وير الذي قدم غموضا غرائبيا عن اختفاء عدة طالبات أستراليات في مطلع القرن العشرين في «نزهة في هانغن روك» ثم قدم إثارة وتشويقا عن سكان أستراليا الأصليين في «الموجة الأخيرة»، يترك مواضيع أسترالية محلية كهذه لصالح أفلام أميركية من نوع «شاهد» و«سيد وقائد: الجانب الأبعد في العالم». وبحلول منتصف الثمانينات كانت عدة أسماء أسترالية شهيرة ساعدت في إحياء الفيلم الأسترالي قد انتقلت للولايات المتحدة الأميركية لتصنع أفلامها نذكر منها بروس بيريسفور الذي تناول العلاقة بين امرأة أميركية جنوبية وسائقها الأسود خلال أكثر من 25 سنة في «القيادة بالسيدة ديزي»، بالإضافة إلى ممثلين شهيرين أمثال: رسل كرو، نيكول كيدمان وميل غيبسون. لقد عانت سينما الدول الناطقة بالانجليزية من استقطاب أميركي حاد في المواهب والجمهور جعل الإنتاج المحلي عاجزا عن الاستمرار، ورغم أن هذا الاستقطاب ليس غائبا عن السينما الفرنسية مثلا أو الإيطالية أو حتى الإسبانية، إلا أن اللغة المشتركة أصبحت كما يبدو لعنة أصابت البريطانيين وشركائهم في حين أتاحت للفرنسيين والإيطاليين النجاة ولو نسبيا من براثن الماكينة الهوليوودية وإنتاجها المتضخم.