العقاد لأكثر من مرة

فهد الأسطاء

TT

أعترف مسبقا بان فيلم «عمر المختار» كان من أوائل لحظات الانبهار السينمائي التي عرفتها صغيرا. واستمرت مشاهد ذلك الفيلم الجميل عالقة في ذهني لفترة طويلة. بعدها كنت قد عرفت مخرج الفيلم مصطفى العقاد وحملت له في نفسي وما زلت الكثير من المحبة التقدير على عمليه الناجحين «الرسالة» و«اسد الصحراء: عمر المختار» وعلى عصاميته ومثابرته في اختراق اشهر التجمعات السينمائية في هوليوود، ثم ظللت فترة طويلة اتابع ما يكتب عن هذا المخرج الكبير او ما يقوم به هو من لقاءات وتصريحات عبر الفضائيات العربية او وسائل النشر الأخرى وحتى فترة قريبة جدا كان آخرها اللقاء الذي أجراه في برنامج «حوار مفتوح» في قناة «الجزيرة» واذيع هذا الاسبوع.

ولكني الآن استطيع القول بكل اسف، إن هذا المخرج الذي عرفناه وأحببناه لم يعد يملك ما يمكن ان يقوله لنا الان، ولقاؤه الأخير في الجزيرة لم يكن ليختلف كثيرا عن اللقاء الذي شاهدته له قبل خمس سنوات في قناة «ال بي سي» اللبنانية في برنامج جيزيل خوري، الأمر اصبح شبيها ببيانات وتصريحات مكررة ومنتظرة لا تعبر عن أي أمل في رؤية شيء جاد أو ابداع مقبل (التمويل هو ما ينقصنا ـ نستطيع بقيمة دبابة واحدة ان نصنع فيلما كبيرا يخدم القضية العربية ـ ليس افضل من شخصية صلاح الدين وظروفها لنقدمه للغرب حتى نعكس قيمنا ونقاء تاريخنا). لست معنيا هنا بالاستفاضة في نقد الحلقة ذاتها التي لم يحسن فيها معدها ومقدمها التعامل مع السينما كقيمة فنية، ولا بالمحاولات المتكررة من الجميع بمن فيهم الضيوف المحاورون في اختزال المعنى السينمائي وتسييسه، ولا بالجدل الطويل الذي دار حول الاسلوب الانجح في العرض ما بين المباشر او غير المباشر والخلط في تقييم تجربة الفيلم الروائي والفيلم الوثائقي مثل «فهرنهايت 9\11». ما يعنيني حقيقة هو المخرج العقاد نفسه وهذا التكرار الطويل والممل في لعن الظلام والتعذر بقضية التمويل وتكراره الغريب لقضية ان ما ينقص السينما العربية هو الامكانيات والتمويل فقط، والا فهي تضاهي السينما العالمية من ناحية وجود المبدعين، ثم القضية الأغرب حين يرى ان مشكلة السينما العربية انها لا تراعي الجمهور وتبحث عنه لتقدم له ما يريد، مع ان الامر المعتبر الآن عند كثير من المتابعين هو ان السينما العربية هي التي صنعت هذا الجمهور ثم وقعت اسيرة رغباته التي لا تنطوي غالبا على كثير من التقييم الفني.

مصطفى العقاد الذي يعتبر التمويل وقف عائقا دون اخراج فيلمه المنتظر عن صلاح الدين، والذي حدد له ميزانية تصل لمائة مليون دولار واختار الممثل شون كونري بطلا للفيلم لم يكلف نفسه لاكثر من عشرين سنة ـ منذ فيلم أسد الصحراء ـ بإخراج أي فيلم آخر وباتجاه أي قضية يريدها. بينما استمر في انتاج سلسلة الرعب الشهيرة هالوين.

لا اعتقد ان العقاد يجهل ما الذي تغير في السينما خلال ربع قرن او يجهل كيف ان السينما الايرانية مثلا خلال هذا النصف قرن قد بلغت العالمية وحصدت الشهرة ومعها العديد من الجوائز المعتبرة بتكلفة قليلة لا تصل أحيانا لتكلفة مشهد واحد من افلام هوليوود. ولا أظن العقاد لم يشاهد تلك التجربة السينمائية الرائعة التي قام بها المخرج الشاب الفلسطيني ايليا سليمان في فيلمه «يد الهية»، معززا نظرته ورؤيته الخاصة تجاه قضية طالما اعتبرناها قضيتنا الاولى. وبالتالي فلن يسعدني ان يعيش العقاد على ذلك الألق الجميل والتوهج المستحق الذي عاشه حينما قدم فيلميه الشهيرين، فالزمن يسير والابداع يتجدد وكثير من الناس اصبحوا الآن اكثر إدراكا في تقييم العمل الفني وصناع السينما وسط هذا الاتصال العالمي المتبادل. وباعتقادي ان التركيز على مشكلة التمويل كعائق امام الانتاج المبدع اشبه بمخدر وتبرير نفسي يضع الشخص ينام على وسادة الانجازات السابقة او ربما يخشى دخول المعترك ومقارعة الاخرين واستفراغ الجهد في اظهار الفن الحقيقي.

وبما اني ما زلت املك حتى الآن ايماني بموهبة العقاد وقدرته الفنية فاني بالفعل أتمنى ان يكون اول لقاء اشاهده او تصريح اسمعه او خبر أقرأه يكون عن فيلم جديد قد بدأ به العمل فعليا.