الأغنية العربية في تراجع وفوضى فنية شاملة هدفها «ترقيص الناس»

إيلي شويري: الإعلام والفضائيات وشركات الإنتاج هي المسؤولة * سحر طه: الأغاني «الكاملة الأوصاف» أصبحت نادرة والجديدة لم تعد تحمل قضية

TT

عنوان واحد يصح اطلاقه في ايامنا هذه للدلالة على واقع الاغنية العربية وهو «ترقيص الناس»، فقد اجتاحت الساحة الغنائية اسباب وعوامل متعددة، حولت الانتاج الحالي الى مزيج من الايقاعات السريعة الراقصة ولم يعد للموسيقى والاداء علاقة تذكر بالتطريب او المحافظة على الفلكلور الفني بالمواويل والعرب والجمل الموسيقية الصحيحة. ونسى القيمون على هذا المجال الفني انه يرتبط بحضارة الشعوب والمجتمعات، حتى بتنا لا نملك اي نموذج يعكس الرقي والتطور، لنكتفي باللون التجاري الذي لم يترك للجمهور حرية الاختيار، وانما اقتحم البصر والسمع من دون استئذان وفرض نفسه على الذوق العام.

وهكذا اصبحت الرغبة في امتهان الغناء وسيلة للشهرة، وليس وليدة الموهبة، فلم يعد الصوت الجميل هو الشرط الاساسي بل يكفي المظهر الجميل وتوفر المال اللازم لانتاج شريط غنائي وتصوير فيديو كليب.

«الشرق الأوسط» طرحت واقع الاغنية العربية مع الفنان ايلي شويري الذي عبر «عن استيائه من هذا الواقع لأنه فقد قيمته ووصل الى درجة من الانحطاط». وعن الاغاني الحديثة قال: «لا رأي لي بالاغاني الحديثة ولن أتوقف لحظة عندها فأحياناً عندما اسمعها للحظات ابتسم لها لكن لن اعترف بأنها طرب اصيل، فالأغنية ليست هجمة اجساد وبهذا الاسلوب لن نصنع فنا».

اما عن الموسيقى العربية ومكانها وسط هذه الموجة فقد اضاف شويري: «الموسيقى العربية ما زالت موجودة عند اصحابها، لكن انتاج هذه الموسيقى يحتاج الى المال لانها تحتاج الى مصاريف باهظة تختلف عن تكاليف انتاج ما نشاهده ونسمعه اليوم. الاغنية العربية اليوم في حال يرثى لها ولكن اربابها ليسوا السبب في تردي وضعها كل ما في الامر ان احداً لا يطالب بها لعدم وجود من ينتجها». وعن الاغاني الحديثة التي تفتقر الى الكلمات الجيدة ولا تعتمد على الصوت الجميل، انما فقط تتضمن لحناً مقبولاً قال شويري: «بعض الاغاني تلاقي النجاح لانها آتية من ثقافة شعبية فعلى سبيل المثال أغنيتي «الحاصودي» و«طل الصباح علوش» هما خفيفتا الظل لكن نجاح مثل هذه الاغاني مرده الى كثرة عرضها على الشاشات وبثها في الاذعات». مضيفاً «الاغاني الشعبية الرائجة اليوم فارغة من المعاني وعظمة الشعر والجذل، الا انها تروي حقيقة اناس وواقعهم فهي لم تأت من العدم. كما انها تلاقي نجاحاً لغياب ما ينافسها، ففي النهاية التلفزيون يبث ما يتوفر لديه، وان لم يكن فناً جيداً، فيما الفنان الحقيقي لا يجد من يعطيه حقه، لذا تغيب الاصوات الجميلة على ندرتها. وان استمر التلفزيون بتجاهله الفنان الحقيقي ستصبح الدنيا كلها في فوضى».

وعن غياب الاغنية الجيدة بشكل ملحوظ قالت الفنانة والناقدة الموسيقية سحر طه «كل انماط الغناء الشعبي والحضاري تشهد تراجعاً والسبب هو الانفتاح والتقنيات التي ادخلت على الموسيقى والاغنية، حتى اغنيات الرحابنة وزكي ناصيف وتوفيق باشا، والاغاني التي تتضمن عناصر حضارية وتقنية بدأت ايضاً بالاختفاء كون الفضائيات تروج لنوع واحد من الاغاني الحديثة الخالية بمعظمها من الاسس الجيدة، سواء من حيث اللحن والكلمة وحتى الصوت، ولا يمكننا ان نصفها بالاغاني الحديثة انما هي اغاني مستهلكة وتجارية يروج لها الاعلام بشكل عام وشركات الانتاج بشكل خاص وتعتبر «الدجاجة التي تبيض ذهباً» وللأسف اغاني اليوم تعتمد على الايقاع الجميل فقط وتهمل الكلمات». وتضيف: «نحن اليوم نعيش عصر الإنترنت و DVD والكومبيوتر. هذه المصطلحات لم يستطع كتّابنا وشعراؤنا ان يواكبوا من خلالها هذا العصر وان يكتبوا أغاني تتضمن المفردات التي نستخدمها في حياتنا اليومية، بل ما زالوا محافظين على كتابة الأغاني القديمة التي تصف الحب، والغرام والألم والفراق بشكل بدائي».

