إيلي ناكوزي لـ«الشرق الأوسط»: أنا رجل معارك مهزوم وتجربتي مع «العربية» أكسبني المزيد من الاحتراف

الإعلامي اللبناني يؤكد أنه رأى عراقا غير الذي نشاهده في بعض التلفزيونات العربية ويعترف أنه أبلغ بالاعتقال بعد لقائه العماد ميشال عون

TT

لا يسعى الاعلامي اللبناني ايلي ناكوزي الى الدخول في بازار المنافسة الاستهلاكية للمهنة ولا يتوقف عند الاشاعات التي تغرق الوسط الاعلامي، ولا يسلّع قدراته، يتركها تقوده الى الحدث وينصاع اليها، قاطعاً الصلة بما سبقها، معتبراً ان المرحلة الماضية صندوق خبرة، وذكريات مكدسة. وهو لا يؤمن بصحافي حيادي، يراه اشبه بكنبة او قطعة ديكور. من هنا لا يراوغ او يفاوض في قناعاته، ولا يخجل بأسلوبه «المعارض» للصفقات وانتقاص السيادة والقضايا الوطنية المعلبة. فهذا الاسلوب لا يتناقض مع موضوعية مطلوبة للنجاح. يتداخل السياسي والانسان في تسبيح الاعلامي لديه، وهذا الاخير له الغلبة، بالتأكيد ربما على حساب الحياة الخاصة والعائلة، الغائب عنها معظم الوقت، والتي يجب ان يوفر لها امانها، حتى يرتاح باله، فيتوغل مع مهنته الى قلب الخطر، سواء في المناطق الساخنة او المواقف الساخنة.

بدأ مسيرته المهنية في اذاعة «صوت لبنان» كان يقدم برنامج «برلمان الشباب»، انتقل بالبرنامج الى محطة ICN التلفزيونية التي لم تعمر طويلاً وكتب في صحيفتي «العمل» و«السفير». ثم انتقل الى المؤسسة اللبنانية للارسال في فقرة سياسية خلال الفترة الصباحية «نهاركم سعيد» لحوالي السنة والنصف واخيراً استقر في محطة MTV حتى اقفالها مع برنامج حواري ساخن هو «سجل موقف». وها هو اليوم في «العربية» يقدم برامج مرتبطة بالاحداث، ويعلن رضاه عن المرحلة الحالية من حياته المهنية، باشراف اساتذة كبار، منهم عبد الرحمن الراشد الذي يشكل مدرسة يطيب له ان يتتلمذ فيها حالياً ليكسب المزيد من الاحتراف في المهنة.

لكن ناكوزي الذي يحمل الكثير من المرارة. يقول انه رجل معارك مهزوم لأن ما يؤمن به على صعيد وطنه لم يتحقق حتى الآن، مبدياً تفاؤله بأن التغيير في لبنان آت، والمرحلة المقبلة ستحمل المزيد من الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» حاورت ايلي ناكوزي الذي حط رحاله في بيروت بعد رحلة عراقية استمرت اكثر من سنة لاعداد برنامج عن الانتخابات الرئاسية اللبنانية، التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وستعرض حلقاته على شاشة العربية تحت عنوان «من يحكم لبنان 2004 - 2010». ويستضيف في كل حلقة احد السياسيين المرشحين لهذا المنصب او احد اصحاب الحظوظ، المتداولة اسماؤهم والمحتمل دخولهم نادي رئاسة الجمهورية.

ومع اعترافه بان صيغته تهم اللبنانيين اكثر مما تهم العرب، الا ان ناكوزي اعتبر «البرنامج مرافقاً لحدث كبير يفترض متابعته في اطار التوجه الاعلامي لـ «العربية». ومن البديهي ان يتولاه اعلامي لبناني يعرف دهاليز السياسة اللبنانية وكلمات السر فيها ومفاتيح الملفات المطروحة وابعاد عبارة مثل «تجديد او تمديد» كما يعرف وجع الناس وهمومهم، ليتمكن من «استنطاق» كل مرشح وسؤاله عن برنامجه ويقول: «الناس لا تبالي بشخص الرئيس العتيد، ولا تهتم بالتجديد والتمديد الا من حيث ما يؤثر عليها وعلى معيشتها وكرامتها. لذا لا يهم من سيأتي وانما ماذا يمثل او ماذا يحمل».

