من «سي ان ان » إلى «ان بي اس» و «سي بي اس» مرورا بـ«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»

القضايا العربية في الإعلام الأميركي بين الانحياز و«الرؤية الخاصة»

TT

يسود الالتباس والاعجاب والبغض واللوم على علاقة العرب بالإعلام الاميركي. فالإعجاب بضخامة المؤسسات الاعلامية الاميركية سواء المرئية او المكتوبة لا يلغي اللوم الذي يلقي به العرب على هذه المؤسسات لاسيما الانحياز الاسرائيلي الذي يشتكون منه. واذا كانت عيوننا تتسمر على الشاشات الاميركية خلال «الاحداث الكبرى» لمعرفة كل جديد فكثيرون منا يتساءلون حول سير العمل في هذه المؤسسات ورأيها ازاء ما يجري في العالم العربي. «الشرق الأوسط» تسنى لها ان تتطلع عن كثب على سير العمل في كبرى المؤسسات الاعلامية ووجهة نظر الاعلام الاميركي سواء المرئي او المكتوب ازاء القضايا العربية التي تحتل حيزاً كبيراً من مساحاته واهتماماته على حد سواء. اول ما يلفت الداخل الى كبرى المؤسسات الاعلامية المرئية كـ CNN في واشنطن و NBC و MSNBC في نيويورك عمل هذه المحطات على ابراز اعلامييها او بالاحرى تأكيد نجوميتهم. اذ يتصدر مدخل مبنى «بوسترز» لأبرز نجومها مثل بولا زان ووولس بلترز وهلا غوراني. في CNN كان اللقاء مع مات سبيسر مسؤول التغطية الاخبارية الذي اكد عدم انحياز المحطة لأي جهة لاسيما في تغطيتها الاحداث الفلسطينية ـ الاسرائيلية وانه ما من تأثير لكون غالبية المساهمين في المحطة من اليهود وانه ما من علاقة للمساهمين في تحديد سياسة المحطة وهم لا يتدخلون بتاتاً في الشؤون المهنية.

وان وجود مساهم عربي بارز كالامير الوليد بن طلال لا علاقة له بتحديد سياسة المحطة. واذا كان يعرف عن الاميركيين اهتمامهم البالغ ببلدهم اذ متابعاتهم للأخبار لا تتخطى حدود ولاياتهم الواحدة والخمسين فأحداث العراق وتأثيرها على الشارع الاميركي العام فرضت عليهم متابعة لما يجري خارج حدود بلادهم. فمراراً ما تعثر وانت تقلّب ما بين القنوات الاميركية على برامج تحاور اطفال الجنود في العراق لترى مدى تأثير غياب الاب عن البيت عليهم. كما تم اجراء لقاءات مع زوجهات الجنود وسؤالهن عما اذا كان ازواجهن يعودون لبيوتهم اكثر عنفاً. مآخذنا كعرب على CNN كثيرة فماذا يقولون هم حول عملهم وسياستهم. مدير التغطية الاخبارية مات سبيسر استهل لقاءه معنا قائلاً: «لا ننطق بإسم الادارة الرسمية ولا ندعمها، وبالتالي لا نعارضها. نعكس رأي الشارع وما يدور ميدانياً».

ويرى سبيسر ان محطة CNN معتدلة وتقدم كل الآراء ولا تقوم بتغييب اي طرف، ومنCNN الى مركز تلفزيون CBS في نيويورك المحطة التي تشتهر بأنجح البرامج كـ «60 MINUTES » في CBS، لم تخف السيدة مارسي ماك جينيس نائبة الرئيس للتغطية الاخبارية انهم يعملون تحت ضغط فعلّقت قائلة: «نعمل بين حين وآخر تحت ضغوط ما»، وتتابع قائلة: «بالمقابل نقسو على ضيوفنا عندما يتوجب الامر». يذكر ان هذه المحطة حققت اخيراً عدداً ملفتاً من السباقات الصحافية كاستضافة مستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس قبل مثولها امام لجنة التحقيق بأحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول). كما تسنى للمحطة محاورة صحافي الـ «واشنطن بوست» بوب وودرد قبيل اطلاقه كتابه «خطة الهجوم»، الذي يروي ما دار وراء الكواليس حول الطريقة التي اتخذ بها الرئيس بوش قرار شن الحرب على العراق.

