استقبال الآخر في السينما

TT

عندما شاهدت فيلم «بيكشوت» الأرجنتيني، أو الفيلم الهندي الشبيه به «سلام بومباي»، انبهرت بـ«الواقعية» التي يتمتع بها كل من هذين الفيلمين في استعراضهما لمعاناة وانحراف الأطفال في مدن من العالم الثالث نتيجة نزولهم للشارع في سن مبكرة بسبب الفقر. ولكن الفيلمين جاءا من خلفية ثقافية وجغرافية وزمانية لا أعرفها واستعرضا لوضع لم أعايش مثيله ولا أعرف كيف يكون. فكيف لي أن أحكم لهما بالواقعية؟ لقد كان تقييمي لهذين الفيلمين، أو على الأقل تقييم الواقعية فيهما، خالياً من أي دور إيجابي. فأنا لم أشاهد الفيلم مسلحاً بمعايير خارجية، بل استقيت المعايير من الفيلم نفسه، وبالتالي فإن تقييمي له لا يخل من التسليم بأشياء كثيرة لا أعرف إلى الآن مدى دقتها.

لست أسوق المثال أعلاه لأقترح العودة بالنقد إلى عهده الأول، حيث كان يتوجب على الناقد قراءة كل شيء والتثقف في كل شيء ليصبح ناقداً. أو لأعود إلى نظرية أفلاطون، التي لا تنفك تثير ضحكي، والتي تقول إن مهمة النقد مقسمة حسب التخصص، فسائق العربة أقدر على نقد الجزء المتعلق بقيادة العربة في قصيدة ما، من أي ناقد لا يقود العربات، مهما تبحر في الأدب. ولكني أسوق هذا المثال لأتحدث عن أمانة المخرجين، ونوع معين من المخرجين، وهو (مخرجو المهرجانات).

يقصد بمخرجي المهرجانات أولائك الذين لا تحظى أفلامهم بنجاح محلي (أي في بلادهم)، ولكنها تحظى باحتفاء وتكريم في المهرجانات والعروض الدولية. ويقتضي وصف مخرج ما بأنه مخرج مهرجانات أنه لم يستطع التواصل مع جمهور بلده. وقد يكون ذلك عيباً وقد لا يكون كذلك. فإذا كان الجمهور في حالة هبوط جماعي، ويقبل على الأفلام التجارية التافهة ويعرض عن الأفلام الجادة القيمة، فلا يعيب المخرج عدم استطاعته التواصل مع هكذا جمهور. ولكن إذا كانت أفلام المخرج غير مقبولة عند الجمهور المحلي وناجحة على المستوى الدولي بسبب أن فيها عيوباً تظهر للجمهور المحلي وتخفى على الجمهور الأجنبي فهذه مشكلة كبيرة، لأن هذا يدل على أن المخرج قام بمجموعة تجاوزات لأنه يعرف أنها لن تقف في طريق الوصول إلى المهرجانات العالمية وانتزاع اعجاب النقاد الأجانب. أي أنه لم يكن صادقاً مع نفسه ومع الجمهور المحلي، وكان غاشاً للجمهور الأجنبي.

تعجبت عندما علمت مؤخراً أن ليف أولمان الممثلة التي قامت ببطولة عدد كبير جدا من أفلام المخرج السويدي العملاق إنغمار بيرغمان، وهي من أصل نرويجي، كانت تتحدث السويدية بلكنة خفيفة لا يدركها إلا الجمهور السويدي! وهذا، أي عدم إتقان اللهجة، واحد من أكبر العيوب التي ننتقدها باستمرار في المسلسلات الخليجية، وانتُقدت مؤخراً في حلقة من «طاش ما طاش» حيث كل فرد من العائلة يتحدث لهجة مختلفة. ولكن مهما يكن موقف السويديين من لكنة ليف أولمان، لا أعتقد أن هذه المعلومة ستغير موقف الجمهور العالمي من إنغمار بيرغمان. فيبدو أنه لا مناص من وجود اختلاف في المعايير بين الجمهور الاجنبي والجمهور المحلي. وقد يؤثر هذا الاختلاف سلباً أو إيجاباً في رؤية أحد الجمهورين للفيلم. المهم أن لا يكون هناك استغلال لهذه الحقيقة. فمثلاً، عدم نجاح فيلم «سلام بومباي» في الهند يجب أن يكون بسبب خلوه من عناصر الجذب للفيلم الهندي التجاري مثل اللوحات الراقصة والأغاني، وليس لأنه يدعي أنه فيلم عن الشارع الهندي وهو ليس كذلك. [email protected]