جمال دبوز: كوميدي مغربي ينافس زيدان على الشهرة في فرنسا

TT

بقدرة قادر، استطاع هذا الشاب المغربي القصير القامة، ذو الذراع المعطوبة، ان يتسلل الى قلوب الفرنسيين وان يقفز من العروض المسرحية الفكاهية المنفردة الى برامج التلفزيون، ثم الى شاشة السينما ليقف امام نجوم هذا الفن ويبزهم فيه.

انه جمال دبوز، وسره يكمن في خفة دمه وفي اسلوبه الذي يمزج بين النكتة والنقد الاجتماعي والتأتأة وابتداع مفردات لا يمكن الوقوع عليها الا في اوساط المهاجرين.

هذا العام، قام جمال دبوز بجولة فنية في انحاء فرنسا استغرقت ثمانية اشهر. وقد قدم عروضا فكاهية سخر فيها من كل شيء ووجه انتقادات لاذعة الى العنصريين والى المتطرفين والى الكسالى وحتى الى السياسيين. ان العربي في هذه البلاد لا بد ان يبدأ بالسخرية من نفسه ومن عاداته لكي ينتقل بعد ذلك بكل حرية الى السخرية من الظواهر الاجتماعية التي تحاصر المهاجر وتحيل حياته جحيما.

بإنصاف، يمكن القول ان جمال دبوز هو ثاني اشهر عربي في فرنسا بعد زين الدين زيدان نجم كرة القدم. واذا كان زيزو يعتبر نفسه قبائليا من اصل جزائري، فإن دبوز يصعد الى المرتبة الاولى. ولهذا السبب حاولت الكثير من الاحزاب والتجمعات ذات التوجه السياسي ان تكسبه الى صفوفها، لكنه كان اشطر منها، وقال علنا ان السياسة عابرة، لكن الفن باق.

يتصور الكثيرون ان جمال دبوز يملك موهبة خارقة تجعله قادرا على الصعود الى المسرح وارتجال نكات وقفشات تجعل الناس يبكون من الضحك لاكثر من ساعة متواصلة. اما هو فيقول ان تلك الساعة على المسرح تتطلب ثلاث ساعات من نص مكتوب على الورق ومشغول بحس عال من السخرية بحيث لا يدع ثغرة لملل. مع هذا، فإنه يعشق الخروج على النص او «الدخول والخروج من النص حسب هواي» على حد تعبيره. وهي مسألة يجيدها ويتألق فيها اذا كانت الصالة متجاوبة معه.

في عروض جمال دبوز، يرى المرء جمهورا عجيبا لا يراه في عروض اخرى، ان اغلب الشباب الحاضرين هم من ابناء الضواحي الذين لم يضعوا قدما في مسرح من قبل. وهناك ايضا اطفال وعجائز ونساء محجبات ورجال بأزياء وطنية مغاربية. واهم من هذا ان الصالة ملونة، فيها الابيض والاشقر والاسمر والاسود. واذا استعرنا لغة جمال فإن جمهور الصالة يتألف من «حمر وشقر وسود وعرب وتوتسي وهوتو ويهود وكروات وروانديين من كل الاعراق والاعمار». وصالة تضم خليطا من هذا، يصفق ويصرخ ويصفر ويضحك.. لا بد ان تلهم الفنان وتدفعه الى التجديد.

يدرك جمال دبوز ان الناس قد قبلوه كما هو، بملامحه الخاصة ولغته الفرنسية المكسرة ولكنته المغربية ويده التي طوح بها قطار على رصيف المحطة ذات يوم، لذلك فإنه يحاول ان يبقى على المسرح، كما هو في الحقيقة ويتفادى الدخول في لعبة استدراج الاعجاب، ويقول ان الدخول في تلك اللعبة معناه الوقوع في فخ النهاية وبذكاء فطري، يؤكد جمال انه يكتب نصوصه بصدق ويتفادى ان يقدم للجمهور بضاعة مغشوشة او مفبركة او محشوة بالتحريض والاكاذيب، ثم ان الغواية ليست لعبته، وقد خلقه الله نقيضا للبطل الوسيم الذي يقطف آهات المراهقات.

