30 عاما في الإعلام لم تحم دان راذر من فخ «المصدر الواحد»

إعلان لمقاطعة أخبارCBS يحوي شعارها مشوهاً ويقول «نحن نشاهدها.. فلست بحاجة لمشاهدتها»

TT

بعد ثلاثين عاما من العمل الصحافي الحافل بالسجال مع الرؤساء الاميركيين والاطلاله المملوءة بالصرامة، اعتذر دان راذر الصحافي الأميركي المخضرم في شبكة «سي بي أس» الأميركية عن ما وصفه بـ«سوء تقدير» باعتماده على وثائق «لم يتمكن من اثبات حقيقتها»، خلال تقرير خاص أعده لبرنامج (60 دقيقة) وبث على نشرة الأخبار المسائية التي يقدمها شخصياً، حيث وقع راذر في فخ المصدر الصحافي الواحد. تقرير راذر، الذي فجر جدلا اعلاميا على مدى اسبوعين في واشنطن في وقت تشهد فيه المنافسة على البيت الابيض اوجها بين الديمقراطيين والجمهوريين، شكك في الماضي العسكري للرئيس الأميركي الحالي جورج بوش، وزعم أنّ الأخير حصل على معاملة تفضيلية خلال خدمته في سلاح الحرس الوطني الجوي في تكساس أثناء أحداث فيتنام، إضافة إلى تعليقات تشير الى أنه تهرب من بعض مسؤولياته وأنّ المسؤول المباشر عنه تعرض لضغوط لتحسين صورة سجل الخدمة، لأنّ بوش «تحدث الى مسؤول أعلى».

الموقع الإلكتروني لمحطة «سي. بي. أس» نشر توضيحاً كاملاً مفاده أنّ الشبكة كانت متأكدة من صحة الوثائق التي تحدثت عندما بثت التقرير أول مرة، إلا أنّ الوضع تغيّر بعد إجراء تحقيقات، خاصة أنها لم تعد قادرة على ضمان صحة هذه الوثائق. هذا فيما صرح رئيس أخبار شبكة «سي. بي. اس» أندرو هيبو أرد في بيان صحافي،«بأنه لم يكن من الواجب أن نستخدم الوثائق، كان ذلك خطأ، نأسف بشدة».

دان راذر كان حصل على هذه الوثائق من قائد سابق في حرس تكساس الجوي يدعى بيل بوركيت، الذي زعم أنّ الوثائق هي مذكرات شخصية تخص الكولونيل جيري كيليان المتوفى منذ 20 عاماً، القائد السابق للفرقة التي كان بوش ينتمي إليها. بوركيت قال إنه حصل على هذه الوثائق من زميل له خارج البلاد لم يتمكن منتجو البرنامج من الاتصال به.

بوركيت حل ضيفا على راذر يوم الاثنين الماضي واعترف بأنه كذب بشأن المصدر، وأنّه اضطر لأن «يقول أي اسم» بعد أن ضغط عليه منتجو البرنامج للكشف عن مصدره، ومن ثم كشف عن اسم صاحب الوثائق المفترض، إلا أنّ «سي بي أس» قالت إن هذا المصدر غير موثوق. بوركيت قال كذلك إنه طلب من «سي بي أس» أن تخبره بما تنوي فعله بالوثائق قبل استخدامها، وأنه طلب منهم التأكد من صحتها. فيما نفى قيامه شخصياً بتزوير الوثائق، وأكّد أنه مقتنع بصحتها، في الوقت الذي شكّك في ذلك كثيرون مستغربين اعتمادها من قبل «سي بي أس»، بعد أن تبين أنّ نوع الخط المستخدم فيها حديث ولا يتطابق مع خط الآلة الكاتبة قبل نحو 3 عقود. القضية تحولت إلى فضيحة لمؤسسة «سي بي أس» الإعلامية العريقة، واثارت موجة انتقادات من قبل عدد كبير من الصحافيين الأميركيين الذين اعتبروا أن ما جرى سيقلل من مصداقية الشبكة. ولم يجد الاعلامي الاميركي راذر مخرجا سوى القول:«مهنيا وشخصيا أنا اسف». يذكر أن راذر ينتقده كثيرون كونه يبدي تحيزاً واضحاً في تغطيته، حيث يحوي سجله مبارزة كلامية حادة على الهواء مع الرئيس جورج بوش الأب عندما كان مرشحاً للرئاسة قبل 16 عاماً. وبدأ الخلاف بين راذر وبوش الأب عام 1988 حينما بدأ باستجوابه حول الفضيحة التي عرفت باسم «إيران ـ كونترا». اشتكى بوش من البرنامج الذي دعي إليه بحجج زائفة، وقال إنه حضر لأنه كان يظن أنه سيناقش طموحاته الرئاسية، على الرغم من أن مساعدا له قال إنه كان يعرف أن سؤالا حول الفضيحة سيتم طرحه في المقابلة.

وكان راذر قد تصادم مع نيكسون في أوج فضيحة «ووترغيت»، مما اكسبه احترام الكثير من الزملاء، مثلما أغضب كذلك الكثير من أنصار نيكسون. فبعد أن طرح راذر سؤالا لنيكسون في مؤتمر الجمعية القومية للمذيعين سنة 1974 أجاب نيكسون بحدة «هل أنت تسعى لشيء؟» فأجابه راذر بسرعة «لا سيادة الرئيس.. هل تسعى أنت لشيء؟».

