مخرجون سعوديون: «الفيلم الإسلامي» انطفأ قبل أن يتوهج

نسخ الأعمال ودخول القنوات الفضائية وانعدام كتاب السيناريو أبرز المعوقات

TT

تباينت آراء المتابعين السعوديين مؤخرا حول نشوء ظاهرة الفيلم الإسلامي في السعودية ضمن محاولة لرصد حركتها بتاريخها وتطوراتها ومن ثم تقييم هذه التجربة الفنية وتسجيل أبرز سماتها، إذ يرى البعض أنه عمل مات قبل أن يولد ولا يمكن أن يتطور في أكثر من مرحلة نموه الحالية، ويعتقد آخر بقدومه وتوثبه بقوة ومواصلة نموه الطبيعي حتى يكبر ويمكن المنافسة به. وكانت ملامح الفيلم الإسلامي ظهرت في السعودية خلال الأعوام الماضية بشكل ملفت، إذ اتجهت مجموعة من صناع هذه التجربة لتنفيذه على أرض الواقع وحققت حينها بعض المكاسب المشهودة.

وحول الرأي الذي يشير إلى أن ظاهرة الفيلم الإسلامي لا تعيش الآن فترة توهجها التي كانت قبل فترة من الزمن، وأنها تتجه الآن إلى انحسار مفاجئ، يرفض المخرج والمنتج محمد اليحيى ذلك خاصة في ظل عمله الكبير في صنع استوديوهات إنتاج كبيرة تلبي حسب قوله حاجة العمل الإسلامي بمختلف أنواعه، ولذا فهو يبدو متفائلا تجاه ظاهرة العمل الإسلامي ولا يراها بهذا الشكل.

ويذهب أحمد الجطيلي، مساعد مخرج، مع هذا، ويرى أن مسمى «الانحسار» يعطي تشاؤما أكثر من الواقع ولا يمثل الحقيقة، مشددا على أهمية أن تسمى هذه المرحلة بإعادة دراسة للأعمال الفنية الإسلامية الموجودة في الساحة حاليا لتلافي الأخطاء الفادحة التي وقعت سواء على مستوى الإخراج أو الأداء أو تكاليف الأعمال الناهضة مقارنة بالقدرة التسويقية والدعائية ومنافذ البيع والعرض. ويتفق مع هذا الرأي المخرج فهد العمر الذي يرى أنها مجرد عقبات بسيطة من أجل الانطلاق ومواصلة نموه كعمل فني قائم بذاته وله خط سير واضح. لافتا إلى أن الفيلم فن وثقافة وفكر، ولا بد من أناس ذوي مواهب عالية، فإذا كان الهدف التربية فلا بد من استخدام أفضل التقنيات المستخدمة في الإنتاج حتى تحقق الهدف والغاية المنشودة.

من جانبه، يؤكد المخرج سليمان الغنيم هذا الرأي القائل بانحسار الأعمال الإسلامية قائلا: يرجع هذا الوضع برأيي لأسباب وجيهة أبرزها دخول القنوات الفضائية بخلاف الماضي حين لم يكن هناك سوى الفيلم VHS، أي الفيديو المنزلي أو الحضور للعروض الفنية المتاحة للشباب. مضيفا أن الفيلم الإسلامي مصنوع بمواصفات لا تنطبق سوى على الشباب المتدين الذي يقبل على هذه الأعمال بشكل كبير.

وزاد الغنيم أن نسخ الأعمال بطريقة غير شرعية يتسبب في انحسار الفيلم الإسلامي فيؤدي إلى عزوف المنتجين لهذه الأعمال عن المغامرة في تبني هذه الأعمال. مضيفا أن من ضمن المعوقات القاتلة لمثل العمل الإسلامي الفني، عدم وجود دعم من قبل الجهات الرسمية واعتمادها على مراكز التوزيع الداخلي فقط.

وعن أبرز العقبات التي يتعرض لها العمل الدرامي الإسلامي، اتفق الجميع على أن عدم وجود كوادر فنية متخصصة تدير العمل أو دورات متخصصة لتنمية المواهب ورعايتها، يعتبر عقبة مهمة، إضافة إلى غياب الدعم المالي أو المنتج الذي يتبنى هذه الأعمال في ظل تكلفتها العالية ومردودها المتذبذب بسبب النسخ غير المشروع. في حين يرى الجطيلي عدم وجود وسائل إعلامية تقوم ببث هذه الأعمال ونشرها لتوصيلها في للجميع، مبينا أنه كان يتطلع بأمل في أن تكون قناة «المجد» الوسيلة الإعلامية الأولى التي تتبنى عرض هذه الأعمال.

