الفيلم الوثائقي: قيمة مجهولة!

فهد الاسطاء

TT

في العام الماضي قامت إحدى أشهر القنوات العربية بعرض الفيلم الوثائقي للمخرج الشهير مايكل مور «بولنج من أجل كولمباين» الذي كان يدين من خلاله النظام الأميركي المؤدي ـ كما يرى مور ـ الى انتشار السلاح في المجتمع الأميركي وانتشار جرائم القتل تبعا لذلك.

وتفيد الاخبار ان احدى قنوات التشفير الموجهة للوطن العربي تعتزم عرض فيلم مايكل مور الأخير الحاصل على سعفة كان الذهبية «فهرنهايت 11/9» والذي يقدم فيه ايضا مايكل مور ادانة اخرى للسياسة الأميركية وعلاقة رموزها بتجارة النفط والاسلحة وكونها السبب الرئيسي في افتعال الحرب تحت مسميات موهمة للشعب الأميركي الذي يدفع ضرائب هذه السياسة البراغماتية.

ومع أننا ندرك السبب في اهتمام القنوات الفضائية بالجوانب المثيرة للمشاهد وحرصها على مواكبة الأحداث الحاضرة فإنه لا يمكننا في نفس الوقت التغاضي عن أن كثيرا من اهتماماتها بمثل هذه النوعية ليس ناتجا عن موقف فني وتتبع موضوعي، كما تحب ان تعلن القنوات ذاتها في سياستها الاعلامية. فالحقيقة أن مايكل مور ليس اكتشافا عربيا وليس جديدا على متابعي السينما التسجيلية والأفلام الوثائقية ولا ندري ما هو حجم الاهتمام الذي سيحظى به مايكل مور لو كانت موضوعات افلامه ذات منحى آخر.

وهو من قبل كان قد عرف من خلال أحد أفضل أفلامه «روجر آند مي» والذي عرف المشاهد بهذا المخرج الكبير، واعتبر حينها فتحا جديدا في عالم الفيلم الوثائقي بسبب الاسلوب الخاص وطريقة العرض الذي تميز بها مايكل مور والفيلم يحكي قصة المأساة والمصاعب التي تواجه أهالي إحدى القرى بعد ان قامت مصانع سيارات «جنرال موتورز» بإغلاق المصنع الذي يعمل فيه رجال تلك القرية وكان على مايكل ان يلاحق روجر مدير هذا المصنع في عرض ذكي وساخر أصبح فيما بعد سمة عامة في أفلام مور.

وفي كل أفلامه سنجد أن مايكل مور يقدمها بدافع وطني اصلاحي مستندا على ديمقراطية بلده وحرية التعبير فيه وهو أيضا يشكل جزءا من عملية التصحيح السريع والاشارة الصريحة إلى المشاكل التي تواجهها تلك البلاد.

وفي كل عام من خلال عدد من المهرجانات وأشهرها الأوسكار يتم تكريم أفضل الأفلام الوثائقية في السنة التي تتعدد موضوعاتها وتختلف اتجاهاتها من دون ان تفقد القيمة الفنية والرسالية فيها، وما أفلام مايكل مور إلا جزءا بسيطا من هذا الانتاج الكبير.

وحينما نشعر بالامتنان للقنوات العربية بعرض فيلمي مايكل مور ليطلع عليها المشاهد العربي فإنه من المؤسف حقا أن نختزل علاقة المشاهد العربي بهذا الانتاج الهام من خلال غطاء سياسي ومبدأ ايديولوجي لا يكرس لدى المشاهد العربي طبيعة التذوق الفني والمتابعة الموضوعية، وإنما على العكس من ذلك فهي تقدم له هذا الفن بطريقة تقلل من الهدف الأساسي الذي وضعه مخرج العمل في الوقت الذي نعيش فيه عاجزين عن تبني افلامنا التسجيلية والوثائقية الخاصة التي تنطلق من واقع مشكلات الوطن العربي سوى اجتهادات فردية نادرة او أفلام أشبه بتقارير أخبارية. وتفتقد الحس الفني للفيلم التسجيلي ولا تهتم سوى بالجانب المثير في الأمر. على أن الفيلم التسجيلي الوثائقي يبدو أكثر وضوحا من الفيلم الروائي في تحديد المشكلة او اقتراح الحل والمساهمة في عملية الاصلاح، وبالتالي فهو يجب أن يكون محل احتفاء واهتمام كبيرين ليلغي هذا التوجس أو اللامبالاة من تبني هذه الصناعة الفنية المهمة. واذا كانت السينما التسجيلية تعيش فقرا مدقعا في العالم العربي ولم يخرج حتى الآن ذلك الفيلم العربي التسجيلي الذي يسجل حضورا عالميا وهو أمر متفهم في ظل الاخفاق العام للسينما العربية، فإن السينما التسجيلية والأفلام الوثائقية في الغرب سجلت تفوقا مدهشا وحضورا بارزا ومتنوعا للغاية وصل حتى الى الحديث عن ضرر الأطعمة السريعة «فاست فود» كما في الفيلم الوثائقي «سوبر سايز مي» الذي لاقى استحسانا نقديا وجماهيريا، ويذكر ان مطاعم ماكدونالدز قامت بإلغاء وجبة السوبر سايز بعد عرض الفلم.

وبقدر اهتمام القنوات العربية بالفيلم الغربي وتتبعها لأشهر الأفلام وأفلام النجوم والجوائز فإنه ليس من سبب منطقي يبرر تجاهل هذا الكم الكبير من الأفلام الوثائقية الناجحة كل عام، كما أنه من المفترض ان تكون علاقة القنوات العربية مع هذه الأفلام الوثائقية أقرب الى الاختيار الفني وإثراء المشاهد العربي وأبعد عن الانتقاء الذي يعيد هذا المشاهد دائما الى الاهتمام السياسي والتمحور حول قضية واحدة فقط.