وعن الاغاني الحديثة واستمراريتها اجابت طه: «طبعاً، فالمنطق يقول ان كل طلعة وراءها نزلة والعكس صحيح. ونحن اليوم في عصر الإحباط والهبوط في جميع الميادين في الشعر والادب، التردي لا يقتصر على الموسيقى وانما يرتبط بالاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كل هذه العوامل تؤثر على وضع الاغنية، فهي بالنهاية لم تأت من فراغ إنما أتت وتأتي من الشعب وطريقة عيشه. مشكلتنا أننا لم نكن يوماً محصنين والجيل الجديد لا مناعة لديه، كوننا لم نعد نملك أسس تنشئة موسيقية وتذوق سليم للفن في المدارس والمناهج».

وحول الأغاني الجميلة والصادقة تضيف طه: «لا بد للأغنية الجميلة التي تمتلك مواصفات الصوت الجميل واللحن والاداء الجيد ان تعلق في اذهاننا، ولا ننكر تأثير المظهر الجميل على الجمهور، لكن من دون شك سيأتي شكل آخر اجمل منه. يأخذ مكانه. اما الموسيقى والاغنية الجميلة فهذه ثروة لا تفنى. والدليل على ذلك ان اغاني فيروز وعبد الحليم وأم كلثوم ما زالت ساكنة في قلوبنا وما زلنا نرددها حتى اليوم».

وعن العناصر الجيدة المطلوبة لإنجاح أغنية تقول طه: «ان الاغاني الكاملة الاوصاف باتت نادرة وكل ما اصبح يشغلنا هو المادة فنحن لم نعد نفكر بغيرنا أصبحنا غير مسؤولين ولا مبالين بمآسي بعضنا فما يهمّنا اليوم هو الترفيه وتناسي مشاعر الغير وأكبر دليل على ذلك أن الاغاني الحديثة لم تعد تحمل قضية».

واشارت طه الى «ان هذه الفورة في الغناء لا تحول من دون وجود مطربين ومطربات يغنون بشكل صحيح وصوت جميل وعذب. لكن هذه الاقلية لا تستطيع ان تقف في وجه هذا التيار لوجود مشكلة تتعلق بالانتاج، فهناك حوالي اربع شركات كبيرة معروفة هي المسيطرة والمحتكرة للسوق وهذه الشركات تتعامل مع شاعر وملحن وموزع تفرضهم على المغنين.

لكن الشعر الجيد واللحن الجيد موجودان في الساحة الفنية، ولو كان هناك تنويع في الشعراء والكتاب والملحنين لكانت الاغنية تحركت أكثر ولكانت افضل مما هي عليه اليوم».

وعن الاغاني الخليجية ووضعها الحالي وسط هذه المعمعة تقول طه: «منذ زمن، أي منذ بدأ الانفتاح (قبل حوالي عشر سنوات) بدأت الاغنية الخليجية تأخذ مكانها في العالم العربي ككل، لا سيما ان الكلمة فيها ما زالت محافظة على خصوصيتها وعلى صدقها، ولكننا بالتدريج ومنذ سنين نلاحظ ان هذه الاغنية تتجه نحو اللهجة البيضاء لكي تفهم أكثر من الشعب العربي مع ان نجاحها ارتبط عامة بالاستماع الى نوع جديد فأتت الموسيقى الخليجية ذات الإيقاع المختلف المتنوع الجميل والجديد وانتشرت بين الناس وحققت مرادها».

وعن الحلّ الذي يجب القيام به لتعود الموسيقى الى سابق عهدها قال شويري : «اخجل من قول الحقيقة لانني لا اريد ان اجرح الناس واؤذيهم. في الماضي كانت الدولة تهتمّ بثقافتها، كان هناك مسؤول وهيكلية ولجنة لكن للأسف اليوم تغيّر الوضع، فالانتاج الفني لم يعد مقتصراً على المثقفين واصبح رأس المال الأعمى بيد منتج جاهل وأُمي يهمه الشكل والربح السريع». والانقاذ لن يتم ما لم نثقل الفن بالاصوات الجميلة فقط، وان نغربل كل الاصوات السيئة التي تدمّر الغناء. بإختصار، اليوم بتنا لا نعرف ما هو السائد والضارب من الاغاني التي تصل الى قلب المستمع. بكل صدق... ونحن كمتلقين ومستمعين نسمع كل انواع الغناء لكن ما يبقى في اذهاننا هو الجميل المعبّر فقط».