ويطيب لناكوزي ان يخرج من اطار الاعلامي ليدخل في السياسة من خلال تجربته فيؤكد «ان اللبناني ليس مولعاً بالاغتراب والهجرة، وليس مدمن مطارات ووداع ودموع وحقائب، لكنه مجبر للبحث عن عمل كريم في مكان ما»، ليستدرك بحسرة «ما في بلد، لذا يسافر اللبناني، وتحديداً الاعلامي الذي يحاول ان يقول لا».

* وكيف نقارن بين العمل في تلفزيون لبناني وآخر عربي؟

ـ تماماً كالانطلاق من شارع جانبي في ضاحية هادئة الى وسط المدينة، النطاق اوسع، والاهتمامات تتجاوز خلافات رئيس الجمهورية اميل لحود ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري، وما يتردد عن اخبار صفقات صغيرة، لنكتشف اننا كلبنانيين غارقون في اهتمامات سخيفة، فيما العالم حولنا يتغير والتحولات في المنطقة لها اهمية لا مجال لمقارنتها مع الامور التي تشغل بال الوسائل الاعلامية المحلية، فيما تعاني دول محيطة من ازمات كبرى.

* ولكن الا تعتقد ان في لبنان مساحة للحرية الاعلامية؟

ـ الحرية الاعلامية تعود الى شخصية مالك المحطة وسياسته واجندة مصالحه، ومعظم محطاتنا ناطقة بأسماء القيادات التي تملكها مما يخلق مناخاً مشوهاً، وعندما نسمع خبراً على محطة معينة نعرف خلفيته ومن يفيد ولمن يتوجه، كما نعرف من اين تستمد كل محطة حمايتها السياسية، وهذا الامر لا يوفر مناخاً صحياً، لأن الاعلامي يشعر انه يعمل مع حزب او تيار وليس في محطة تلفزيونية او في صحيفة او اذاعة.

* ومع هذا نلاحظ ان الاعلامي اللبناني مطلوب في المحطات العربية. كيف تفسر هذا التناقض بين مستوى الاعلامي اللبناني والوسائل الاعلامية في لبنان؟

ـ الاعلامي اللبناني محترف ويجيد مهنته، لكن مجموعة عوامل لبنانية تجعله اسير جو فرض نفسه، ينعدم فيه الامان، ومن لا يعرف كيف يتعامل مع هذا الجو قد يتورط بمآزق عدة، وقد يركبون له تهمة، ولم ننس ان تهمة التعامل مع اسرائيل كانت حاضرة، وبسهولة تلصق بهذا الصحافي او ذاك او بهذا السياسي او ذلك. والامر كفيل بالقضاء على من تلصق به هذه التهمة.

*هل تعرضت الى مضايقات او تهديدات خلال تقديمك برنامج «سجل موقف» على MTV؟

ـ لم اتعرض الى اي تهديد مباشر. كنت اعرف اي سلطة اواجه، لذا لم اطلب منها شيئاً، وكنت اعرف ان اعمالي تعرقل، لكن لم يتصل بي اي كان ليهددني او يمنعني من انجاز موضوع ما. رغم الاشاعات التي كانت تتردد وبعض الرسائل غير المباشرة التي كانت تصلني بالتواتر. واذكر ان مقابلتي مع العماد ميشال عون وكانت الاولى له على محطة لبنانية، اثارت الكثير من ردات الفعل، ابلغت اني سأعتقل فور عودتي من باريس حيث اجريت المقابلة. وطلب الي ان اعتذر، لكني لم اعتذر وقلت لمن ابلغني باحتمال توقيفي في المطار انا عائد وليوقفوني. لكن الامر لم يحصل، لم الغ الحلقة ولم يتوقف برنامجي ولا مرة. حتى خلال تغطية احداث 7 اغسطس (آب) عندما تعرض المتظاهرون امام قصر العدل في بيروت الى الاعتداء، سمعت بعض الرسائل وتوقف الامر عند هذا الحد.