بينما يعتقد فهد العمر أن هناك عقبة مهمة تتمثل بعدم وجود كتاب سيناريو مدركين معنى السيناريو والفرق بينه وبين النص الأدبي، إذ يجب إدراك أن كل سيناريو يضفي التأثير الدرامي في الفعل والشخصية، ويجب أن يعرف حول ماذا يدور الفيلم، وماذا يحدث للشخصية، ويجب أن يعرف أن الصراع والنزاع وتذليل العقبات مكونات أساسية في الدراما وذلك لشد المشاهد. وهو الأمر الذي يشير إليه أيضا اليحيى مسميا له بـ«عقدة النص»، حيث يوضح أن جميع النصوص المطروحة عبارة عن «كلام منمق»، على حد تعبيره. مضيفا أن عدم وجود مرجعية نقدية وتقييمية للعمل الإسلامي يعتبر عقبة.

أما الغنيم فأضاف أن العاملين في هذه الأعمال لا يزالون يفقدون الدعم اللوجستي من قبل أسرهم ومجتمعهم الصغير، فهم ما زالوا يعانون ممانعة أهليهم في الانخراط بهذه الأعمال التي يعتقد البعض أنها مدار الشبهة.

وحول المقترحات التي ستسهم بشكل كبير في إثراء مجال الدراما الإسلامية يعتقد المخرجون السعوديون أن وجود دورات متعددة ومتخصصة في مختلف المجالات من كتابة وتصوير وإخراج وتمثيل ومونتاج وماكياج وغيرها، سيساهم بشكل كبير في إثراء هذا المجال.

ويعتقد المخرج العمر أن الوضعية الأفضل لمثل هذه الدورات هي إقامة جمعية ترعاها بشكل مستمر ومتجدد، مضيفا أنه لا بد للعاملين في هذا المجال أن تكون نياتهم حسنة وهدفهم واضحا ونبيلا، متمنيا ألا تكون الشهرة أول أهداف الملتحقين بالمجال، مع ضرورة الإيمان في هذا الوسط بالقدرات والإمكانيات. وفي مواجهة الاتهام بكون القائمين على هذه الأعمال الدرامية في مجال العمل الإسلامي يتبعون طريقة ارتجالية بدون محاولة تطوير أنفسهم، كما يقول البعض، أبدى المخرجون السعوديون موافقة مبدئية على هذا الأمر، غير أنهم يعتبرونه طبيعيا بسبب حداثة التجربة مع عدم وجود الدورات المتخصصة لتطوير قدرات هؤلاء المخرجين مع عمل البعض منهم على تطوير نفسه ذاتيا.

وقال العمر: نحن في البداية فمن طور نفسه الآن فسيسبق من بعده، ولا بد أن نصنع عملاً نفخر به جميعاً أفضل من اسم شخص يفخر بنفسه، فصناعة عمل له هدف نبيل بإمكانيات جيدة حتماً ستولد مخرجا ناجحا.

ويضيف الغنيم «نحن نشاهد أن الأخطاء التي ارتكبت في أول عمل لا توجد في العمل الذي يليه، وهذا دليل على أن العاملين بهذا المجال يتطورون»، فيما يرى اليحيى أن المرحلة الحالية تتوجب إعطاء الخبز لخبازه عبر الاستعانة حاليا بقدرات أكثر خبرة وتجربة.

ويرفض الجطيلي المبالغة في وصف هذه الارتجالية قائلا: دعنا نبتعد قليلا عن إظهار هذا الوسط على أنه قائم على الارتجال وعدم المعرفة، لأن هذا الأمر فيه مبالغة نوعا ما. مضيفا أن أغلب العاملين في الوسط الفني الإسلامي يقوم بمسألة التطوير هذه بصورة اجتهادية فردية.

واتفق الجميع على استعداده للالتحاق بدورات أو ما شابهها لتقوية خبراتهم في هذا المجال، حتى من كانت له سابق تجربة في هذه الدورات مثل المخرج فهد العمر. لكن الجطيلي يستدرك بأن هناك صعوبات في وجود هذه الدورات داخل السعودية وارتفاع تكاليفها في الخارج. ويرى أن تتبنى إحدى المؤسسات الإسلامية أمر هذه الدورات بطريقتها الخاصة عبر التعاقد مع متخصصين في هذا المجال.