«مخطط اعتداء»، الذي تحدث فيه عن خطة الحرب على العراق، ويذكر ان هذا الكتاب اثار ضجة ملفتة في الولايات المتحدة وأثر سلباً على شعبية الرئيس بوش، وترى ماك جينيس ان جميع وسائل الاعلام سواء العربية او الاجنبية نجحت في نقل ما جرى خلال الحرب على العراق وان المنافسة كانت محتدمة في ما بين جميع المحطات. ما يلفتك في محطة NBC الواقعة في مركز روكفلر في نيويورك، الواجهة الزجاجية الواقعة عند مدخل المحطة وقد خصصت لمعدات المراسلين الذين لقوا حتفهم خلال قيامهم بعملهم. اذ تفترش الرمال ارضها وتتوزع عليها كاميرات وسترات المراسلين. وعلى الحائط المقابل لها وضعت صور واسماء المراسلين والسنوات والبلاد التي لقوا حتفهم فيها. في NBC كان اللقاء مع بوب وندرم المنتج المنفذ، الذي علق قائلاً: «من الصعب ان نبقى محايدين... لدينا مشاعر ونتأثر وكل يغطي القصة حسب رؤيته، لاسيما بعد تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، اذ هناك من فقد صديقاً او جاراً. من ناحية اخرى فالانتركس ضرب غرفة الاخبار المجاورة لهذه الغرفة». وفي احدى ردهات المؤسسة كان اللقاء خاطفاً مع الاعلامي الشهير توم بروكوو الذي كان قد انتهى للتو من تقديم نشرة الاخبار. والملفت الاهتمام الذي ابداه للصحافيون العرب. ومن NBC الى محطة MSNBC الواقعة خارج منتهاتن في مقاطعة نيو جرسي، يتصدر مدخل المحطة صور نجومها لاسيما ان هذه المحطة تستقطب جمهوراً يقارب الاربع والعشرين مليون متفرج. في MSNBC كان اللقاء مع المحرر التنفيذي ريك كبلن الذي عمل لفترة مراسلاً للمحطة من الاراضي الفلسطينية. خلال الحديث شدد كبلن على ضرورة تعمق الصحافي الاميركي بالخبر قبل نقله، واضاف قائلاً «ان احداث افغانستان وحرب العراق اجبرت الصحافي الاميركي على التعمق في شؤون المنطقة العربية».

واعرب مؤكداً: «هدفنا ان نوضح للعالم اننا لسنا ضد العالم العربي والمسلمين مطلقا انما ضد كل من ينادي بالعنف ازاء الولايات المتحدة». ولم يوفر كبلان الادارة الاميركية من النقد انما علق قائلاً ان هذه الادارة ارتكبت الكثير من الاخطاء.

موفق حرب المدير التنفيذي لم يتمكن من اللقاء بمجموعة الصحافيين العرب لارتباطه بموعد خارج المحطة، مع ان الموعد للقاء به حدد قبل شهر تقريباً فحل مكانه مدير النشرات الاخبارية بيار غانم، الذي سبق وعمل في الـ MBCمن لندن. عند دخولنا قاعة الاجتماعات ومبادراتنا التعريف بانفسنا بادرنا غانم قائلاً: «تأكدوا من انني لا اقوم بحفظ اساميكم». اللقاء بغانم لم يتعدى الخمس عشرة دقيقة ولم يعكف خلاله على الترديد»I HAVE TO RUN ..I HAVE TO RUN «عليّ ان اسرع...» مع ان الموعد حدد قبل فترة طويلة واللقاءات مع باقي المؤسسات الاعلامية تخطت الساعة. ومع ان جميع الصحافيين من العرب الا ان غانم آثر الحديث بالانجليزية.

