مهرجان تورنتو السينمائي يبقى حصنا للسينما المستقلة والتجديدية

3300 فيلم من 61 دولة اختير منها ر253 فيلما بينها 207 تعرض لأول مرة في صالات السينما

TT

تشهد الساحة الفنية السينمائية طوال الأسابيع القليلة الماضية نشاطا احتفاليا كبيرا بعد نهاية موسم صيف هذا العام، والتي كانت فترة اعتيادية تحضيرية للعديد من المهرجانات القائمة والمقبلة، فبعد أن افتتح مهرجان كان السينمائي في فرنسا الموسم السينمائي لهذا العام أوائل الصيف الحالي، ها هي حركة المهرجانات السينمائي تعود الى الساحة مع بداية خريف هذا العام، فبينما لا يزال مهرجان فينيسيا يواصل فعالياته، افتتح يوم أمس الخميس في مدينة تورنتو الكندية التاسع من شهر سبتمبر مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، والذي يعد احد اكبر وأضخم المهرجانات في العالم هذا اليوم.

لقد اثبت مهرجان تورنتو للجميع نفسه كأحد أسرع المهرجانات نموا ونضجا فكل سنة تمضي على المهرجان تزداد فيها مكانة ونضجا في الساحة الفنية، فبالرغم من حداثته نسبيا حيث ابتدأ مشواره عام 1976، فهو يمر حاليا بدورته التاسعة والعشرين إلا انه أصبح يقارع كبرى مهرجانات العالم العريقة ويصف في مصافها، وشعبيته ومكانته التي لا تزال في ازدياد مطرد لا يوازيها الوقت الحالي إلا مهرجانات من قبيل «كان» و«فينيسيا» السينمائيين متخطيا بذلك مهرجانات أكثر عراقة، وقد تحدث الناقد الأميركي الشهير والكاتب في جريدة «شيكاغو سن تايمز» روجر ايبرت حول مهرجان تورنتو قبل عدة سنوات قائلا: «على الرغم من كون مهرجان «كان» لا يزال يعد الأكبر في مهرجانات العالم، إلا أن تورنتو أكثر إفادة وأهمية». ويعود جزء كبير من هذا النمو السريع والتفوق الى الطبيعة الخاصة والنمط المستقل الذي اتخذته إدارة المهرجان منذ بداية عام 1976، بعيدا عن الصورة التقليدية التي ترافق الكثير من مهرجانات العالم في الوقت الحالي. وهو لا يزال يعيش تغيرات وفعاليات جديدة في كل سنة، فهو لم يعد مهرجانا لدعم الحركة السينمائية وحسب، وإنما صبح مرجعا ومطلبا ثمينا والبيئة الأرغب للسينمائيين من مخرجين ومنتجين في مختلف دول العالم لعرض أفلامهم لأول مرة.

ففي هذا العام استقبل مهرجان تورنتو أكثر من 3300 فيلم مقبلة من 61 دولة، وقد تم اختيار 253 فيلما سيتم عرضها هذا العام منها 207 فيلما سيتم عرضها لأول مرة في العالم في صالات تورنتو السينمائية.

وقد أشار المدير المساعد نوهان كوان ـ الذي يشارك لأول مرة في إدارة المهرجان بعد أن قام بإدارة بعض من فعالياته الخاصة في دوراته السابقة ـ الى التفاعلات والتظاهرات التي سيشهدها المهرجان هذا العام. فضمن تظاهرة «عرض أول» ـ والتي يندرج تحتها عدد من الأفلام ذات الإنتاج الضخم والأسماء اللامعة والتي يتم افتتاح عرضها العالمي الأول في مهرجان تورنتو ـ افتتح المهرجان فعالياته بفيلم «أن تكون جوليا» للمخرج الهنجاري استيفان زابو والذي سبق وان حاز العديد من الجوائز بما فيها «اوسكار» افضل فيلم اجنبي عن فيلمه Mephisto عام 81. ويسلط فيلمه الجديد الذي تقع احداثه في مسارح لندن في الثلاثينات من القرن الماضي حول ممثلي تلك المسارح وعلاقات الحب والانتقام التي تكتنف هذا المجتمع الصغير، يقوم ببطولة الفيلم كل من انيت بينيج وجريمي ايرونز.