ولم يكن الجمهوريون راضين عليه كذلك في فترة حكم ريغان. ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فانه في عام 1985 بدأ السيناتور الجمهوري جيسي هيلمز يحث الجمهوريين على شراء أسهم محطة «سي بي أس» للتمكن من أن يصبحوا «رؤساء دان راذر». ولا يهضم الجمهوريون كذلك، حضور راذر لحفلات جمع تبرعات الحزب الديمقراطي. ووسط المعارك الانتخابية الجارية عبر القنوات التلفزيونية الأميركية هناك موقع انترنتي خاص يرصد ما يصفه بتحيز راذر في برامجه. واسم هذا الموقع Ratherbiased.com ويواصل مركز البحوث المحافظ بانتظام بث تعليقات حول راذر ضمن موقعه على الانترنت.

* موقع إلكتروني : نوثق أحد أكبر صحافيي أميركا المسيسين

* (راذر بايسد دوت كوم) او انحيازات راذر. موقع إلكتروني حرص اصحابه من الجمهوريين على رصد كل ما يصدر عن الإعلامي المخضرم دان راذر، مذيع الأخبار الأساسي في شبكة «سي بي أس» التلفزيونية الأميركية ومدير تحرير نشرتها المسائية. يلقي الموقع الضوء على مسيرة راذر المولود عام 1931، وتوثق صفحاته الإلكترونية الكثير من تصريحاته وأعماله «المنحازة» بحسب زعمهم من أواسط الستينات حتى هذه السنة، بالتاريخ والمصدر. ويعرض الموقع التناقضات في تصريحات الإعلامي الأميركي نفسه، إلى جانب الفروقات بين طريقة تغطيته للأحداث وتغطية زملائه في قنوات أخرى.

أما عن سبب الاهتمام الخاص براذر دون غيره، فيقول غريغ شيفلد وهو أحد محرري الموقع: إن ذلك يعود لكون راذر من أكثر الإعلاميين شهرة وبالتالي الأكثر تأثيراً في اميركا.

ويضيف شيفلد إن الهدف من نشر هذه المعلومات هو كشف كيف تؤثر آراء مثل هذا الإعلامي السياسية الشخصية في تغطيته للأحداث، خصوصاً أنّ لراذر مواجهات طويلة وقديمة مع الحزب الجمهوري في ما يتعلق بسياساتهم الخارجية والداخلية، فيما لم يتصادم سوى مرات قليلة مع الديمقراطيين.

آخر قضايا الموقع هي تلك المتعلقة بالوثائق التي قدمها راذر ضمن برنامج 60 دقيقة، وتدعي أنّ الرئيس الأميركي جورج بوش كان غير مؤهلاً للطيران عندما كان ضمن فرقة «حرس تكساس الجوي الوطني». ومن أشهر التصريحات للصحافي الأميركي تلك التي كررها على برنامج «لاري كينغ لايف» عام 2003 التي قال فيها «أنا أميركي... ولم أدع أبداً أنني صاحب توجه دولي... وعندما تكون بلادي في حرب، أريدها أن تفوز.. لذلك فأنا لم ولن أناقش كون هذه التغطية ذات حكم مسبق، هي كذلك بالفعل».

عمل دان راذر مراسلا في البيت الأبيض لشبكة «سي بي أس»، ويصنف ثالث أكثر مذيع أخبار مشاهدة بعد توم بروكاو من شبكة (أن. بي. سي) و بيتر جينيغر من شبكة (أي. بي. سي).

* من هو دان راذر؟

* ولد الصحافي الأميركي دانييل إيرفين راذر في 31 أكتوبر (تشرين ألاول) عام1931، وحصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام من كلية سام هوستون عام 1953. بدايته الصحافية كانت مع وكالة الـ«أسوشييتد برس» ومن ثم وكالة الـ UPI. وقبل التحاقه بشبكة «سي بي أس» كان راذر يعمل مع محطة حليفة للشبكة في هيوستن. عام 1962 التحق راذر بـ«سي بي أس»، بعد أن أعجب المسؤولون في الشبكة بتغطيته لحادثة الإعصار «كارلا». دان كما يعرفه مشاهدوه، أول من نقل خبر وفاة الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي تأثراً بالاصابات التي تعرض لها جراء عملية الاغتيال، بحسب ما ذكر في سيرته الشخصية. بقي راذر الطفل المحبب لـ« سي بي أس»، لذلك أصبح مراسلها لدى البيض الأبيض في عهد الرئيس نيكسون، ومن ثم مذيعاً أساسياً في نشرات عطلة نهاية الأسبوع ومراسلاً للبرنامج الخاص 60 دقيقة. تلا ذلك جلوس راذر على كرسي المذيع الأساسي يومياً من خلال «نشرة المساء» ابتداء من التاسع من مارس (آذار) عام 1981. إلا أنّ شبكة «سي بي أس» مرت بفترة عصيبة بعد ذلك وقامت بتسريح الكثير من موظفيها، وعلى الرغم من خفض راتبه والتقليل من الثقل الموضوع على «نشرة المساء» بقي راذر في المحطة، وقد أنتجت هوليوود عام 1987 فيلماً عن هذه الحقبة بعنوان «برودكاست نيوز» لعب فيه الممثل جاك نيكلسون دور راذر. راذر لا يزال اليوم المذيع الأساسي لـ«سي بي أس» وقد عرف عنه عداؤه المزمن للحزب الجمهوري، ويذكر أن ابنته روبين تعمل مع الحزب الديمقراطي في ولاية تكساس.