الممثل المغربي محمد حسن الجندي: طردت من الإذاعة رغم أن ابن عمتي كان وزيرا للإعلام

الملاكم الذي تحول إلى نجم سينمائي: عندما مات والدي تحررت من سلطة الأب * المغرب من أوائل البلدان العربية التي أنشأت التلفزيون.. ولكننا ما زلنا متخلفين في المجال الإعلامي إلى أقصى الحدود

TT

ابدى الممثل المغربي المعروف محمد حسن الجندي، حماسا واضحا لاجراء حوار معه على شكل مذكرات شخصية يرويها لنا، تؤرخ لمراحل مختلفة من حياته التي فيها محطات غنية بالاحداث على المستوى السياسي والفني، لانها المرة الاولى التي تتاح له مثل هذه الفرصة كما قال، بالرغم من ان الامر يتطلب برأيه وقتا اطول ولايمكن اختزال المذكرات في جلستين فقط.

تحدث الجندي عن طفولته وعلاقته بوالده الذي كان شيخا متصوفا باحدى الزوايا، وعن فترة الغليان السياسي التي كان يعيشها المغرب قبيل الحصول على الاستقلال وبعده، عن علاقتة الحميمة بالاذاعة ثم بالتلفزيون، قبل ان يتحول الى نجم سينمائي عربي عندما شارك في فيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد، وفيلم «القادسية» لصلاح ابو سيف. وحافظ الجندي على صورته ومكانته واحترامه لجمهوره «لاني غير مستعد لاغامر باسمي من اجل القرش»، كما قال.

* ما هي الذكريات التي تحملها عن مرحلة الطفولة والشباب؟

ـ بداية اقول انه لايمكن ان افصل تجربتي الشخصية عن المرحلة التاريخية التي كان يعيشها المغرب كما لا يستطيع الانسان ان يلخص هذه التجربة في جلسة او بضع جلسات لانها كانت محاطة بكثير من التجارب بين عهدين: عهد الاستعمار وعهد الاستقلال، فشاء الله ان اعيش بداية شبابي وبلدي في ذروة الانفجار، وكانت المقاومة قد استعدت لطرد هذا الاستعمار بداية الخمسينات، وزاد في هذا التأجج والتأزم نفي رمز المغرب في ذلك الوقت الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله، ونفيه كان سببا لنتعلم منه الوطنية رغم حداثة السن.

كنا نسكن بحي القصورفي مراكش وهو من الاحياء الاولى التي اسسها المرابطون وبناها الموحدون.

تربيت في وسط أسري يجمع بين المتناقضات، فوالدي رحمه الله كان من شيوخ الزاوية «التيجانية» وكان ابن عمتي عبد الله ابراهيم يسكن في «المواسين»، وهو حي قريب من حينا، ويوجد به اعظم واشهر مساجد مراكش، هو مسجد المواسين. وهو من مؤسسي الحركة الوطنية. وفي هذا يبرز التناقض الذي اشرت اليه، فبقدر ما كانت الزاوية لا هم لها الا ترديد الاذكار وممارسة الطقوس الصوفية، بقدر ماكان الجانب الآخر في اسرتي يعرف ثورة شبابية يجسدها الاستاذ عبد الله ابراهيم (اول رئيس حكومة يسارية في المغرب) وتستعد لانطلاق الحركة الوطنية.

واشير هنا الى ان الزاوية كانت محط عناية بعض الحكام المغاربة وعلى رأسهم الباشا التهامي الكلاوي، الذي كان يعتقد في الزوايا الشيء الكثير، وكان يصاب بالصرع، ويأتي بأحد شيوخ هذه الزاوية ليتولى علاجه، وكان والدي رفيقا لهذا الشيخ، وهناك حكايات كثيرة تروى في هذا الاطار.

* ماهو نوع الدراسة التي تلقيتها؟

ـ والدي كان يرى ان الدراسة في المدارس العصرية نوع من الانسلاخ عن الشخصية الوطنية، فنحن وكما كان يردد دائما، قدرنا ان نتخرج من الكُتاب ونلتحق بكلية ابن يوسف ونتخصص في الشريعة وعلوم الدين، ويجب ان ينحصر اهتمامنا في هذا المجال، كشأن جل المغاربة آنذاك..لكن تيارا آخر كان قد بدأ في البروز، ومن حسن حظنا ان هذا التيار كان يمثله واحد من اسرتنا، ولم نكن بعيدين عنه، الامر الذي خلق نوعا من الضغط على والدي ودفعه للانفتاح نوعا ما، والسماح لنا فيما بعد بالالتحاق بالمدارس، ونقتدي بالشباب العصري على مستوى اللباس وطريقة تصفيف الشعر بعدما كنا مجبرين على حلق الرؤوس. لانه كما كان يقول: «من تشبه بقوم اصبح منهم».