وتحت هذه الفعالية يعرض لأول مرة فيلم الإثارة والتشويق للمخرج توم هوبر «الغبار الأحمر» وتقوم ببطولته الممثلة الأميركية هيلا ري سوانك ـ الحائزة اوسكار افضل ممثلة عام 99 عن دورها المذهل في فيلم «اولاد لا يبكون» ـ ومشاركة تشيوليت ايليجفور، والفيلم الذي يعتمد على رواية جيليان سولفو التي تحمل نفس الاسم، حول جنوب افريقيا بعد الفصل العنصري حيث تقوم سوانك وهو تلعب شخصية محامية تقوم بالبحث عن شخص كان من المفترض ان يخضح لاستجواب لجنة الحقيقية وإعادة الوفاق التي كانت تحقق في الجرائم والفظائع التي ارتكبت ايام الفصل والتمييز العنصري. ومن الأعمال الأخرى المشاركة في هذه التظاهرة فيلم السيرة الذاتية للمخرج تايلور هاكفورد ـ والذي يشهد هو الآخر عرضه الأول ـ «راي».

الفيلم الذي يقوم ببطولته جايمي فوكس وكيري واشنتون ونخبة أخرى من الممثلين الأميركيين يحكي حياة آخر الموسيقيين العظماء راي تشارليز الذي كانت له بصمة في عالم الموسيقى في القرن الماضي.

وضمن الفعاليات الأخرى للمهرجان تعود هذه السنة تظاهرة «رؤية» والتي تسلط الضوء على الأعمال السينمائية ذات الرؤى التجديدية في صناعة السينما، وذلك من خلال الإخراج او السرد القصصي او تقديم تقنيات جديدة تساهم في إعطاء إبعاد جديدة، وأفكار مبتكرة في صناعة الفيلم. ويأتي فيلم المخرج مايكل ونتربوتم «تسعة اغان» والذي يأخذ أبعادا جديدة وصريحة في تقديم العلاقات الجنسية التي تربط شخصيات الفيلم. وضمن هذه التظاهرة يأتي الفيلم الوثائقي tartation للمخرج جوناثان كاوتيس والذي يلقى الضوء على حياة المخرج في صباه وعلاقته مع أمه المصابة بفصام بالشخصية، معتمدا في ذلك على صور ارشيفية وشرائط فيديو ورسائل بقيت في حوزة المخرج حتى اخرج هذا الفيلم. المخرج ديفد جوردن غرين الذي سبق ان شارك في مهرجان تورنتو وحاز جائزة «اكتشاف» عن اول افلامه «جورج واشنطن»، يعود هذه السنة بفيلم undertow حول عائلة تعيش في إحدى ضواحي جورجيا تواجه العديد من المشاكل بعد ان يعود أخ لأب الأسرة مما يدفع ابنه للهرب من هذه الحياة التي اصابتها التعاسة والألم.

ويتابع المهرجان هذه السنة فعالياته الخاصة بالسينما الشابة، وهي إحدى العلامات الفارقة التي تميز مهرجان تورنتو عن غيره من مهرجانات العالم الأخرى، داعما بذلك للعديد من المواهب الشابة في مختلف دول العالم، وقد خصص لذلك عدد من التظاهرات الخاصة، فضمن تظاهرة «اكتشاف» يلقى الضوء على المخرجين الجدد مناطق العالم الأخرى، بينما خصص للأعمال المحلية تظاهرة «كندا لأول مرة» ويشارك في كلا التظاهرتين ما يفوق 38 فيلما.

وعلى الرغم من ان المهرجان يسمح بمساحات واسعة للإنتاج الشاب والجيل السينمائي الصاعد، فإنه لا يغفل المدارس التقليدية، ورواد السينما العالمية في الوقت الحالي، وذلك في احدى اهم تظاهراته السنوية من خلال تظاهرة «الرواد»، ويشارك في هذه التظاهرة العديد من عمالقة السينما. ويأتي على رأس القائمة المخرج الفرنسي جان لوك جودار بفيلمه «موسيقانا» الذي سبق ان شارك به في مهرجان «كان». كما ان المخرج الإيراني عباس كيروستامي سيكون حاضرا هو الآخر بفيلميه «خمسة» و«عشرة على عشرة» اللذين شارك بهما في عدة مهرجانات عالمية أحدها مهرجان «كان». وسيكون الفيلم الضخم «الحب» الذي قام بإخراجه كل من المخرج الإيطالي ميشيل انجلو انتونيو، والصيني ونغ كار ويو، والأميركي مايكل سودبيرغ، وهو عبارة عن ثلاث قصص حول الحب، حيث يقوم كل مخرج بإخراج واحدة منها تعكس رؤيته ونظرته الخاصة والتي تعكس تصورات المجتمع التي يعيش فيه كل مخرج.

المهرجان يختتم فعالياته ويعلن جوائزة يوم الثامن عشر من الشهر الحالي بالفيلم الكندي «جيمني جيلك في لالاوود» لمخرجه فاديم جيان وذلك ضمن تظاهرة «عرض أول».