يعترف جمال: الجمهور يريد ان يتمتع. وانا اتعب لكي اقدم له تلك المتعة او الكيف، واظن انني ورثت هذه القدرة على الامتاع من أبي وتشبثت بها لأنني لا املك اية مواهب اخرى للفت النظر. كيف يمكن لعربي فقير مثلي، ضئيل القامة، يخبئ يمناه في جيبه، ان ينافس الآخرين؟

بدأ جمال دبوز عروضه الفكاهية قبل خمسة عشر عاما، وكان مراهقا في بداياته، وظل يراوح في الظل الى ان لفتت موهبته الانظار، قبل خمس سنوات، وصعد كالصاروخ الى حيث الاضواء وسرعان ما تلقفته وسائل الاعلام الفرنسية بعد ان كان جمهوره يقتصر على اوساط المهاجرين. احب المهاجرون جمال دبوز لانه يخاطب كرامتهم ويسخر من الذين يستهزئون بهم، ويركز على كل القيم الطيبة والجميلة لدى الفقراء والعمال وحتى العاطلين. وهو في هذا يقدم لهم خطابا جديدا مغايرا لما اعتادوا سماعه صباحا وظهرا ومساء من انهم كثيرو الضوضاء وان روائح طعامهم تزعج الجيران وان منظرهم يخدش العين الاوروبية.

وبهذا المعنى فإن جمال دبوز فنان ملتزم سياسيا، شاء أم أبى، وهو الصورة الجديدة للشاب المهاجر، الناجح في ميدانه، الذي يحترم الغير ويسعى للتأقلم في المجتمع الجديد.

وقد كان زين الدين زيدان اول من قدم هذه الصورة الجديدة المغايرة لما كان معروفا عن ابناء المهاجرين من نزق وتمرد وعصيان على الاندماج وصار زيزو مثالا اعلى لجيل كامل، وترك اثره على جمال دبوز الذي يقول انه يرفض ان تضعه الصحافة في مستوى زيدان.

ويضيف: ليس من حق اي منا ان يتقدم او ان يقف بموازاة زيزو.. انه الاول في كل شيء.

ولد جمال في باريس عام 1975، وقام مع اسرته بهجرة معاكسة الى المغرب، الموطن الاصلي للاسرة، ثم عاد وهو في الخامسة من عمره الى فرنسا لكي ينشأ في حي «باريس» الفقير في باريس، ثم في عمارة من عمارات ذوي الدخل المحدود في ضاحية «ايفلين» وهناك لفت انتباه احد المشرفين المسرحيين فأخذه الى فرقة مسرحية للشباب.

كان جمال يجتاز سكة للقطارات مع احد رفاقه، عائدا الى البيت، حين ضربه قطار في ذراعه اليمنى التي توقفت، منذ الحادث عن النمو. وهكذا عرفه الجمهور فنانا بذراع واحدة والاخرى داخل جيب السروال.

انطلق من المسرح الى الاذاعة، ثم الى السينما والتلفزيون. وفي عام 2002 اصبح دبوز الممثل الفرنسي الاعلى أجراً. والمسيرة ما زالت امامه، فقد بدأ هذا الاسبوع عرض فيلم جديد له بعنوان «انها تكرهني» للمخرج الاميركي سبايك لي، وهو ايضا فنان يلتزم بقضايا اجتماعية تناصر المهمشين. ونتيجة للخبرة والتقدم في السن، يعترف دبوز انه ما عاد يحلم بتغيير العالم، لكنه يكتفي بالمساهمة في ذلك.

في العام الماضي عاد جمال دبوز لينال تكريما مغربيا في مهرجان مراكش الدولي للسينما، وحظي برعاية الملك محمد السادس الذي وضعه في موضع الشرف، الامر الذي كان فوق مستوى الخيال في الماضي. وقد تحدث الملك والفنان عن قضايا كثيرة وخرج دبوز من المقابلة وهو مطمئن الى ان بلده يسير في الاتجاه الصحيح نحو التقدم، خصوصا نحو تعزيز مكانة النساء في المجتمع. وطبعا، تثير قضية الدين فضول الكثير من محبي جمال دبوز. وقد سأله محرر مجلة «اكور» الباريسية، قبل فترة، عن موقفه من الاسلام، فرد بكل وضوح، بدون التأتأة المعهودة: «انا مسلم يمارس الشعائر وفخور بذلك».

وتبقى لهذا الشاب العصامي نقطة ضعف واحدة، هي غرامه بالسيارات الفخمة والسريعة. وقد سببت له قيادته السيارات مشكلات كثيرة.