*هل يعني ذلك ان كل العلاقات تحميك وتستند اليها؟

ـ لا، بالتأكيد لا. فانا لا اعرف ايا من قادة الاجهزة الأمنية في لبنان واشهد اني لم اتلق اتصالاً من اي مسؤول أمني، حتى ان علاقة صداقة تربطني بوزير الداخلية الياس المر، ولم تتأثر هذه الصداقة بالفترة التي شهدت ذروة هجومي على السلطة.

* لكنك اوقفت على يد الأمن العام بعد اقفال محطة MTV كيف تسترجع تلك الفترة؟

ـ محطة MTV التي يملكها غبريال المر خاضت اعلام انتخابات المتن لدعمه كمرشح للمعارضة، وجمعت استديوهاتها اركان المعارضة اللبنانية الذين توحدوا. وعندما فاز غبريال المر بالنيابة واعترفت السلطة بفوزه، تابعنا عملنا الاعلامي في نفس التوجه. لكن ما حصل بعد ذلك لا اوافق عليه، فالمعركة الانتخابية انتهت، ومع هذا حصل تهجم على رئيس الجمهورية لا موضوعية فيه، وطبيعي ان يشعر الرئيس او اي كان بالغضب في مثل هذا التهجم وما حمله من اهانات. ما حصل حينها من قبل غبريال المر لم يكن مقبولاً. لكن العقوبة ايضاً كانت غير مقبولة، لانها ادت الى الغاء ارادة ناخبين بالغاء نيابة غبريال المر، كما ادت الى اقفال محطة وتشريد 500 شخص، السلطة اقفلت MTV بشكل غير موضوعي.

* وكنت انت كبش محرقة بين السلطة ومالك المحطة؟

ـ لم اشعر اني كبش محرقة، هكذا صورتني الاشاعات، مع ان توقيفي في المطار لم يكن له لزوم، فأنا لم اعتد على احد، وخلاصة الحكاية انني كما غيري من الزملاء في MTV مررت بضائقة مالية بعد توقف قسري عن العمل استمر تسعة اشهر. المحطة لم تكن قادرة على الدفع، كلنا اصبحنا مديونين وقد استُغِل دين لي لم استطع ان اسدده في حينه بشكل لا معنى له. سافرت لثلاثة ايام. وخلالها تقدم شيك من دون رصيد كنت قد وقعته على امل تأمين رصيده في الوقت المناسب، رفعت الدعوى وتحركت النيابة العامة وصدرت مذكرة التوقيف بحقي في هذه الفترة القصيرة. وبعد توقيفي قلت لصاحب الدين ان المبلغ موجود، دفعته والغي سبب التوقيف، سألته عن دافعه لرفع الدعوى بهذه السرعة، اجابني: ضغطوا علي. وانتهى الامر عند هذا الامر.

* وكيف انتقلت الى «العربية»؟

ـ كنت في وضع مادي ومعنوي سيئ بعد اقفال MTV، عندما قدم لي عرض من محطة «الحرة» وكانت بعد مشروعاً، اتفقت مع الصديق موفق حرب، الذي يصنفه البعض خائناً، لكنه اعلامي جيد وصديق جيد. وبالفعل ذهبت الى واشنطن وبحثت عن شقة لاقيم مع زوجتي وابني. وعدت الى بيروت لارتب اوضاعي على هذا الاساس الا ان صدفة جمعتني برئيس مجلس ادارة MBC الشيخ وليد الابراهيم، فقال لي اترك واشنطن وانضم الينا في محطة «العربية» الجديدة وهكذا كان. وشعرت بأني سأعمل مكرماً في جو يوفر كل اسباب راحة البال.

* كيف تتحدث عن راحة البال وقد بدأت عملك مع العربية من العراق، حيث الخطر على الحياة وارد في كل لحظة؟

ـ انا طلبت ان اذهب ان العراق، لاقدم برنامجاً مرتبطاً بالحدث الاكبر الذي تعيشه المنطقة. وقد طرح الامر عليّ بشكل مهني. والصحافي الذي يحب هذه المهنة سيلاحق الحدث اينما كان وكيفما كانت الظروف ودرجة الخطر.