وبطبيعة الحال فإن الاستفادة من خبرة وتجارب متخصصين في المجال الفني سواء داخل السعودية أو خارجها لدعم العمل الإسلامي، أمر مطلوب كما يعتقد الجميع، وإن كان بحدود معينة، كما يرى العمر، أو بتعبير آخر يضيفه الجطيلي وهو ضرورة الأخذ بعين الاعتبار خصوصا العمل الإسلامي والشريحة المستهدفة.

إلى ذلك، يرى اليحيى ضرورة هذا الأمر، وهو كان قد بدأ فعليا بهذه الخطوة من خلال الاستعانة بمخرج محترف ومصور وماكيير ومهندس صوت وأيضا ممثلين لهم تجارب كبيرة على مستوى الدراما الخليجية والعربية لتنفيذ آخر عملين قام هو بنفسه بكتابة نصيهما، معتقدا أن هذه خطوة مهمة حاليا في ظل عدم توفر القدرات الفنية داخل الوسط الفني الإسلامي نفسه.

ويقترح اليحيى حول تكلفة الفيلم الإسلامي العالية والتي يصل متوسطها إلى 100 ألف ريال (27 ألف دولار) وسط عدم ضمان المكسب والمردود المادي، ترشيد هذه التكلفة والتقليل منها لتتناسب ومستوى المردود المادي لافتا إلى أن كل من عمل في إنتاج وإخراج هذه الأعمال الإسلامية يرى حجم هذه الإشكالية وكيف أنها أصبحت عائقا أمام تكرار التجربة. ويميل الجطيلي إلى ضرورة مراجعة الوضع وتقييمه من جديد لضمان الاستمرار بصورة ترضي جميع الأطراف المعنية بالعمل الإسلامي، فيما يقترح العمر بعض الإجراءات التي ربما تساهم في تخفيض هذه التكلفة كالتحضير والإعداد الجيد والمتقن للعمل قبل البدء به، إضافة لتقسيم أجور الممثلين على مرحلتين أثناء العمل وبعد عملية التسويق، مع وضع نظام للجزاءات على كل عامل وممثل قد يتسبب في تعطيل العمل في إحدى مراحله، إضافة لمشاركة إحدى الشركات في الإنتاج مقابل الإعلان الذي سيحصل عليه عبر هذا العمل، وهي طريقة يرى العمر أنها ستجعل النسخ غير المشروع مثلا في صف المنتج أيضا.

بينما يطرح الغنيم اقتراحا آخر يتمثل في إيجاد مؤسسة تملك جميع التجهيزات الفنية التي يحتاجها العمل مع وجود فنيين محترفين يعملون عليها، إضافة لتخفيض أجور الممثلين والعاملين لتجاوز هذه الظروف الصعبة في الإنتاج. وفي ما يخص تبنيّ إقامة مهرجان سنوي ترعاه إحدى مؤسسات الإنتاج الإسلامية يتم من خلاله اختيار الأفضل مما أنتج خلال سنة، من حيث الفيلم والإخراج والتمثيل والنصوص والتصوير وغيرها مما سيساهم بشكل أو بآخر في تحسين مستوى الأداء العام واشتعال التنافس الايجابي بين العاملين في هذا الوسط، أبدى الجميع حماسهم لهذه الفكرة، معتبرينها خطوة كبيرة ومهمة كان قد سبق طرحها بشدة لكنها لم تجد تفاعلا يتناسب معها حتى الآن وإن كان يدور في الآفاق اهتمام مؤسسات معينة لتنفيذ هذه الفكرة، منها مؤسسة الإنتاج التي يديرها الغنيم ويعد من خلالها بتنفيذ مهرجان مصغر على الأقل كبداية لتفعيل هذه المهرجانات.

وأخيرا فمع أن هناك من يتحفظ ابتداء على فكرة العمل الدرامي والفن الاسلامي باعتبارها تقوم على أفكار ومحددات معينة، إلا اننا رغبنا عبر ضيوف الندوة الذين أجابوا مشكورين على هذه التساؤلات، في إكمال حلقة الكشف والإفصاح عن هذه الظاهرة التي أثبتت وجودها وكونت لها متابعيها وشعبيتها الخاصة جاعلة من نفسها هدفا للنقد الفني كأي عمل درامي آخر.