الصحافة العربية هل تجاهلت قضية الهوية في تناولها للحرب على العراق؟

TT

كان للاحداث التي مرت بها منطقة الشرق الاوسط في العقد الماضي تأثير سلبي على الهوية العربية زادت حدته بعد الغزو الانجلو اميركي للعراق، وقد سعت دراسة اعلامية للدكتور خيرت معوض مدرس العلاقات العامة بكلية الاعلام جامعة القاهرة لدراسة هذه القضية تحت عنوان «الهوية العربية كمتغير في معالجة الصحافة العربية للغزو الانجلو اميركي للعراق». وقد تبنت الدراسة مدخلين اساسيين كإطار فكري هما مدخل بناء المعنى والمدخل العقلاني واستخدام المدخل الاول للتعرف على المعاني والمضامين التي قدمتها الصحافة العربية لماهية الهوية العربية وما هي مرتكزاتها والى أي مدى اختلف مفهوم الهوية العربية باختلاف توجهات النظم الوطنية واستخدام المدخل العقلاني للتعرف على طبيعة الهوية التي ركزت عليها الصحافة العربية في معالجتها للغزو الانجلو اميركي للعراق وما اذا كانت الهوية القطرية هي الاكثر بروزا مقارنة بالهوية العربية والى أي مدى تم ربط هذه الهوية بالمصالح القطرية.

وقد اعتمدت الدراسة على تحليل المضمون كميا وكيفيا للتعرف على سمات مضمون الصحافة العربية فيما يتعلق بقضية الهوية العربية وللخروج بمؤشرات لمدى ارتباط تلك السمات بالاعتبارات السياسية والاقليمية والدولية وامتدت فترة البحث من 10 مارس (اذار) 2003 الى 20 ابريل (نيسان) 2003 حيث راعت الدراسة ان تسبق الغزو بعشرة ايام وتتبعها بنفس المدة وقد ركزت الدراسة على سبع صحف تمثل مصر وسورية والاردن والسعودية وقطر والامارات وعمان.

وقد كشفت نتائج الدراسة ان الصحف العربية تجاهلت بدرجة كبيرة قضية الهوية بشكل عام في تناولها للحرب على العراق حيث تجاوزت نسبة هذا التجاهل 42% وهذا يعني ان 124 مقالا من اصل 294 من افتتاحيات الصحف العربية موضع التحليل لم تشر الى ربط تلك الحرب بقضية الهوية.

وفيما يتعلق بالمعالجة التي تناولت قضية الهوية وهي 58% أي 170 مقالا نجد ان الصحف ركزت على الهوية العربية كهوية اولى 38.1% مقارنة بالهوية الوطنية 19.7% والهوية الاسلامية التي لم تظهر كهوية اولى وانما كهوية ثانية 4.4%..

وتوضح النتائج بوجه عام ان الصحف العربية عندما تناولت موضوع الهوية في معالجتها لغزو العراق كانت مدركة للتهديدات التي يمثلها الغزو للامة العربية وهويتها لذلك يلاحظ ان الهوية العربية كمتغير تمثل ضعف النسبة المرتبطة بالهوية الوطنية، وقد يشير غياب البعد الاسلامي أو ضعفه على أقل تقدير الى تأثير الصحافة العربية بالدعاوى الغربية بالربط بين الاسلام والارهاب وان غزو العراق هو جزء من الحملة على الارهاب الدولي.

وفي تناولها لقضية الهوية العربية وضحت النتائج ان الصحافة العربية ركزت على مجموعة من المعاني التي تظهر التهديد الذي يمثله الغزو الانجلو اميركي للعراق لهذه الهوية فهذا الغزو يمثل تهديدا للامن القومي العربي وللامة العربية وضرورة العمل العربي المشترك والحفاظ على وحدة العراق ايضا اهتمت الصحف العربية بالرأي العام العربي ومشاعر الجماهير العربية التي خرجت الى الشوارع ونددت بالغزو واكدت رفض العدوان على العراق.

واشارت النتائج الى ان الصحافة العربية في معالجتها للهوية العربية والهوية الوطنية عكست توجهات النظم الوطنية كما ان معالجة قضية الهوية العربية في تناول الصحف العربية للغزو تطور مع تطورات احداث الحرب على العراق ومع ظهور المطامح الاستعمارية للقوات الغازية وما يمثله من تهديد للامة العربية.

وكشفت النتائج ان 28.2% من افتتاحيات الصحف رأت الحرب تهديدا للهوية العربية باعتبارها حربا على العالم العربي وتدخلا في الشؤون العربية وتنفيذا لمخطط صهيوني وهذه نسبة ضعيفة للغاية وفيما يتعلق بأسباب الحرب يلاحظ ان الصحف ارجعت الحرب لاسباب تتعلق بالهوية العربية بنسبة 32.7% مثل غياب العمل العربي المشترك وتأمين مصالح اسرائيل والعجز العربي والرغبة في الهيمنة على النفط اما نتائج الحرب المرتبطة بالهوية العربية (سلبيا) فتمثل 34% مثل تفتيت الامة العربية واخضاع العالم العربي للهيمنة وتقسيم العراق واطلاق يدي اسرائيل في المنطقة.

وفي ضوء نتائج الدراسة حسب مدخل بناء المعنى فقد اوضحت النتائج ان الصحف العربية لم تركز على الهوية العربية بالشكل الكافي اثناء معالجتها لهذا الغزو فكانت رواية العلاقة بين الغزو وما يمثله للهوية العربية من تهديد غير محددة وكان للتوجهات الوطنية تأثير مباشر على مضمون افتتاحيات الصحف ورؤيتها لغزو العراق فافتتاحيات الصحف الصادرة في دول ذات توجه قومي ركزت على الهوية العربية ومعانيها بنسبة اكثر من افتتاحيات الصحف التي تصدر من دول عربية محافظة.

وفيما يتعلق بالمدخل العقلاني الذي يربط هوية الدولة أو الامة بالمصالح التي تحقق منها تشير النتائج الى ان افتتاحيات بعض الصحف التي تم تحليلها اعتمدت هذا المدخل في التأكيد على الهويات والمصالح والثوابت الوطنية على حساب الهوية العربية باعتبار ان التأكيد على الهوية العربية ومضامينها يعني ضمنيا الوقوف بجانب العراق ومعارضة الاستراتيجية الاميركية وما قد يمثله ذلك من نتائج قد تبدو سلبية على مصالح بعض الدول لذلك ركزت افتتاحيات الصحف التي اعتمدت هذا المدخل على ضرورة العقلانية في معالجة الازمة في اطار الامم المتحدة والشرعية الدولية، واشارت الى صعوبة مواجهة الولايات المتحدة وطالبت الجمهور العربي بعدم الحماسة والاندفاع وذهبت بعض الافتتاحيات الى ترحيب الشعب العراقي بالقوات الغازية وشددت على ضرورة اهتمام هذه القوات بحفظ الامن في العراق.