* هل تتذكر المدارس التي كنت تدرس فيها؟

ـ عندما سمح لنا والدي بالدراسة اشترط الا نلتحق بمدرسة تدرس اللغة الفرنسية. فالتحقت بمدرسة اسمها المدرسة الحسنية عام 1946، وانا من مواليد 1938، وكانت مدرسة نموذجية يديرها الاستاذ الحبيب الغيغائي، احد الزعماء الوطنيين.استفدنا من برنامج تعليمي هائل وتعرفت على المسرح للمرة الاولى في هذه المدرسة، حيث كنت اشارك انا واخي الاكبر في تشخيص بعض الادوار المسرحية. في هذه السنة توفي والدي وعمره آنذاك 63 عاما، وبموته شعرنا اننا تحررنا من سلطة الاب، عندما كان يعاني من سكرات الموت، بدأ يبتسم وعيناه دامعتان ويقول لنا: «لماذا تبكون، عليكم ان تفرحوا لاني سأموت في نفس السن الذي توفي فيها محمد رسول الله، سيد البشر».

في عام 1948انتقلت الى مدرسة «الباشا» حيث كنا نتلقى تعليما مزدوجا اي باللغتين العربية والفرنسية، وفي غياب سلطة الاب كنت اجد حريتي في اللعب واللهو. ولم اكن مواظبا على الدراسة.

* وكيف كانت علاقتك بوالدتك؟

ـ الوالدة لم تكن تغادر البيت عندما كان والدي على قيد الحياة الا في مناسبات قليلة، ولم تكن تعرف ما يحدث في الخارج ولا حتى مكان السوق. كانت تربطني بوالدتي علاقة متينة، بعد وفاة والدي حاولت ان تغير حياتها بشكل هائل، وتتعلم كيف تواجه الحياة وفي نفس الوقت تأخذ بلجامنا حتى لا نخرج عن سيطرتها.

وظلت والدتي مع ذلك متمسكة بلباسها التقليدي اي «الحايك» حيث كان ارتداء المرأة للجلباب يعتبر خروجا عن التقاليد. وكم من امرأة عانت ما عانت بمجرد انها ارتدت الجلباب. ومعلوم ان هذه المسألة تم استغلالها من طرف بعض المتعصبين لزرع الفتنة وتأليب بعض القبائل على الملك محمد الخامس الذي سمح لابنته ان تظهر بلباس عصري. والباشا الكلاوي نفسه استغل هذا الموضوع لاثارة البلبلة، خصوصا وان عددا كبيرا من الأسر المغربية الوطنية بدأت بدورها تسمح لبناتها بالتحرر من اللباس التقليدي.

* هل اكملت دراستك ؟ ـ لم أكمل دراستي واجتزت المرحلة الابتدائية فقط، وتعثرت في المرحلة الثانوية، الا اني واصلت حضور بعض الحلقات الدراسية في كلية ابن يوسف، حيث كان يسمح للعامة بالحضور الى جانب الطلبة الرسميين من خارج مراكش الذين كانوا يستفيدون من السكن والمنحة الدراسية، وهي عبارة عن خبز وتمر. حضوري للكلية وان كان بشكل غير منتظم، كان يمنحني شعورا بأني على الاقل مرتبط بمؤسسة تعليمية وان كان ارتباطا غير منتظم.

* كيف كنت تتابع الاحداث السياسية في تلك المرحلة ؟

ـ في تلك المرحلة بدأت الاحداث تأخد منحى آخر اكثر انفعالا، وبدأ السلطان محمد الخامس يزعج السلطات الفرنسية، التي شرعت في اعتقالات واسعة في صفوف الوطنيين الذين كنا ننظر اليهم كابطال، وفي مقدمتهم عبد الله ابراهيم اطال الله في عمره، وعبد القادر حسن، ومولاي احمد المنجرة، واحمد الملاخ، والمختار السوسي وغيرهم.

كنت اتابع الاحداث في البداية كمتفرج، اراقب الوطنيين وهم يخرجونهم من بيوتهم مكبلين.