* ألم يكن للاغراءات المالية التي ترافق عملاً اعلامياً في العراق دورها؟

ـ هذه الامور لا تحتل الاولوية، فالاساس هو تقديم عمل اعلامي ناجح، والمردود المالي يصبح حينها ثانوياً مقابل المردود المعنوي، بالطبع بعد تأمين الحد المعقول من السلامة. فليس بسيطاً ان يتمكن الاعلامي من استقطاب انظار الجمهور العربي بعمل ميداني في مثل هذه الظروف. ولكن اريد ان اشير هنا الى ان ما شجعني على القبول هو فروسية القيمين على المحطة، فقد كان طلبي الوحيد هو الشعور بالامان على مصير زوجتي وابني جيو البالغ سنتين ونصف السنة، ومع ادارة من نوعية هؤلاء القيمين لم اجد اي داع لأسأل عن الضمان والتعويض.

*هل فرضت عليك رقابة ما من «العربية» او شروط معينة لتقديم برامج «من العراق»؟

ـ في «العربية» توجه مهني محترف، فأصحاب هذه المحطة لا يعملون حسب الاجندة السياسية، وانما حسب متطلبات الاعلام الموضوعي، مع معرفة اكيدة انه لا يمكن الغاء الآخرين، ولكل الحق بهذا المنبر سواء كانوا من مؤيدي او معارضي الاميركيين او صدام حسين او غيره. وقد سعيت الى تغطية كل العراق وتياراته، ولم توضع امامي اي ممنوعات سياسية او حدود او خطوط حمراء او موافقات مسبقة لهذا الضيف او ذاك.

* وماذا عن الاوضاع العراقية، كيف عايشتها خلال اشهر متواصلة؟

ـ تجربة العراق فيها الكثير من الرعب، لا مجال بمقارنتها مع الحرب اللبنانية التي عشنا فصولها، وكنا نعرف مناطق الخطر، فنتجنبها. في العراق مشينا اول الامر في حماية الدبابة الاميركية، بعد ذلك صار التواجد خلف الاميركيين مصدر خطر. الارهابيون المتطرفون شكلوا مصدراً ثانياً، كذلك البعثيون السابقون ايضاً، السيارات المفخخة ايضاً وايضاً كانت مصدر رعب لا حدود له. ولا ننسى العصابات التي اطلق سراح افرادها صدام حسين عشية الحرب. كنا نشعر ان المجرمين يحيطون بنا، وسرقة هاتف جوال قد تؤدي الى قتل عابر الطريق.

واضافة الى كل ما سبق كنت اتلقى تهديدات متواصلة بسبب ضيف اطل في احدى الحلقات ولم يعجب هذا الفريق او تلك المنظمة. وبالطبع لم اكن امشي من دون حماية.

* هل وجدت لدى الشعب العراقي ميلاً الى العنف؟

ـ العراقيون ما زالوا حذرين في التعامل مع بعضهم البعض ومع غيرهم. يجب عدم تجاهل 35 سنة عاشوا خلالها رعباً نفسياً. اليوم رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي يؤكد تصميمه على ارساء اسس الديمقراطية وتوفير الحماية الأمنية للشعب العراقي، ويعلن ان بامكان اي كان ان يعبر عن رأيه وينتقد السلطة ويشتمها اذا وجد ما يستحق ذلك. لكن الشعب لم يتعود بعد على ذلك. اضافة الى شعوره بانه محتل لا سيما ان الاميركيين لم يتصرفوا كأصدقاء وانما كمحتلين. وبالطبع اي شعب سيرفض الاحتلال وسيعلن بشجاعة هذا الرفض، وليس صحيحاً انه شعب دموي يحتاج الى جلاد ليضبطه.

* لكن بعض وسائل الاعلام، لا تعكس هذه الصورة التي ذكرتها عن العراق؟

ـ لا يحق لي تقييم ما تعكسه بعض القنوات، ولكن بالتأكيد هناك عراق غير العراق الذي تقدمه عبر شاشتها. هناك عراق لا يريد استمرار حكم صدام حسين، هناك اصوات غير اصوات مؤيدي النظام السابق، رغم رفضهم الاحتلال الاميركي، هناك من يؤيد الحكومة ورئيسها ورئيس البلاد لا يظهرون ابداً مع مطالبهم على شاشة «الجزيرة»، كما لا تظهر آراء اهل جنوب العراق او صور مجزرة حلبجة. هناك وجوه اخرى في العراق يجب ان يعرفها الجمهور العربي من خلال وسائل الاعلام العربية.