حين يكون الجلاد.. عربيا!

ديانا مقلد*

TT

على مدى يومين نظم الصليب الأحمر الدولي ورشة عمل في بيروت مع عدد من ممثلي وسائل الإعلام والفضائيات والصحف العربية. كان محور النقاش في ورشة العمل هذه المعلومات التي يتكتم عليها الصليب الأحمر والمتعلقة ببعض السجون والمعتقلات، وامتناع هذه الهيئة الدولية عن تسريبها إلى الإعلام، كما حدث في قضية الانتهاكات الأميركية في سجن أبو غريب في العراق. ممثلو الصليب الأحمر جادلوا بأنهم يبقون معلوماتهم سرية كي يتمكنوا من مواصلة زيارة السجناء والمعتقلين وبالتالي الضغط على الحكومات والجهات المعنية من دون اللجوء إلى الإعلام، فيما حاجج الصحافيون أن في ذلك إخفاء لحقائق وانتهاكات خطيرة لا بد أن يطلع الرأي العام عليها.

وعلى هامش هذا النقاش الذي يبدو أن حجج طرفيه منطقية، جرت نقاشات جانبية بين الصحافيين حول مسألة لا تقل خطورة، لكنها لم تنل حقها من النقاش في منابر أخرى كثيرة. فما جرى في أبو غريب تم على يد جلاد أميركي وهو أمر ينسجم مع موقف عربي عام حيال التدخلات الأميركية في المنطقة. تقابل ذلك حقيقة أخرى وهي أن الإعلام العربي يعيش حالاً من التناقض حين يتعلق الأمر بانتهاكات قام بها عرب أو مسلمون، وهو أمر قائم ومقلق. وأبرز مثل على ذلك عمليات الإبادة والتطهير العرقي التي جرت في دارفور بإقرار منظمات دولية عديدة. فعدا عن القصور الإعلامي العربي لجهة تغطية أحداث ومآسي القارة الإفريقية بشكل معمق ودقيق فإن محاولات بعض وسائل الإعلام للالتفاف على حقيقة أن جماعات عربية تقف وراء عدد من الانتهاكات التي جرت في دارفور، أمر يدعو للتوقف والتأمل والمحاسبة الذاتية. في ورشة العمل التي نظمها الصليب الأحمر حضر صحافيون أكراد تحدثوا عما اعتبروه تقصير الإعلام العربي في نقل المآسي التي تعرض لها الأكراد على مدى تاريخهم في المنطقة، وهنا أيضاً تتكرر معادلة دارفور، فالجلاد عربي والضحية غير عربية. ذاكرتنا لم تمح بعد مشاهد مجازر حلبجة وعمليات الانفال التي ارتكبها نظام صدام حسين ضد الأكراد العراقيين آواخر الثمانينات وهي انتهاكات لاقت دفاعاً مستميتاً من بعض الجهات الرسمية العربية، بل لم يتوان البعض عن تبرير ما حدث حيال الأكراد وهم أقلية تعيش ارتباكاً في علاقاتها مع محيطها العربي والتركي والإيراني. وإن كانت مرحلة الثمانينات لم تشهد ازدهار الفضائيات الإخبارية والإعلامية العربية، كما هو واقع اليوم، فإن مأساة دارفور التي أتت في أوج التنافس بين الفضائيات ووسائل الإعلام أعادت تكرار نفس الخطأ. مجدداً، يتم تصنيف الضحايا في مراتب مختلفة وفق تفسيرات ذاتية وشعبوية أحياناً كثيرة. وحين لا تبدي وسائل الإعلام العربية حماسة كافية أو مستمرة لتغطية أحداث من نوع ما حصل في دارفور، فهذا مستمد من شعور وسائل الإعلام أن هذه المادة غير جذابة للمشاهد أو للقارئ العربي وهنا تتعدى المسؤولية وسائل الإعلام لتطال مجتمعاتنا بأكملها ونظرتها إلى هذه القضايا.

فنحن العرب نتعامل مع أنفسنا بصفتنا ضحايا دائمين، سواء في فلسطين أو في العراق أو في ظل أوضاعنا. ويبدو أننا عشقنا دور الضحية وبتنا نحاول طرد صورة أي جلاد قد يلبسنا. فإن ارتكبت انتهاكات ضد أكراد فهم في نظر بعضنا خونة تعاملوا مع أنظمة معادية، وإن فجر انتحاري نفسه في حافلة، أو قتل متطرفون أو ذبحوا غربياً بل وحتى عرباً، فهم فئة منا ومن أبناء جلدتنا، وعلى هذا النحو نتعامل معهم...

[email protected]