*وهل انخرطت في العمل السياسي بشكل مباشر؟

ـ ذات يوم من سنة1952 تعرفت على شاب اسمه محمد فلندي من نفس الحي. اعجبت بقوته، بعدما تعارك مع اثنين من الاشخاص وانتصر عليهما. ثم اعتقل الشاب بعد ذلك فبقينا نتابع قصته وبعد الافراج عنه تعرفت عليه عن قرب واخبرني بأنه يتدرب في احدى اندية الملاكمة فالتحقت بهذا النادي اقتداء به، كانت بنيتي الجسمانية اكبر من سني باربع او بخمس سنوات.

التحقت بالنادي واصبحت صديقا للملاكم وبعدما عرف صلة القرابة بيني وبين عبد الله ابراهيم، عرفني على احد الوطنيين، هو سيدي محمد بلحاج البقال. الذي كان اول شهيد حكم عليه بالاعدام اثناء انطلاق الحركة الوطنية عام 1954. والبقال، رجل بسيط ومتواضع، ترأس خلية المقاومة التابعة لحزب الاستقلال. ونفذ فيه حكم الاعدام بعد تفجير قطار كان مقبلا من الرباط في اتجاه مراكش، وهو قطار كان متوقعا ان يركبه الباشا الكلاوي. في هذه الفترة نفي محمد الخامس وخرجت مظاهرات ضخمة وحدثت مواجاهات عنيفة فقتل من قتل واعتقل كثيرون.

* وماذا كان نصيبك من كل هذه الاحداث؟

ـ كان نصيبي الاعتقال وان اقضي مدة شهر في السجن لمجرد اني كتبت بعض الشعارات على الحائط، بيد انهم كانوا يعرفون علاقتي ببعض افراد الخلية التي قامت بتفجير القطار، وان كنت لم اساهم في العملية ولا علم لي بها. ثم جاء الاستقلال وترجمت ذلك الحماس في الجانب الفني، وكانت الانطلاقة نحو الاتجاه الذي اراد الله ان اسير فيه.

* الم تصطدم بمعارضة الاهل؟

ـ طبعا واجهت معارضة من طرف الوالدة لان كل الآباء والامهات يريدون ان يطمئنوا على مستقبل ابنائهم، والحركة الفنية في ذلك الوقت لا مستقبل لها، كانوا يتساهلون نسبيا في ممارسة الفن كمجال تكميلي للدراسة. وهذا التخوف من المجال الفني كان مبررا الى حد ما لان عددا كبيرا من الشباب الذين توجهوا الى هذا المجال وبالرغم من ان مستواهم الدراسي كان جيدا الا ان انتماءهم الى الميدان الفني دمرهم وغرقوا في البهيمية الى اقصى الحدود، ومن بينهم من انتهى نهايات سيئة، لكن في مقابل هؤلاء كانت مجموعة اخرى من الشباب الذين استطاعوا ترميم ما يمكن ترميمه وان يقفوا على ارضية ثقافية صلبة رغم افتقادهم للشهادات، وشاء القدر ان أكون من ضمن المجموعة الثانية، لاني تحديت الكثير من الصعاب.

* عملك في الاذاعة كان يفرض عليك الانتقال الى الرباط كيف تم ذلك ؟

ـ عندما سافرت الى مدينة الرباط عام 1957 لم يكن ذلك بالامر الهين لانه لم يكن لدينا اقارب او معارف في الرباط لاستضافتي، فعانيت كثيرا من اجل الحصول على مسكن، وعندما التحقت بالاذاعة كنت انتظر شهورا للحصول على الدريهمات التي كنت اتقاضاها كراتب بعد انضمامي لفرقة التمثيل بالاذاعة. ثم فكرت في تأسيس فرقة مسرحية بمدينة مراكش فكنت مضطرا للتغيب عن العمل وعندما عدت من جديد وجدت انهم استغنوا عني في الاذاعة، فأسست فرقة «الشبيبة العاملة» في الرباط، بيد أنني تعرضت لمتاعب كثيرة فعدت من جديد للاذاعة. واشير الى انه عندما طردت للمرة الاولى من الاذاعة كان ابن عمتي عبد الله ابراهيم قد عين وزيرا للاعلام ولم ألجأ اليه قط.

