«فهرنهايت 9/11»: مايكل مور يحقق فيلما أكثر جدية بعداء شخصي أوضح

محمد الظاهري

TT

عندما يدور الحديث حول المخرج الأميركي المثير للجدل مايكل مور فهو لن يراوح الثالوث الهرمي للسياسة الأميركية: الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بشكل خاص والجمهوريين بشكل اعم ثم بقية الساسة الأميركان، وهو في الوقت الحالي من الشخصيات السينمائية الأميركية التي ارتبطت بهذه القضية اكثر من غيره، واكثرهم انتقادا للإدارة الأميركية الحالية وسياساتها الخارجية والداخلية.

مور في فيلمه الأخير الحائز السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي في دورته الفائتة «9/11 فهرنهايت» يتخذ مسارا مخالفا لما كان عليه في السابق، فالقضية لم تعد كونها مجرد لعبة سينمائية ساخرة، فبالرغم من انه لم يفتقد الى الروح السينمائية المعتادة إلا انه كان اقرب الى التوثيق الجاد منه الى التعليقات الساخرة والمفارقات الكوميدية السوداء.

يسلط مايكل مور في فيلمه هذا الضوء بشكل مركز اكثر من ذي قبل على الإدارة الأميركية الحالية ومحاولة قادتها تسييس العالم بصورة دكتاتورية حديثة ونرجسية شخصية بحتة. فهو بادئ ذي بدئ يعرج على الانتخابات الأميركية السابقة والتي انتهت بقيادة بوش للأمة الأميركية في سنواتها العصيبة اللاحقة، منتقدا السياسة التي تعاملت بها الأقطاب الفاعلة في السياسة الأميركية حيال إحصاء اصوات الناخبين وفرزها، ومحاولة التلاعب ـ التي يحاول مور التحقيق فيها ـ والتي اتت ببوش على رأس القيادة الأميركية على حساب آل جور نائب الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ثم ينتقل بعد ذلك الى الحدث الأهم في الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الذي تعرض له برجي مركز التجارة العالمي وقيادة البنتاجون والبيت الأبيض والتداعيات التي لحقت الحدث والسياسة الأميركية تجاه القضية والنظام العالمي الذي حاولت الإدارة الأميركية تأسيسه من خلال عدة مبادئ من اهمها «من ليس معنا فهو ضدنا» ليتم استغلالها ـ كما يرى مور ـ لأغراض شخصية بحته حاول توثيقها والسعى وراء الكشف عنها، وذلك من خلال علاقاته المشبوهه السابقة مع عائلة ابن لادن او من خلال الحرب المفبركة على الأرهاب في افغانستان ومحاولة إعطاء صورة نزيهة عن التدخل الأميركي هناك وإعطائها صبغة شرعية بعيدة الى حد كبير عن الواقع الحاصل في ذلك الوقت، واخيرا من خلال حربه الأخيرة على العراق التي لم يكن لها اي مبرر مسوغ ومعتبر مستند على الشرعية الدولية. لقد حاولت الإدارة الأميركية كما يذكر مور خلق اجواء مشحونة مليئة بالخوف لدى الفرد والمجتمع الأميركي، وذلك في محاولة منها لكسب التأييد الشعبي، وقد حققت اهدافها الى حد كبير داخل الشارع الأميركي. وذلك من خلال سرد وثائقي حاول مور اعطاءه نكهه فنية ببنائه خطا دراميا ابطاله هم اعضاء الإدارة الأميركية الحالية.

وكما هو الحال في افلامه السابقة، فإن مور يعطي صورة سوداء قاتمة عن الحضارة الأميركية ممثلة في سياساتها الداخلية والخارجية، كاشفا الغطاء عن الحلم الأميركي الذي كان في كثير من الأحيان غشاوة في وجه الحقيقة وشماعة يتعلق بها المتحكمين في السياسة الأميركية لتحقيق مأّرب بعيدة كل البعد عن الحلم الأميركي الموعود والمأمول. لقد كانت السياسة الداخلية الأميركية هي مدار اهتمام مايكل مور في سابق افلامه، اخرها فيلمه الشهير «بولنج من اجل كولمبيان» والذي نال على اثره جائزة الأوسكار كأفضل فيلم وثائقي، محققا فيه حول انتشار الأسلحة في الشارع الأميركي على خلفية الهجوم المؤلم الذي تعرضت له مدرسة كولومبيان الثانوية من قبل شابين حدثين ذهب ضحيته 12 طالبا وطالبة. إلا انه في فيلمه الأخير ينحو منحى آخر، متخذا من السياسة الخارجية لبلاده موضوعا له مما جعل الفيلم اكثر بعدا عن الطابع الاجتماعي باعتباره متحدثا عن الشعب الذي يتميز به مور، فهو هنا يعبر عن عدائية هي في احيان كثيرة تعبر عن عدائية شخصية. ومهما يكن من امر فإن مور كثيرا ما يفتقد الى التوثيق المتقن، فهو لا يعد باحثا جيدا، كما ان الانطباع الشخصي والميول السياسية كثيرا ما يكون مؤثرا على احكامه وعلى تصوراته والتي تكون بعيدة في بعض احوالها عن الواقع المشاهد او الإستقراء المحكم وتكشف في بعض الأوقات عن تحيز جائر محاولا تنظير فرضياته وفرضها حقيقة مطلقة من دون ادلة وافية او حقائق كافية لإطلاق مثل هذا الجور المنطقي، فالأمر لدية لا يعدو كونه لعبة إخراجية مذهلة صنع بها مايكل مور فيلما بلغ غايته في الإثارة والمفاجأة والإدارة المتقنة لعناصر الفيلم السينمائي.

ومن هنا فإن مايكل مور يمتلك قدرة اخراجية وفنية عالية المستوى، ويسعى لتطبيع افلامه بطابع درامي يعتمد على الحدث الواقع والتعليق الساخر في تركيبة الأحداث وتسلسلها على الرغم من موضوعاتها السياسية الفظة والجافة، مما جعل من فيلمه هذا ـ كما هو الحال لدى بقية افلامه ـ مليئة بروح سينمائية فنية اكثر من كونها افلاما توثيقية بحتة تقوم على البحث والتحقيق في اغوار ارشيفية تخدم غايتها التوثيقية.