ومن المؤسسات الاعلامية نحو الصحافة المكتوبة حيث تسنى لنا زيارة صحيفة «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» وصحيفة محلية في نيويورك يقع مقرها في نيو جرسي هي STAR LEDGER ما يلفت في مكاتب هذه الصحف شبه خلوها من المحررين، فالعدد الاكبر اصبح للمراسلين وليس للمحررين ومكانهم مواقع الحدث وليس قاعة التحرير. تستحوذ «نيويورك تايمز» على اكبر شبكة من المراسلين، اذ هناك حوالي 200 مراسل. وتقول سوزان شيرا المسؤولة عن تحرير الاخبار الدولية ان الشرق الاوسط اصبح ابرز اهتمامات الصحيفة بعد تداعيات سبتمبر واثر حربي افغانستان والعراق استهلت حديثها قائلة: «اليوم هناك حوالي خمسة مراسلين موجودون بشكل دائم في العراق ونعمل على تأمين دعم كبير لهم ومن نواح عدة كمدهم بالمترجمين والسيارات لتأمين تنقلاتهم. فضلاً عن ذلك لدينا مراسلون في كل من القاهرة والقدس واسطنبول». وحول طريقة التحرير تقول شيرا انه ليس بإمكان المحررين نسب خبر الى مصدر دون ذكر اسمه، الا بحال علم الادارة من هو. وتؤكد شيرا انه غالباً ما لا يتم الاعتماد كثيراً على الاسماء غير المعلنة. وبالمقابل لا يتم اعتماد مصدر اسمه غير معلن الا اذا كان يعرّض صاحبه للخطر. وتتابع شيرا قائلة ان كل مؤسسة صحافية في الولايات المتحدة تحاول الفصل ما بين الاخبار والرأي، فلذلك ما من تدخل بتاتاً من قبل كتاب الرأي في عمل التحرير والعكس صحيح. وتضيف: «ابتعادنا عن اقحام الرأي في الخبر جعل عملنا اكثر مصداقية ونزاهة. كما اننا نحاول ان لا نأخذ موقفاً. وهذا امر صعب». وعن اهمية الحوار بين الغرب والشرق تقول: "مراراً ما يقصدنا اميركيون اسلاميون وممثلون عن جمعيات اسلامية ويطلبون النقاش معنا ويشتكون من ان فهمهم مساء. ونحن نحاول ان نكتب عن ردود فعل العالم اجمع ونسعى للبقاء محايدين".

وتتابع: اصعب موضوع نتطرق اليه هو ما يتعلق بالقضية الفلسطينية - الاسرائيلية لانه حساس جداً وهامش الاجتهاد فيه كبير. كما انه يلزم المراسلين الكثير من الوقت للبحث والتعمق في جميع جوانب هذه القضية، لاسيما الاجتماعية والانسانية، يهمنا ان تحمل تقاريرنا مسحة انسانية لذلك نسعى الى "انسنة التقارير". وعلق احد المسؤولين في الصحيفة ان يوماً بعد يوم يتزايد شك اليهود بأن صحيفة "نيويورك تايمز" ضدهم وضد ديانتهم ومصالحهم في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. اما صحيفة "واشنطن بوست" التي اصبحت صفحتها الاولى دولية - شرق اوسطية اذ تتصدر عناوينها الاخبار من العراق وصولا الى فلسطين. في "واشنطن بوست" الوضع مختلف عن "نيويورك تايمز" وفيها (واشنطن بوست) كان اللقاء مع اندي مسهر مدير التحرير لشؤون الاوسط الذي قال: "ان اهتمامات الاميركيين تنحصر بشؤونهم الداخلية وبما ان اليوم اصبح الشأن العراقي بمثابة شأن داخلي نتيجة العلاقة الوطيدة ما بين المجريات في العراق والادارة الاميركية فلذلك اصبحنا نعطيه مساحة كبيرة لاسيما في ما يخص الجانب المتعلق بالولايات المتحدة". "ستار ليدجر" صحيفة نيويوركية مقرها مقاطعة نيوجرسي. اهتماماتها محض محلية اذ عناوين صفحتها الاولى جميعها اميركية وحتى تكاد لا تتعدى نيويورك وبكثافة صفحاتها (حوالي 60 صفحة) تشكل دليلاً لمختلف الاغراض لأهالي نيويورك ونيوجرسي. ما يلفت في هذه الصحيفة فخر ادارة التحرير برئيس البلاد، اذ تنتشر على الجدران "بوستيرات" للصفحة الاولى من عد جريدة الاثنين 15 ديسمبر حاملة صورة صدام حسين عندما تم القاء القبض عليه. وبعد الدردشة مع عدد من المسؤولين دعينا الى غرفة الاجتماعات حيث اطفأت الانوار وعرضوا لنا ـ من خلال التسليط على الحائط ـ حوالي 15 صورة من اقسى اللقطات خلال انهيار برجي مركز التجارة العالمي، واتى العرض مرفقاً بمؤثرات صوتية. ما تستنتجه بعد ذلك انه كم يعرف الاميركيون التسويق لآلامهم واستجداء العواطف، لاسيما من خلال تسخير الاعلام لدغدغة المشاعر. يذكر ان يوم زيارتنا لصحيفة «ستار ليدجر» تزامن مع وجود ابناء فريق العمل في المؤسسة، وهم اطفال لا تتعدى أعمارهم العشر سنوات وقد خصص لهم هذا اليوم ليجلسوا وراء مكاتب ذويهم ويطلعوا على سير العمل... لصنع نجوم الغد!.