«مياه مفتوحة» نموذج للأفلام التي يخسر فيها المخرج التحدي

TT

بعض الأفلام تكون بمثابة امتحان، يكرم فيها المخرج أو يهان. وذلك عندما يواجه المخرج تحدي التعامل مع أدوات ومعطيات محدودة جداً ليخلق أثرا سينمائيا ضخما، مثل الإثارة أو الرعب أو غير ذلك. عندما ينجح المخرج في التصدي لهذا التحدي، فإنه يعد عبقرياً. تماما مثل ألفريد هيتشكوك الذي صنع واحدا من أشهر أفلام الإثارة في تاريخ السينما، متعاملاً مع قصة تقع أحداثها في غرفة واحدة فقط يسكنها رجل مقعد، في فيلم «نافذة خلفية»! أو مثل الطلاب الجامعيين دانيل ميريك وإدواردو سانتشيز الذين كتبوا وأخرجوا «مشروع ساحرة بلير» بالتعاون مع زملائهم كممثلين، واستخدام كاميرات فيديو، ليصنعوا واحدا من أكثر الافلام رعبا على الإطلاق. وبنجاح ساحق دخل الفيلم موسوعة «غينيس» كصاحب أكبر نسبة أرباح مقارنة بالتكلفة.

«نافذة خلفية» و«ساحرة بلير» مثالان على تحديات إخراجية ناجحة. ولكن المشكلة تظهر عندما يخسر المخرج في تحديه، ويفشل في التعامل مع محدودية أدواته، وخاصة إذا كانت المحدودية تطال القصة أيضاً، وليست مقصورة على المستوى التقني فقط. عندها لا يبقى للمشاهد شيء يذكر ليستمتع به، لأن الأثر الأساسي الذي كان يرمي إليه المخرج، سواء كان إثارة أم رعبا أو غير ذلك، لم يتحقق. وبالتالي يبقي المشاهد أمام أجزاء من فيلم كان من المفترض أن يكون.

هذه، تماماً، هي مشكلة فيلم «مياه مفتوحة» الذي كتبه وأخرجه كريس كينتيس. «مياه مفتوحة» عن رجل وزوجته يذهبان لممارسة هواية الغوص في منصف المحيط. وبسبب لبس ما، يغادر المركب الذي كان سيأخذهما إلى اليابسة. فيبقى الزوجان في منتصف المحيط في مواجهة الإرهاق القاتل وسمك القرش.

ليس هناك قصة جميلة في الفيلم، وليس هناك أحداث كثيرة ولا دراما. الفيلم يعتمد كلياً على الإثارة ، وعندما فشل المخرج في صنع الإثارة لم يبق شيء يستحق المشاهدة، باستثناء حوار وحيد كتب بشكل رائع يلوم فيه كل من الزوج والزوجة بعضهما البعض على الموقف الذي هم فيه. الفيلم صور بكاميرا فيديو رقمية. وهذا يعطيه مظهرا يشبه الأفلام الوثائقية الحديثة أو المقاطع الإخبارية، مقابل التخلي عن المناظر التصويرية الجميلة والأجواء الدرامية التقليدية. هذا الخيار قد يكون موفقاً لو أن الفيلم كان متقناً. ولكن الذي حصل عليه المخرج هنا هو فيلم غير مثير بصورة غير جميلة.

تم استخدام أسماك قرش حقيقية لتصوير الفيلم، ولا يوجد هناك أي نوع من المؤثرات البصرية. وكان الممثلان يلبسان بدلة معدنية أسفل بدلة الغوص لتحميهم من عضات القرش المحتملة. قراءة حقائق مثل هذه حول الفيلم هي، مع الأسف، أشد إثارة من مشاهدة الفيلم نفسه. الفيلم يفتقد الحس التصاعدي. فمثلاً عندما يعض القرش قدم الرجل، ليس هناك أي تغير في ايقاع الفيلم، لا قبل ولا بعد الإصابة. وضع الكاميرا واستخدام الموسيقى وأداء الممثل، كل ذلك يفشل في جعلنا، نحن المشاهدين، نحس بالعضة أو بخطورتها. بالإضافة إلى ذلك، يقدم مخرج وكاتب الفيلم على خيار غر موفق عندما يعبث بتصورنا الأولي حول أسماك القرش، حيث يطمئن منظم رحلة الغوص أعضاء الرحلة بأن أسماك القرش في هذه المنطقة لا تهاجم البشر. ربما كان كريس كينتيس يعتقد أن هذا سيخلق نوعاً من الترقب (هل ستهاجم القروش أبطال الفيلم أم لا؟) أو أنه سيخلق لحظة مفاجأة عندما تهاجم فعلاً. ولكن، كل الذي فعله في الواقع هو أنه نجح في زحزحة الجمهور عن تصوره الأولي حول اسماك القرش، ولكنه فشل في إيصالهم إلى أي تصور جديد لمصلحة الفيلم. بمعنى أنه خسر الرعب الذي كان سيسببه ذلك التصور الأولي، وفشل في خلق أثر بديل عنه.

مما لا شك فيه أن تصوير الفيلم كان صعباً وتطلب جرأة ومجهودا ضخما، ولكن النتيجة في رأيي لا تستحق أياً من ذلك. هذا الفيلم يشبه فيلم «جيري» لغس فان زانت، ولكن بدلا من الصحراء هناك ماء. ومع ذلك ليس هناك أي مجال للمقارنة على مستوى الجودة والإتقان والصنعة السينمائية. سواء من ناحية بصرية جمالية أو من ناحية السرد والاندماج مع القصة.

هناك لحظات مثيرة ومخيفة في الفيلم، ولكنها محدودة للغاية. كما أن أغلب اللحظات التي كان من المفترض أن تكون مثيرة أو مخيفة، لم تكن كذلك. إن مزاج المشاهد أثناء مشاهدته لفيلم ما، يؤثر أحياناً على مدى قابليته للتفاعل مع الفيلم. وكنت لألوم عدم نجاح الفيلم في إثارتي أو إخافتي شخصياً على مزاجي وقت مشاهدتي له، لولا أني رأيت فرقاً واضحاً للغاية بين تفاعل الجمهور الذي حضرت معه هذا الفيلم، وتفاعل الجمهور الذي حضرت معه فيلم «القرية» لنايت شيميلان. في كلا العرضين كانت الصالة ممتلئة. ولو بنيت حكمي على صراخ الجماهير وشهقاتهم، بغض النظر عن انطباعي الشخصي، لقلت إن فيلم شيميلان كان مخيفاً. بينما فيلم كريس كينتيس لم يكن كذلك ... على الإطلاق.