«طارد الأرواح».. بشاعة الصورة وغرابة الأسطورة لا تصنعان فيلم رعب ناجحا

لماذا يلجأ المخرجون إلى أجزاء ثانية من أفلامهم إذا لم يكن لديهم جديد؟

TT

في حديث له حول فيلم «قتلة بالفطرة» Natural Born Killer تحدث مخرجه الأميركي اوليفر ستون حول بعض المشاهد التي اقتضت رؤيته الخاصة حذفها من نهاية الفيلم وتصوير نهاية اخرى بغية إعطاء فرصة اخرى لإنتاج جزء آخر في حال وجود الدافع السينمائي الدرامي او حتى المادي لذلك، وهي حيلة يتخذها العديد من المخرجين بغية إعطاء فرصة نجاح اخرى تابعة للنجاح الذي حققه الجزء الأول. ومن هنا ينشأ التساؤل حول الهدف والغاية من انتاج اجزاء اخرى لإفلام كان من المفترض انتهاؤها حيث انتهت اجزاؤها الأولى، يتعين ذلك حينما يكون جزؤه الأول يعتمد على مادة مقتسبة من رواية ادبية وقبل ذلك على احداث حقيقية ووقائع مسجلة وموثقة لا تحتمل نتيجة لذلك وبحال من الأحوال إنجاز وتحقيق جزء تابع وسلسلة اخرى لاحقة، وهذا هو حال الفيلم الجديد وآخر اجزاء فيلم الرعب الكلاسيكي الشهير «طارد الأرواح» The Exorcist الذي كان ولا يزال يحتفظ بمكانة مرموقة كونه احد افضل افلام الرعب التي أنتجت في تاريخ السينما الأميركية. إنه ليس من المستغرب ان تحقق العديد من الافلام والأجزاء حول افلام رعب اخرى يمكن ان تنسج حولها حكايات شتى، ولكن الشيء الذي لم يكن بالإمكان استيعابه هو ان فيلم «طارد الأرواح» ليس كذلك، فهو ليس فيلما عن دراكولا او قاتل تسلسلي مهووس يتتبع خطايا الماضي او كابوس يهيم بشارع ايليم، فالفيلم الذي كان من المفترض ان يكون دراسة روحية نفسية ودينية حول العلم والإنسان، وعلاقته بالدين والعقل في عصر النهضة والحداثة، اصبح ابتداء بجزئه الثاني مجرد تصاوير مقززة وصور بشعة وخرافات واساطير تزداد غرابة ليصبح في جزئه الأخير رحلة اخيرة لعالم ومزيج فريد بين المومياء المصرية والزومبي الغربية تقع احداثها في شرق افريقيا.

في فيلم «طارد الأرواح:البداية»The Exorcist : The Beginning يرجع بحياة القس مارين ـ الذي سبق ان كان له الدور الفاعل في طرد الروح الشريرة من جسد الطفلة الصغيرة في جزئه الأول ـ الى شبابه، وتحديدا بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث هجر وقتها الكنيسة وتخلى عن الأبوية نتيجة ماض مؤلم ليعمل كباحث اثار وتحف نادرة. ينتقل الى افريقيا الشرقية وتحديدا في كينيا للقيام بمهمة انيطت به للبحث عن تمثال غريب ومثير، يخفي في داخله العديد من الخفايا والأسرار، وذلك ضمن الأعمال القائمة حول كنيسة تاريخية مطمورة يتم التنقيب عنها، ولكن المكان لم يكن مجرد موقع تاريخي اثري بل هناك الكثير من الأسرار والأحداث الغريبة التي اصابت بعض العاملين بالإضافة الى القبيلة الأفريقية التي كانت تجاور منطقة التنقيب والتي شهدت العديد من حالات الموت المفاجئ والغريب طارحا تساؤلات حول الأسباب وراء كل ما يحدث. استلهمت قصة الفيلم من حديث دار بين القسين مارين ودامين كاراس في الجزء الأول من السلسلة حين اشار مارين الى انه عمل قبل ذلك في افريقيا حيث مارس هناك «الطقوس الرومانية لطرد الأرواح الشريرة»، ولكنه رغم ذلك فقد فشل القائمون على الفيلم في خلق قصة تعطي بعدا دراميا وروحانيا كما كان عليه جزؤه الأول.

الفيلم لقى صعوبات عديدة في اختيار مخرج مناسب لهذا العمل، فبعد ان توفي المخرج جون فرانكهايمر، الذي اعتذر عن اخراجه بعد ان كان مقررا له ان يقوم بإخراجه تولى زمام الأمور اخيرا المخرج الأميركي ريني هارلين.

سبق لهارلين ان اخرج عددا من افلام الحركة والإثارة التي ارتقت احيانا الى مستويات جيدة كما هو الحال مع افلام «الموت الصعب 2» Die Hard2وفيلم (Long Kiss Goodnight)، ولكنه يخسر الرهان في هذا الفيلم الذي استخدم فيه ادواته التي يستخدمها في إخراجه لأفلام الحركة، ليعطي طابعا مليئا بالحركة والإثارة المصطنعة التي انتزعت القيمة الفنية التي كان يتمتع بها طارد السبعينات.

الممثل ستيلان سكارجارد قدم في السابق عدة ادوار جيدة في افلام هوليوودية وافلام اخرى غير أميركية فهو رفيق تقليدي للمخرج السويدي لارس فون تراير، وهو بتقديمه لشخصية القس مارين في هذا الفيلم لا يقدم له اي جديد يحسب له في مشواره الفني، فإفتقاده الى الروحانية والكارزما المناسبة افقدت الشخصية رونقها وجاذبيتها التي استطاع الممثل السويدي العظيم ماكس فون سيدو رسمها في جزئه الأول والتي بقيت طوال السنوات اللاحقة وحتى يومنا هذا تعد إحدى افضل الأدوار والشخصيات الدينية التي ظهرت في السينما الى جانب شخصية السيد المسيح. وفي النهاية فلم يكن فقدان الشخصية الرئيسية في الفيلم بعدها التاريخي والسينمائي والدرامي على حد سواء لم يكن إلا نتيجة حتمية لإنهيار وإنحطاط كلي شمل اطراف الفيلم واركانه ابتداء بنصه المبتذل وإخراجه المهترئ وانتهاء بالأداء الجامد والصورة المبتذلة.

[email protected]