تصوير مراسل «إن بي سي» لحادثة قتل العراقي في الفلوجة يغير النظرة تجاه المراسلين المرافقين للوحدات العسكرية

الصحافيون المُدمجون: «أبواق للبنتاغون» أم عيون محايدة ؟

TT

منذ الانطلاقة الحديثة لمفهوم الـ«مراسل المُدمج» بالفرق العسكرية embedded journalist مع بداية الحرب في العراق قبل أكثر من عام، يواجه معظم الصحافيين الذين ينتدبون للقيام بهذه المهمة نظرات سلبية تجاههم، وذلك بسبب اعتبار بعض المراقبين لهم بأنهم «أبواق للبنتاغون» وانهم حتماً «جزء من البروباغاندا الأميركية» كونهم يخضعون لشروط وزارة الدفاع الأميركية التي تملي عليهم محاذير معينة بالاضافة إلى الاطلاع على التقارير قبل أن ترسل. إلا أن عدداَ من التقارير اللافتة التي خرجت من العراق بدأت تهز مصداقية هذه النظرة، وكان آخر هذه الأعمال الصور التي التقطها الصحافي الأميركي كيفن سايتس منتصف الشهر الماضي، والتي ظهر فيها جندي «مارينز» أميركي يقتل عراقياً أعزل وجريحا داخل أحد مساجد الفلوجة، وقال سايتس إن هذا العراقي كان قد أصيب قبل الحادثة بيوم بسلاح جندي آخر. كثير من المعلقين وصفوا ما جرى بـ«جريمة حرب أميركية»، فيما نقلت وسائل الإعلام عن الجنرال المسؤول عن الكتيبة الأولى في المارينز، جون ف. ساتلر، اعتباره بأن قواته «تتبع قانون الصراع المسلح، وتلتزم بأعلى معايير المحاسبة» وأن «تحقيقاً سيجري في الوقائع». إلا أنّ ما جرى، وبغض النظر عن وجهتي النظر القانونية والانسانية للحادثة، يعتبر مادة دسمة للإعلاميين كونه يثبت امكانية كون الصحافي المدمج غير منحازاً بالضرورة. يعلق بيتر بيومونت، محرر الشؤون الدولية في صحيفة «ذا أوبزيرفر» البريطانية، على الموضوع بقوله إن «كيفن استطاع أن ينجز الكثير صحافياً»، وذلك لأن كل إعلامي دُمج بوحدة عسكرية (وبيومونت هو أحدهم) يعلم أنّ المشكلة الرئيسية التي يواجهها الصحافي في هذه الحالة هي كونه يمضي وقتاً طويلاً مع الوحدة، ويعيش معهم لحظات حساسة، وبالتالي يصبح متعلقاً بهم أكثر فأكثر، ناهيك من أنهم هم من يقومون بحمايته. ويضيف «من الصعب بعد كل ذلك أن يأتي الصحافي ويرسل تقارير عن أفعال سلبية»، وإن فعل فإنّه بلا شك سيواجه انتقادات المجموعة التي يرافقها... إن لم يطرد منها، وقد وردت تقارير عن صحافيين تم طردهم. أما فيما يخص سايتس الذي لم يطرد من الوحدة التي دمج معها، فيعلق بيومونت في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً «إنه أمر غريب حقاً... لكن لننتظر ونرى إن كان سيحصل على إذن مهمة دمج مع وحدة أخرى في المستقبل». إلا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل واجه سايتس أي انتقادات أو ردود فعل سلبية من الوحدة التي كان يرافقها بعد أن بثت الصُور؟ يقول بيومونت انه «لم يسمع عن أي شيء من هذا القبيل». ويروي بيتر قصة مشابهة جرت له عندما دُمج بالوحدة الـ«مجوقلة» الأميركية الـ 82، وقد كانت هذه الفرقة تهاجم الفلوجة في ديسمبر الماضي، وعندما دمرت أحد المباني دون سبب، طلب قائدها من بيتر عدم نقل ذلك. إلا أن بيتر فعل ونشر القصة، ويقول «صادفني حظ جيد انني كنت شارفت على انهاء فترة دمجي، وأن الفرقة كانت تستعد كذلك للعودة.. مما شجعني على المضي قدماً». وماذا لو لم يكن الوضع كذلك؟ يقول بيتر «كنت سأنقل الخبر في أي حال»، نافياً أن يكون قد تعرض لأي مضايقات من أي جهة. في ظل تعذر الاتصال بسايتس وسياسة التكتم على الموضوع التي تتبعها قناة «ان بي سي» الأميركية التي استأجرت خدماته، يقول بيتر بيومونت ردا على سؤال حول كيفية تمكن كيفن سايتس من ارسال الصور على الرغم من الرقابة المفترضة التي يفرضها الجيش الأميركي، «على الأرجح فإن الرقابة لم تعد بمثل الصرامة التي كانت عليها أول الحرب»، ويضيف «ثم أن اللقطات لم تكن في غاية الوضوح ولولا تعليق سايتس لما استطعنا فهم حقيقة ما يجري». ويقول بيومنت انه يأمل أن يكون ساتيس حذراً ويقظاً لأنّ التعليقات المنشورة على الانترنت «غير مطمئنة». ويوضح قائلاً ان هناك 24000 معترض على تغطية سايتس للخبر، ومنهم من تمنى أن يحدث لسايتس ما حصل للعراقي في المشاهد التي صورها. ويقول بيتر «هنا يكمن الجدل في الصحافة المدمجة... فلو غطى تقدم القوات وانتصاراتهم بايجابية يكون المراسل مناصراً للحرب، ولو نقل تصرفات سلبية يُخون ويصبح مناصراً للعدو». ويضيف بيومونت «يجب أن يدرك الناس أن الصحافي يمارس عمله في نقل الأخبار فحسب».