بعد عودتي الى الاذاعة حصل انقسام بين اعضاء فرقة التمثيل الاذاعي بسبب اختلاف الانتماءات السياسية، وكان النقاش محتدما بيننا، بين تيار محافظ وتيار ينادي بالتطور. وكان من الطبيعي ان اكون في صف عبد الله ابراهيم، ونتيجة لهذا الخلاف، ومن اجل ابعادي عن الجدل السياسي الذي كان محتدما داخل الفرقة، تم نقلي الى القسم الامازيغي، باعتباري امازيغيا، واشتغلت مدة قصيرة في القسم الامازيغي وثبت اننا غير مهيئين لذلك، فكان مستوى البرامج ضعيفا جدا، الى ان انصفني المدير العام المهدي المنجرة، واعادني الى صف الفرقة بعد ان لاحظ غيابي عن المجموعة. ومرة اخرى لم يعرف عبد الله ابراهيم بكل هذه الاشياء التي حصلت معي حتى الان، ولم ألجأ اليه بالرغم من انه اصبح فيما بعد رئيسا للحكومة. وحتى وان كنت قد لجأت اليه فلن يرضى باستغلال منصبه ويتدخل كواسطة لحل مثل هذه الامور. لقد تربينا على نفس المبادئ. ولو كنت شخصا آخر، لاصبحت مديرا عاما للاذاعة او في اي منصب آخر، بيد اني لست من تلك الطينة.

* ماذا تذكر عن البدايات الاولى لانطلاق البث التلفزيوني في المغرب ؟

ـ انطلق البث التلفزيوني في المغرب عام 1962 وتم ذلك بطريقة ارتجالية تصل الى حد الهزل، اذ كان الاعتماد على الموهبة فقط، فكان البث يتم من غرفة في الطابق العلوي لمسرح محمد الخامس، مع الاستفادة من استوديو «عين الشق» في الدار البيضاءالذي كان قد انشأ في عهد الحماية عام 1948 كمرحلة تجريبية، للبث التلفزيوني في المغرب، واعتبارا لذلك فنحن من بين اول البلدان العربية التي انشأت محطة للتلفزيون، وان كنا حاليا نعتبر في مؤخرة هذه الدول في المجال الاعلامي ومتخلفين الى اقصى الحدود.

* وكيف كنتم تعيشون هذه التجربة المرتجلة ؟

ـ لم نكن نتوفر على وسائل تقنية للتسجيل وكان يحصل خلط، هل التلفزيون هو الغرفة الموجودة في مسرح محمد الخامس ام هو استوديو عين الشق بالدار البيضاء.

من جهة اخرى، كانت تدخلات مباشرة وطائشة لمسؤولين كبار تتم عبر الهاتف، لحذف برنامج معين او طلب استبدال مطرب بآخر تصل الى حد الكوميديا.

ورغم ذلك حاولت نخبة الفنانين ان تسلك سلوكا يرضي الى حدما الضمير، للمساهمة في هذه الانطلاقة والسير الى الامام، حيث لا مجال للتراجع والا سيمتلئ الميدان بالمتطفلين اكثر، فما كان علينا الا ان نشتغل في هذه الظروف ونعتمد اكثر على استوديو عين الشق المتوفرة فيه شروط العمل التلفزيوني. كانت تقع من حين لآخر احداث وطرائف، وكان الفنانون يدبرون مقالب لبعضهم البعض، فنحن لم نكن تعساء الى حد كبير في هذه البداية رغم ارتجالها، كنا نعتبرها مثل سائر الامورفي بلد حصل اخيرا على الاستقلال، لكن لم نكن نعلم ان هذه الحالة ستستمر بعد مرور خمسة واربعين عاما من الاستقلال.

* ومع ذلك استطعت ان تقدم اعمالا اذاعية وتلفزيونية متميزة، اليس كذلك ؟

ـ كنت اول من اخرج مسلسلا تلفزيونيا في المغرب هو «بائعة الخبز». كانت الحلقات تعرض مباشرة على الهواء وبسبب ضعف الامكانيات كنت اضم الى مشاهد المسلسل بعض الصور الفوتوغرافية كلقطات صامتة. ثم بدأت اعتمد اكثر على الاذاعة حيث تتيح لي المؤثرات الصوتية المتوفرة فيها ان اسبح بخيالي كيفما اشاء، وان اقدم اعمالا عديدة من بينها:«سرالانتحار» «بائعة الخبز« «العنترية» «الازلية» «شقيق الهموم» وعشرات الاعمال الاخرى.

من جميل ما في الاذاعة انهااعطتني بعض الوقت للعودة الى المسرح، اسجل واتفرغ للتأليف المسرحي،حيث كنت اكتب واخرج لفرقة الفن المسرحي بالرباط، إذ قدمت لها عددا من الاعمال المسرحية الناجحة التي حازت جوائزعلى مستوى مسرح الهواة. و كتبت اعمالا اخرى من اهمها: «القضية» حول موضوع القضية الفلسطينية، شاركنا بها في مهرجان المسرح العربي الحديث، ثم مسرحية «انا وشامة» و«خالتي راضية» و«الحقيقة ماتت» و«الكنز الخفي» ثم «شاعر الحمراء».