من جهة أخرى يعتبر بعض الاعلاميين بأن تقرير سايتس نجح في تحطيم الصورة المأخوذة عن الاعلام الأميركي بأنه موال للحرب، وتحديداً شبكة «ان بي سي»، كونها مملوكة من قبل شركة «جنرال إليكتريك» التي ترتبط بعقود تصنيع مع الجيش الأميركي.

وقال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن قنوات «إن بي سي» تتمتع باستقلالية كبيرة، وأوضح انه لم يحدث في أي مرة أن تدخل أي أحد في محتوى التقارير. ويضيف المصدر «ولو حدث ذلك فإن الكثير من العاملين سيتسقيلون وستحدث فضيحة إعلامية». وأوضح «إن كان بعض الصحافيين أبدى تحيزاً في تقرير ما فإن ذلك يعكس نظرته الشخصية، وفي المقابل فقد يعمل في نفس المؤسسة صحافي آخر يغطي الموضوع من وجهة نظر أخرى». وهنا يذكر موقف الإعلامي الأميركي المثير للجدل دان راذر الذي أعلن صراحة تحيزه لبلاده في لقاء متلفز، حيث قال على برنامج «لاري كينغ لايف» عام 2003 «أنا أميركي... ولم أدع أبداً أنني صاحب توجه دولي... وعندما تكون بلادي في حرب، أريدها أن تفوز.. لذلك فأنا لم ولن أناقش كون هذه التغطية ذات حكم مسبق، هي كذلك بالفعل». من جهته يعتبر بيتر بيومنت أنه على الرغم من انتقادات الكثيرين للشركات التي تملك وسائل الإعلام، فإن فضل كشف فضحية سجن «أبو غريب» مثلاً يعود إلى الصحافة الأميركية، ويضيف بيومونت إن شبكة «إن بي سي» كذلك هي أكثر من حقق في اشاعات الفساد المرتبطة بتعاقد البنتاغون مع شركة «هاليبرتون».