* وكيف كنتم تنظرون الى التجارب السينمائية انذاك ؟ ـ السينما آنذاك كان لها توجه فرنكفوني واستعماري محض، حيث كانت الافلام تصور المغرب بطريقة مشوهة فيها اعتداء على تقاليدنا وعاداتنا. كما كان يتم الترويج للسياحة المغربية بطريقة صادمة، واتذكر في هذا المجال ان مجلة «اخر ساعة» المصرية نشرت آنذاك مقالا عن السياحة المغربية مدعما بصور عبارة عن امرأة تضع «خراسي» في أنفها، ورجل يقبل ثعبانا، فاتصلت بأنيس منصور، رئيس تحرير المجلة آنذاك، مبديا اعتراضي على تلك الصور فاجابني بان وزارة السياحة المغربية هي التي أمدتهم بتلك الصور، بالرغم من ان المقال كان مكتوبا بطريقة جميلة.

* مشاركتك في فيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد عام 1973 تشكل محطة رئيسية في حياتك، هل لك ان تحدثنا عنها ؟

ـ مشاركتي في فيلم «الرسالة» تمت عندما قدم العقاد الى المغرب، وكان يبحث عن اماكن ملائمة لتصوير فيلمه فوجد ان المغرب هو المكان الانسب لذلك، فعبر عن رغبته في اشراك ممثلين مغاربة في عمله السينمائي، فقدمت اختبارا امامه فرشحني لدور «ابي جهل». ولكن للاسف اختيار العقاد للمغرب تسبب له في ملاحقة اعلامية، حيث كانت الصحافة تشيع انه سيظهر هيأة النبي محمد صلى الله عليه وسلم رغم انه لم ينطلق في انجاز عمله الابعد الحصول على موافقة الازهر الشريف، وكان ختم الازهر مطبوعا على السيناريو. ونتيجة لتلك الملاحقة توقف التصوير في المغرب في ضواحي مراكش وانتقلنا الى الصحراء الليبية في منطقة بين «طرابلس» و«سبها» حيث صور الجزء الاكبر من الفيلم هناك. اذكر هنا واقعة طريفة حدثت معي في لبنان، فبينما انا جالس في زاوية في مقهى معروف اذا بأصوات مألوفة لدي تصل الى سمعي فالتفت لاجد كلا من الممثل المصري الراحل عادل أدهم والممثل السوري عبد الرحمن ال رياشي يتحدثان عن الشخصية التي اديتها في الفيلم وكل واحد منهما يقول للآخر بأن العقاد كان قد وعده بأداء ذاك الدور وابديا استغرابهما بانتقال الدور الى ممثل مغربي غير معروف، بعدما تأكدت بأن الحديث يدور حولي تقدمت نحوهما وقلت لهما : اعرفكم بنفسي انا هو ابو جهل. ولم يكونا قد تعرفا علي من قبل ومنذ ذلك الحين نشأت صداقة بيننا.

* كيف مرت ظروف التصوير ؟

ـ استغرق تصوير الفيلم حوالي عام ونصف العام، وكان لي الشرف اني شاركت في النسختين الانجليزية والعربية، حيث اديت دور «كسرى» في النسخة الانجليزية. كنا نصور المشاهد بالتناوب مع الانجليز، فبعد انتهائهم من تصوير المشهد نتقدم نحن العرب لنصور نفس المشهد.استفاد بعضنا من بعض وكان الممثل الراحل عبد الله غيث يقول لي باننا هنا لندخل في مباراة يومية مع الانجليز. وبعد توالي ايام التصوير اقترح الممثلون الانجليز على المخرج بأن يبدأ الممثلون العرب تصوير مشاهدهم ثم يأتي دورهم بعدنا، بسبب ادائنا الجيد وبحكم اننا الاكثر فهما للحقبة التاريخية التي كان يصورها الفيلم.

* كيف كانت علاقتكم بالمخرج ؟

ـ كانت علاقة في قمة الأدب كان يهمس في الاذن عندما يريد توجيهنا ويتمتع بأخلاق عالية، وهو رجل أسرة لم يكن والده ووالدته يفارقانه اثناء التصوير الى ان اصبحا جزءا من فريق العمل. كانت تجربة رائعة مع مخرج رائع.